الرسائل القوية لقرار الجزائر تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا

15
الرسائل القوية لقرار الجزائر تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا
الرسائل القوية لقرار الجزائر تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. لم يكن القرار الاخير تعليق معاهدة حسن الجوار والصداقة مع إسبانيا منعزلا عن سلسلة القرارات والسياسات التي اتخذتها الجزائر منذ تولي عبد المجيد تبون رئاستها في اطار ترتيب مكانتها الدولية الطبيعية ولعب دورها المنوط بها كقوة اقليمية اقتصادية وعسكرية بلا منازع وتحظى باعتراف كل الفاعلين الدوليين.

فقد أكدت السلطات الجزائرية مرارا وتكرارا على أعلى مستوياتها لمحاوريها الدوليين على ضرورة احترام خصوصية المنطقة ورؤية شعوبها في بناء صرحها المنشود الذي تتطلع اليه بما يضمن قرارات دولها السيادية كل على حدى واستقلالها السياسي والاقتصادي مجتمعة.

وفي هذا الاطار، فقد حظيت إسبانيا، ضمن مواقع افريقية ومتوسطية أخرى، باهتمام خاص للجزائر الجديدة اثمر عن تفاهم غير مسبوق بين البلدين على قضايا كثيرة ثنائية، اقليمية ودولية لدرجة ان بعض المحللين وصفه بالخطوة نحو تحالف استراتيجي قد يضم الى جانب الدولة الإيبيرية والجزائر مجموعة اخرى من الدول باستثناء طبعا المملكة المغربية نتيجة عدم كفها عن سياسات التوسع، الابتزاز والازعاج التي دأب عليها إتجاه جيرانها، حيث قطعت الجزائر علاقاتها معها ووصلت حد القطيعة مع إسبانيا.

وقد تعزز هذا التفاهم بخطوة أنبوب الغاز الهامة “مديغاز” لجعل من اسبانيا مركزا لتوزيع هذه المادة الحيوية على اوروبا.

كما كان في صلب التفاهم الجزائري-الاسباني تمسك البلدين بالشرعية الدولية بخصوص قضية الصحراء الغربية واهمية الدور الذي يتوجب على الاخيرة ان تلعبه في تمكين شعب الإقليم من ممارسة حقه غير قابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة والمديرة للإقليم، هذه الادارة التي لا تسقط بالتقادم.

وما ان استبشر الجميع بالتقارب الجزائري-الاسباني، حتى بدأت حكومة بيذرو سانتشس تتراجع عن التزاماتها امام حملة الضغوط المغربية، التي تصاعدت مع استقبال اسبانيا رئيس الجمهورية الصحراوية، ابراهيم غالي، للعلاج من كوفيد 19، رغبة من المخزن في ان تحذو الحكومة الاسبانية حذو إدارة ترامب بخصوص الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.

لقد استعمل المخزن المغربي في هذه الحملة اساليب خبيثة لابتزاز إسبانيا منها السماح بتدفق الهجرة غير الشرعية بما في ذلك امواج كبيرة من الاطفال القصر التي اجتاحت الحدود مع سبتة ومليلية، المخدرات واخيرا التجسس على الهواتف الذي طال رئيس الحكومة واعضاء من فريقه، ليرضخ في الأخير بيذرو سانتشيس للابتزازات المغربية ويتبني اطروحة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية ضاربا عرض الحائط سياسة الدولة التي اتبعتها الحكومات الاسبانية منذ عقود في تعاطيها مع هذه القضية.

وهكذا، جاء رد الحكومة الجزائرية سريعا، شفافا وشافيا، واصفة التغيير الجذري في موقف الحكومة الإسبانية من قضية الصحراء الغربية يوم 18 مارس الماضي ب”الانقلاب المفاجئ” لتقوم باستدعاء سفيرها في مدريد قبل أن تبدأ في جملة من إجراءات المراجعة الضرورية لعلاقاتها مع هذا البلد الأوروبي لإخلاله بالعقيدة التي تتبعها الجزائر القائمة على احترام الشرعية الدولية والتزاماتها الاقليمية والقارية، خاصة وان هذا التحول غير مقبول ” اخلاقيا وتاريخيا” كما قال الرئيس تبون باعتبار ان ” إسبانيا تظل القوة المديرة للإقليم ما لم تجد هذه القضية حلا لها”.

وقد اشترطت الجزائر على اسبانيا تطبيق القانون الدولي لرجوع العلاقات إلى سابق عهدها، والتي لابد وان تكون هذه الاخيرة قد أدركت اهميتها لتجنب المزيد من الخسارة بعد استبدالها بإيطاليا فيما يخص موضوع الغاز.

لقد اكدت الجزائر بهذه القرارات حرصها على ان تظل التزاماتها الافريقية والعربية خطوط حمراء، لا تقبل المساومة، اي ان هناك تحولات عميقة في هذين المحيطين غيرت من الموازين التي كانت قائمة.

ومن هذا المنطق يأتي دعم الجزائر الثابت للجمهورية الصحراوية وكفاحها باعتبارها جار وأحد الأعضاء المؤسسين للاتحاد الافريقي، تتعرض منذ ازيد من 47 سنة لاحتلال لا شرعي من طرف نظام المخزن في المغرب خدمة لأجندات القوى الاستعمار والهيمنة التي تسعى دوما الى زعزعة أمن واستقرار المنطقة كلها وتعطيل مسار اندماجها.

لكن ايام هذا النظام باتت معدودة في ظل تفاقم أوضاعه الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية وعزلته الخانقة من جراء سياساته التوسعية.

قوى الاستعمار والهيمنة تلك التي اطلقت صفارات الانذار تخوفا من وقع نيل الجزائر لاستقلالها سنة 1962 على المحيط الافريقي والعربي وشعاع انتصار ثورة الفاتح من نوفمبر العظيمة على كل بقاع العالم.

ففي ظرف قياسي بعد استقلالها، أصبحت الجزائر لاعبا دوليا محوريا في مناهضة الاستعمار والتمسك بالشرعية الدولية والدفاع المستميت عن حقوق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال ومناصرة كفاحاتها العادلة، وفي الدفاع عن رؤيتها المنصفة والواضحة للشراكة والتعاون الدولي.

ومن بين الانعكاسات المباشرة لاستقلال الجزائر على المنطقة كان فك القيود الاستعمارية عن موريتانيا ثم الصحراء الغربية ووضع حجر اساس للصرح المغاربي المنشود.

وبالرغم من المحاولات المتكررة لزعزعة امنها واستقرارها، الا ان الجزائر برهنت في آخر المطاف انها بالمرصاد لكل تلك المحاولات وانه لا مفر لأعدائها من الاعتراف بالنهاية الحتمية لمطامعهم ومخططاتهم الاستعمارية.
بقلم: الديش محمد الصالح

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس