أفريقيا برس – الصحراء الغربية. رحل الزعيم الشهيد الولي مصطفى ولم ترحل ذكراه من أفئدة الصحراوين وذاكرة شعبه الذي يحفظ له تراثا ضخما من الفكر التحرري والعبقرية الثورية في إحداث التغيير المنشود، والشجاعة الميدانية التي عجلت بالرحيل نحو الخلود.
إننا حين نضع في ميزان التاريخ شخصيات أثرت في العالم ونضع مقارنة بينها مع فارق السن وسنوات فعل التأثير نجد ان الولي قد انجز المهمة في اقل من اربع سنوات وهو يفجر الثورة ويؤسس حركة التحرير ويعلن الجمهورية ويضع معالم الطريق أمام النصر النهائي وفق منهج عملي ومرجعية فكرية وسياسية لا تزال صالحة رغم مرور أكثر من أربعة عقود على رحيله.
رصد الولي مصطفى واقع شعبه بكل ما يحمل من علل وتخلف وتراجع شامل في كافة مناحي الحياة وفق رؤية تحليلية، استخلص على ضوئها العلاجات الناجعة والحلول الممكنة والقابلة للتطبيق.
مبادئه الراسخة لم تكن لتقبل المساومة أو التنازل ومواقفه الجريئة لم يحد عنها قيد أنملة، لم يشغل نفسه بالقيادة حينما رفض المسؤولية في استثناء نفسه من قيادة الحركة ولجنتها التنفيذية كرجل مبادئ لا تغريه السلطة او المناصب بقدر ما يدفعه إيمانه بضرورة إحداث القطيعة مع كل متعلقات الاستعمار والهيمنة والاستغلال، وان الثورة حين تندلع تصبح مسؤولية الجميع ومعركة أفقية القيادة عمودية التنفيذ تحكمها عفوية المبادرة وشمولية التطوع.
فكان أول المتطوعين حينما قاد معركة نواكشوط بنفسه ضد نظام المختار ولد داداه يوم 09 يونيو 1976م لينال شرف الشهادة على يد التحالف الاستعماري المغربي الموريتاني، الذي وفرت له فرنسا الغطاء الجوي (طائرات الجاكوار).
لم يعمر الشهيد الولي طويلا، لكنه نجح في إعلان ثورة شاملة ضد ترسبات الماضي ومخلفات الاستعمار التي أدت الى تخلف المجتمع ومن يستغلون هذا الواقع في البيع والشراء على موائد الاحتلال دافعا بالثورة لتحقق الحرية للشعب والمُثل العليا للإنسانية.
مع استثماره في العنصر البشري وجعله هو المحور ومركز كل فعل، وأن تكون المبادئ والقيم لصالح الإنسان ولرفاهيته وتقدمه.
حيث لم يقتصر نشاطه على الكفاح المسلح ضد الاستعمار، بل ناضل ايضاً بالعلم والتثقيف محدثا نقلة نوعية ونقطة تحول في مسار الشعب الصحراوي على كافة مناحي الحياة والجبهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
كما كان رجل إعلام وسياسي محنك أدرك التحديات وتمكن من وضع الخيارات والمخارج التي مكنته من معرفة الاجوبة الكفيلة بإدارة المعركة وتحقيق الانتصارات في مشروع وطني يشكل اليوم رسالة بيد الشباب ويفرض نفسه كمعادلة صعبة بالمنطقة.
وبفضل عبقريته الدبلوماسية التي برهنت على مؤهلات وكفاءات متعددة في ربط الاتصال بالآخر وكسب التحالفات وتشكيلها، كان المفاوض الفذ المقنع سواء مع المناضلين، أو مع الشيوخ، أو مع الآخرين، الرجل يعرف كيف يبلور افكاره، وكيف ينظم وقته وكيف يسير التنظيم ويحسن إبداع أساليب العمل، يتقن تصريف الأدوات وتنظيمها، وفي نفس الوقت كان الرفيق المستحيل لرفاقه، والأخ المحب لإخوانه، والأب الحنون لكل الأطفال الصحراويين والابن البار للشيوخ والعجائز،كان انسانا عبقريا، ذا قدرات خارقة، يمتلك رؤية وفكر رجل استراتجي من طراز رفيع، أدرك عظمة الجماهير وقدرتها غير المتناهية في القيادة والعطاء والريادة والتواصل، كما كان يضع التواضع سمة لصيقة بمن اراد ان يجعل له مكانا بين الجماهير يمقت الترفع و كل مظاهر القيادة السلبية كان كل هذا وأكثر وهو لم يتجاوز ال28 سنة محرزا نجاحاً باهراً في جميع المجالات حين قدم نفسه على مذبح الحرية شهيدا في ساحات الوغى وهو يتقدم الثوار الصحراويين في معركة كفاح بليغة التأثير والإعجاب.
بقلم : حمة المهدي
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس