البوليساريو، تعيش ازمة قيادة غير مسبوقة

21
مقال رأي : البوليساريو، تعيش ازمة قيادة غير مسبوقة
مقال رأي : البوليساريو، تعيش ازمة قيادة غير مسبوقة

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. استطاعت البوليساريو في السنوات الاولى لتأسيسها تحقيق انتصارات عظيمة على المستويين العسكري والمجتمعي، فقد استطاعت بشكل اسطوري الوقوف في وجه اقوى جيوش المنطقة، وهو الذي كان يراهن على القضاء عليها خلال اسبوع.

وفرضت نفسها كفاعل سياسي لا يمكن تجاوزه في المنطقة.

كما قفزت بالمجتمع الصحراوي الذي كان حينذاك مجتمع بدوي لا يتجاوز المتمدرسين من اطفاله العشرات إلى مجتمع كل اطفاله يدرسون ويتخرجون من أكبر جامعات العالم، وكباره يحاربون الامية كما يحاربون المحتل.

حدث هذا في ظل قيادة شابة تمتلك استراتيجية واضحة ومشروع دولة متكامل تسعى إلى تحقيقه على الارض، كان ذلك بقيادة الشهيد البطل الولي مصطفى الذي يمتلك من الحنكة والقدرة على مواجهة التحديات ما يجعله لا يعرف المستحيل .

ولكن اليوم بعد قرابة الخمسين سنة على ميلادها تبدو الحركة أكثر فتورا وأقل تأثيرا في محيطها الإقليمي، بل غير قادرة حتى على حماية مكاسبها السابقة، حركة عجوز شبيهة بحركة فتح الفلسطينية لا تملك للدفاع عن ابنائها سوى بيانات الإدانة والشجب، كما حدث مع عشرات الحالات بالمناطق المحتلة على راسهم حالة المناضلة الاسطورة سلطانة خية، وكذا مع المدنيين الذين تصطادهم الطائرات المسيرة في المناطق المحررة خلال العامين الاخيرين.

وحتى ورقة الحرب التي كان كانت تهدد بها طيلة عقود، وتدفع العالم بذاك التهديد إلى تذكر انتصاراتها السابقة، افقدتها قيمتها بشبه الحرب الحالية شوهت صورة تاريخها العسكري السابق.

كما قزمت الصورة العامة للشعب الصحراوي فبعد أن كان على قلة عدده، شعب صانع للانتصارات ولا يقهر في المعارك، اصبح تحت ظل هذه القيادة عاجز عن تحقيق اي انتصار عسكري، وابناؤه من لم يمت منهم بصواريخ مسيرات الاحتلال، يموت في بحثه عن لقمة العيش في مناجم الذهب او برصاص عصابات المخدرات.

البوليساريو اليوم تعيش ازمة قيادة حقيقية، وغير مسبوقة، فلم يحدث في تاريخها ان كانت تحت قيادة غير مقنعة لجمهورها أكثر من عدم إقناعها للآخر، قيادة غير قادرة على تقديم اي حل للتحديات التي تواجه المجتمع والدولة، ولا تملك من استراتيجية سوى الرغبة المطلقة في البقاء في السلطة و الانغلاق على الذات، واقصاء وتهميش بل وتشويه كل الاصوات المطالبة بالإصلاح حتى وإن كانت من داخل الهيئة القيادية نفسها، عن طريق بث الاشاعات واسطوانات التخوين، مستفيدة من شرعية الامر الواقع.

ازمة القيادة هذه تتجلى في عدة مواقف وقرارات، اهمها قرار العودة إلى الكفاح المسلح والذي رغم اهميته وبل خطورته، اثبتت النتائج والايام انه اتخذ بشكل ارتجالي ولم يتم التحضير له، لا على المستوى العسكري، ولا على المستوى السياسي، قرار شعبوي يفتقد إلى الحكمة وبعد النظر.

هذا لا يعني ان الشعب الصحراوي يمكن أن يحقق اي هدف من اهدافه بدون الحرب، فقانون ما اخذ بالقوة لا يمكن ان يسترد إلا بها، سُنة إنسانية لابد لمن أراد حقه من المرور بها.

ولكن قرار بهذا الحجم يجب ان يُحضر له بشكل جيد على مستوى الإمكانيات المادية بالدرجة الأولى، كما يجب ان تدرس له كل السيناريوهات الممكنة، وتطرح له كل الخطط البديلة التي تتماش مع اي سيناريو من اجل ربح المعركة، ولا ان يتخذ بهذه البساطة من اجل لحظات من الزغاريد، فتأتي النتائج عكسية، خسارة مزيد من الأراضي ( الكركارات) والعديد من الأبناء.

وعلى المستوى الداخلي هناك الكثير من القرارات العبثية أهمها بعض التعيينات الكيدية التي تؤثر بشكل مباشر على نجاعة عمل المؤسسات، كما يوجد قدر من التسيب والترهل الامني والمؤسساتي غير مسبوق.

وغيرها من القرارات الفجة التي لا يتسع المقام لذكرها.

لقد فقدت الجبهة توهجها منذ ان تحولت من حركة ثورية إلى حزب حاكم، ونظام يسعى للحفاظ السلطة، وفي سعييها ذاك اختارت القيادة الحاكمة أقصر الطرق وأقلها نزاهة، وهو احتكار السلطة والوطنية، واقصاء وتهميش، بل وتشويه وتخوين كل الاصوات المنتقدة والمطالبة بالإصلاح والتغيير، مما دفع بالكثير من الاطر والكفاءات إلى الهجرة إلى الخارج سواء كان كانت الوجهة اوروبا أو الدول المجاورة الجزائر وموريتانيا بل اوصل البعض إلى الارتماء في احضان الاحتلال ! أنا لا أبرر الخيانة لكن هذه هي الحقيقة للأسف بعض الذين انتهى بهم المطاف عند الاحتلال كان ذلك بسبب سياسة الإقصاء و التهميش التي انتهجتها القيادة للحفاظ على السلطة.

سياسة الاحتكار هذه شكلت بيئة طاردة للكفاءات والطاقات الحية، مما نتج عنها حرمان المجتمع الصحراوي ومشروع الدولة من هذه الطاقة الضرورية في حركة التطور المجتمعي، بعض تلك للكفاءات كما أسلفنا استفادت منها الدول المجاورة، والبعض الآخر ضاع في المهجر الاوربي وأكتفى بتحقيق الحد الأدنى من شروط الحياة الكريمة، وبقية الكفاءات التي لم تخرج انصرفت الى اعمالها الخاصة وآثرت الصمت تاركة الشأن العام.

وفي المقابل كانت هذه البيئة التي اوجدتها سياسة الاحتكار جالبة للأقل كفاءة والاكثر قبول بالواقع، ومشجعة على إنتشار ثقافة التملق والنفاق بين (النخب) إن صحت هذه التسمية، نظرا لإعتماد الولاء كشرط أساسي للترقية في المناصب، وأدت أيضا الى زيادة ظاهرة الاصطفافات القبلية، والمحسوبية لان الأقارب أكثر ثقة وولاء من غيرهم.

كما نتج عنها ايضا تملك مجموعة قليلة من القيادات للمشروع الوطني برمته واحتكارها للمشهد السياسي لمدة خمسين عاما منذ التأسيس وحتى الآن، ولكم ان تتخيلوا أن اغلب المجموعة التي أسست الجبهة سنة 1973 وكانت في هيئتها القيادية من لم يغيبه الموت منها لازال يمارس السلطة حتى الان، والرئيس الحالي الذي هو اول امين عام للجبهة خير دليل على ذلك، كما يوجد بعض الوزراء الحاليين كانوا أعضاء في أول حكومة أسست سنة 1976 ولازالوا يحتكرون السلطة حتى الان.

أي انهم عاصروا حكومة المخطار ولد دداه في موريتانيا، وكم من حكومة أعقبت حكم ولد دداه في الشقيقة موريتانية، كما عاصروا حكم هواري بومدين في الجزائر وكم من الأجيال تعاقبت على الحكم بالشقيقة الجزائر، وقيسوا على بقية العالم.

العمل الوحيد الذي نجحت فيه قيادة البوليساريو ، هو تدجين المجتمع الصحراوي، فهدا المجتمع الثائر بطبعه، استطاعت ابقائه عاجزا عن التغيَر لقرابة نصف قرن، وسيطرت على النخب تارة بالإقصاء والتخوين، وتارة أخرى بالإغراء بالمناصب والترقيات، مما دفعها في الآونة الأخيرة الى اصدار المزيد من المراسيم، واستحداث المزيد من المناصب، حتى فقدت المراسيم قيمتها وأصبحت اغلب المناصب شبه وهمية، محاولة بذلك تعويض عجزها عن تقديم أي استراتيجية مقنعة او اي انتصار ملموس غير الشعارات وصور السلفي .

ورغم الحاجة الملحة إلى فتح حوار وطني جدي، صادق وجامع، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلا ان القيادة الحالية تواصل سياسة الهروب إلى الأمام وتغلق كل ابواب الحوار، ولا تريد الاستماع لغير صدى اصواتها او من يزيدها تبجيلا، كما تفعل مع الندوات والمؤتمرات التي تختار اعضائهم مسبقا، حسب شرط الولاء طبعا.

راهنة بذلك المشروع الوطني بشخوصها، ومعرضة القضية لخطر التصفية والاندثار.

وفي احسن الاحوال الانتظار لعقود اخرى من الزمن.

بقلم محمد لحسن

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس