الخيط الرفيع بين النقد والتخوين…

22
الخيط الرفيع بين النقد والتخوين...
الخيط الرفيع بين النقد والتخوين...

بلاهي ولد عثمان

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. غالبا ما نرى هنا وهناك على كثير من صفحات التواصل الاجتماعية، والمواقع الصحراوية على شبكة الأنترنت، مثقفين صحراويين يتمردون على الواقع بكثير من الانتقاد والسخط وبحثا عن الاصلاح والتغيير، هذا ليس عيبا في أي بلد ما، وخصوصا في بلدنا، الذي يمر منذ أربعين سنة ويزيد بمراحل كفاح مستمر من أجل الحرية والاستقلال الذي لم نتمكن من تذوقه بعد رحيل الاسبان لأن الأشقاء عكروا نشوة النصر باجتياحهم لأرضنا الأبية.

هذا التمرد على الواقع يصحبه انتقاد لاذع للقادة والمسؤولين في كثير من الأحيان لأنهم هم من يتولى قيادة السفينة وعليهم تحمل الكثير من المسؤوليات من أجل الوصول إلى بر الأمان، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى ينبري آخرون باسم الشعب ويفندون كل الانتصارات وما تحقق من أسس الدولة الصحراوية على مدى أربعة عقود من الزمن رغم أنها ليست شيئا يذكر من تاريخ الشعوب والأمم، فيضربون بكل هذا عرض الحائط، فقط لأنهم غير راضين عن فلان في منصبه أو طريقة عمله لأنه لم ينزل عند رغبتهم أو يلبي مطالبهم، بل يذهب بهم التمادي إلى تخوين البعض رغم أنه بين النقد والتخوين خيط رفيع لا يدركه إلا قليلون، هؤلاء الذين يجيدون النقد البناء دون المساس بخصوصية الفرد ويعرفون كيف ينتقدون، أما الآخرون فلا يرون في النقد إلا أنه ذكر العيب والعبارات غير الأخلاقية والغوص في نقد وتشهير الأشخاص دون أعمالهم سواء كانت إيجابية أو سلبية، وهذه الفئة الأخيرة غالبا ما تقع في التخوين والانبطاح والتذلل للعدو وتقديم خدماتها له على طبق من ذهب ويكون هو أيضا سخي لها ويزيد لها في العطايا والأمثلة كثيرة.

والهوة بين التخوين والمطالبة بالإصلاح والتغيير كبيرة جدا لأن الأول لا يسعى صاحبه إلا لمصالح شخصية لم يتمكن من تحقيقها في محلها أو سعى إلى منصب لم يتمكن من الوصول إليه، أو إلى ما إلى ذلك، أما الثاني وهو الناقد الحقيقي المتمرد على الواقع وبِنيّة صافية وواضحة لا يسعى من ورائها إلى مآرب شخصية بقدر ما يريد الاصلاح والتعبير عما يجول في خاطره من أفكار إصلاحية وبصوت عال وأمام المجتمع، تجده أكثر الناس حرصا وتحملا للمسؤوليات وتراه أكثر من يحمل على عاتقه هموم العامة التي يرى أنها من الضروري الاستماع إليها والتفاعل معها.

ولكن بين الوطنية والخيانة خيط رفيع لا يراه إلا من كان يدافع عن وطنه بإخلاص، ويريد لشعبه الانتصار والخلاص وليس حبا في راتب يصرف له ويقبض ثمن خيانته المغطاة برداء الاصلاح والتغيير.

إذا على الجميع أن يعي أنه ليس هناك منطقة وسطى بين الجنة والنار، على أولائك الذين يريدون الاصلاح والتغيير، وهمهم ذلك أن ينتبهوا كثيرا، إلى ذلك الخيط الرفيع، الواقع بين النقد والتخوين والعيب وبين المصلحة الفردية والمصلحة العامة؛ والكثيرون غالبا ما يكونوا يغردون خارج السرب ويقدمون النقد لمؤسسات وأفراد لا يعرفون عنهم سوى أنهم يعملون في تلك المؤسسة التي نالها الانتقاد أو التشهير، إذا على الناقد أن ينطلق من الواقع والمعطيات ومحيط العمل، لأن من رأى ليس كمن سمع، كما يقال.

هنا ليس همي أن أسجل صوتا لصالح فلان أو علان ولا لأنتقد أي كان، فقط أريد التنبيه إلى ما أراه ضروريا، أقولها صراحة أن الاصلاح والتغيير والسعي إلى مستقبل أفضل وقيادة حكيمة ورجال يحملون المشعل ويصلون بهذا الشعب إلى بر الأمان، وينهون هذا النزاع الذي طال أمده، وبموافقة شعبية مبتغاها الانتصار، والعودة إلى الديار بأقصر الطرق، وانجعها – واضعة نصب أعينها ـ في أي عمل، الحرية والاستقلال وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، أصبحت أهدافا ينشدها الجميع.

لا ضير في أن تسوق وسط فئات من المجتمع لأفكار تحمل الكثير من الجرأة والنقد والنقد الذاتي البناء من أجل بناء المجتمع وإصلاحه والوصول إلى الهدف الأسمى الذي تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب من أجله ألا وهو الحرية والاستقلال، وواجبنا جميعا أن نساهم في تقويم الآخرين وفق ضوابط قانونية واجتماعية محددة ومبنية على المصلحة العامة أولا واحترام الشعب وقضيته التي ذهب من أجلها الكثير من أبنائه ثانيا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس