المواقف الدولية: تسهل أم تعقد القضية الصحراوية؟

26
المواقف الدولية: تسهل أم تعقد القضية الصحراوية؟
المواقف الدولية: تسهل أم تعقد القضية الصحراوية؟

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. رسميا ليس هناك ما يدل على أن هناك تحالفا دوليا واسعا لمناهضة جبهة البوليساريو، قد تشكل أسوة بالتحالف الذي أنشأه الأمريكيون قبل سنوات لمحاربة تنظيم “داعش”، لكن من الواضح جدا أن تصريح وزير الخارجية المغربي الأخير، الذي ربط فيه بين الحركات الإرهابية والحركات الانفصالية، معتبرا أن “من يمول ويؤوي ويدعم ويسلح الانفصالية، يساهم في الواقع في انتشار الإرهاب ويقوض السلم والأمن الإقليميين”، يثبت أن الفكرة اختمرت جيدا، على الأقل في أذهان المسؤولين المغاربة.

وبالنسبة للجزائريين فإن ذلك يكفي ليضاعف بالطبع قلقهم، ما جعلهم يسارعون للتعبير عن غضبهم، ليس فقط من أن المغرب حاد بنظرهم بالمؤتمر الدولي الذي استضافه الأسبوع الماضي حول محاربة تنظيم “داعش” عن هدفه الأصلي وحوّله إلى “حدث مخصص لقضية الصحراء الغربية”، مثلما جاء في بيان أصدرته الخميس الماضي خارجيتهم، بل أيضا لما وصفه البيان بـ”عملية المساومة التي صاحبت أشغال المؤتمر، واستهدفت عددا من المشاركين الأجانب، قد حادت بهذه المبادرة الدولية عن هدفها المعلن، وصيرتها بوضوح إلى محاولة خبيثة لإحياء صيغة ميتة حتى عند تقديمها في 2007″، وتلك الصيغة بالطبع هي المقترح المغربي للحكم الذاتي للصحراء، لكن هل كانت تلك المخاوف مبررة ومشروعة؟ أم أنها كانت مبالغة بعض الشيء؟

من البديهي أن لا أحد ينكر أن العرض المغربي، الذي اعتبره جيرانهم ميتا، بات يحوز يوما بعد آخر مزيدا من المؤيدين حتى في دول كانت من أشد المناصرين للبوليساريو، بالخصوص منذ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. أما تفسير ذلك بأنه كان فقط نتيجة لمساومة أو صفقة فيبدو مجحفا. لقد كانت واحدة من أقوى الأجراس التي قرعت هي افتتاح دول افريقية في وقت سابق لقنصليات لها في مناطق صحراوية، ما أعطى الانطباع، لا على أن هناك اهتماما إقليميا ودوليا متجددا فحسب، بل رغبة أيضا في تحريك الملف في وجهة محددة، ومع أن ما فعلته دول أوروبية وافريقية، وحتى أمريكية في الشهور الأخيرة، حين عدلت مواقفها بخصوص معضلة الصحراء، جاء في سياق تلك التحولات التي طرأت تحديدا على الموقف الأمريكي من النزاع، إلا أن مصالح كل دولة على حدة هي ما جعلته بالأساس يتحدد بالشكل الذي ظهر فيه. ومن الواضح أن تلك المصالح كانت تبدو على درجة كبيرة من التناقض والتباعد بين الطرفين، أي المغرب والجزائر بشكل جعل كل بلد يجد صعوبة كبرى في أن يحسم في المسألة بدقة ووضوح، من دون أن يغامر بالتضحية بقدر ما بعلاقته بواحد منهما. فحتى إن تحلى الدبلوماسيون بقسط وافر من المهارة والدهاء، فإنهم سيكونون عاجزين عن إرضاء المغاربة، من دون إغضاب الجزائريين، أو العكس بالعكس.

ولعل المثال الأخير، ما حصل مع الأتراك، فقد أثار تصريح وزير خارجيتهم، الأربعاء الماضي، في مراكش ضجة في الجزائر، فيما ترك تعقيب الناطق الرسمي باسم الخارجية التركية عليه، تساؤلات حادة في المغرب، مع أنه لم يكن هناك على ما يبدو أي تناقض بين ما قاله مولود تشاووش أوغلو في المؤتمر الصحافي الذي عقده يومها مع نظيره المغربي، على هامش مشاركته في المؤتمر الدولي حول “داعش” من “التأكيد على الموقف المبدئي لتركيا بخصوص الوحدة الترابية للدول وسيادتها، وأن تركيا تدعم سيادة المغرب الشقيق ووحدته الترابية”، وما جاء بعدها على الصفحة الرسمية على فيسبوك للسفارة التركية بالجزائر من أن الناطق الرسمي باسم الخارجية التركية، صرح بأن “تركيا تدافع منذ البداية على إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء في إطار قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن خلال الحوار بين الأطراف”. ولعل السؤال الذي بات على كل دولة أن تهيئ جوابا مسبقا وجاهزا عنه هو ما الحل “السياسي والواقعي والعملي والدائم والمقبول” حسب التوصيف الذي جاء في آخر قرار أصدره مجلس الأمن حول المعضلة الصحراوية، في أكتوبر الماضي، الذي يمكن في نظرها أن يعرض الآن أو يطرح على الطاولة؟ إن المعنيين المباشرين بالأمر لم يتفقا بعد. فالمغاربة لا يرون اليوم أن هناك حلا آخر غير الحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية. والجزائريون الذين لا يصرحون علنا بالانفصال أو الاستقلال، يطرحون خيار الاستفتاء، لكن ما الذي يحصل إن التقى السفيران المغربي والجزائري المعتمدان في الأمم المتحدة في اجتماع دولي يعقد خارج نيويورك، وفي مكان ناء وشبه معزول في البحر الكاريبي مثلا، للتداول ولو بشكل غير مباشر في المقترحين؟ الاحتمال الوحيد هو أنهما سيكرران قطعا ما دأبا على فعله في كل المناسبات السابقة وهو أن يتبادلا الاتهامات بينهما ويتهجما بشكل قوي، وربما مبالغ فيه أيضا على بعضهما بعضا، وذلك هو ما جرى بالضبط الخميس الماضي في كاستريس عاصمة جزيرة سانت لوسي، التي احتضنت جلسات اجتماع اللجنة الأممية المكلفة تصفية الاستعمار، حيث نقل إعلام الجارتين المغاربيتين تفاصيل المناوشة اللفظية التي حصلت هناك بين عمر هلال ونذير العرباوي، مصورا ما دار بين الدبلوماسيين على أنه انتصار ساحق لأطروحة أحدهما على حساب الآخر، في تحديد الخيار الأفضل والأمثل لحل أعقد وأصعب مشكل يؤزم العلاقات المغربية الجزائرية، منذ أكثر من أربعة عقود، أي المشكل الصحراوي. إذ في الوقت الذي قالت فيه وكالة الأنباء المغربية، إن السفير المغربي فضح سكيزوفرينيا السفير الجزائري بشأن مبدأ تقرير المصير من خلال “تذكيره بأنه مبدأ كوني ولا يقبل قراءة مجتزأة”، ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية بالمقابل أن السفير الجزائري ألزم السفير المغربي حده، حين وصف سيدة صحراوية بـ”المكلفة بمهمة” وقال إن السلطات المغربية هي التي لقنتها مداخلتها حول أوضاع حقوق الإنسان في مخيمات تندوف، لكن الأخطر ربما قد يكون ما نقل أيضا عن السفير العرباوي من أنه قال في مداخلته، إن أعضاء وفود مندوبي ما وصفها بالدول الصديقة للمغرب “الذين تطرقوا في مداخلاتهم التي وزعت عليهم من طرف الوفد المغربي، وكأنهم فرقة باليه تقدم عرضا عديم الذوق إلى مسألة الموائد المستديرة وضرورة إشراك الجزائر فيها”. ما سيعني وبوضوح أن دولا بعينها باتت الآن في مرمى النيران الجزائرية، مثلما استمرت أخرى كجنوب افريقيا مثلا في المرمى المعاكس، رغم أن الرباط لم تقطع علاقتها بها، أو حتى تحتج على مواقفها، وآخرها مطالبة وزيرة العلاقات الدولية والتعاون، الخميس الماضي، في كلمة ألقتها أمام برلمان بلادها بممارسة ضغط دبلوماسي على المغرب حتى يقبل بالاستفتاء في الصحراء. والسؤال الآن إلى ماذا يمكن أن يقود تراكم المواقف الدولية هنا، سواء تلك المؤيدة للمغرب أو المناصرة للجزائر؟ هل سينقسم العالم مثلا إلى قطبين أحدهما موال للوحدة الترابية للمغرب، والآخر مناصر لفصل الصحراء عنه؟ إن الخشية فقط هو أن يؤدي ذلك في النهاية إلى نتيجة واحدة هي صب مزيد من الزيت على نار الخلافات المغربية الجزائرية، وإبقاء المعضلة الصحراوية سنوات أخرى على الرف.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس