تصريح سفير المغرب في الامم المتحدة استدراج للجزائر أم تهور غير محسوب العواقب؟ (بقلم: حمادي محمد لمين الجيد- الناصري)

19
تصريح سفير المغرب في الامم المتحدة استدراج للجزائر أم تهور غير محسوب العواقب؟ (بقلم: حمادي محمد لمين الجيد- الناصري)
تصريح سفير المغرب في الامم المتحدة استدراج للجزائر أم تهور غير محسوب العواقب؟ (بقلم: حمادي محمد لمين الجيد- الناصري)

أفريقيا برسالصحراء الغربية. يبدو أننا سنشهد جولة أخرى من جولات العبث والتهور بالسياسات الخارجية التي يعتمدها طاقم الخارجية المغربية وفي كل مرة تكون بدايتها من سفيرهم بالأمم المتحدة، عمر هلال، الذي يتلقى الاشارة بقص شريط فتح معركة تجمع بين الدعاية والمراوغة خاصة أنه معروف بافتقاده للخطاب الديبلوماسي وأقرب له أن يكون رجل أمن ينفذ التعليمات على الطريقة المغربية.

فمنذ فترة أصبح هلال مولعا بالخرجات الاعلامية. لكن في خرجته الأخيرة التي تحدث فيها عن تقرير مصير “منطقة القبائل الجزائرية”، قد يكون هذا الولع خطير جدا على المغرب، إذ أن الأمر فيه استهداف مباشر للجزائر، وبشكل رسمي وهو خروج عن المألوف، بعد أن كانت مهمة الهجوم موكلة لوسائل الاعلام والذباب الالكتروني، الشيء الذي لن يجلب المتاعب فقط لبلده بل سيوقع المغرب أيضا في المآزق.

مما لا شك فيه، ان تصريح عمر هلال سيكون بداية لمرحلة جديدة خاصة في ظل التحولات الدولية والاقليمية، وهو ما استشعرته الجزائر منذ فترة أدركت أن مؤامرة دولية تحاك ضدها، ويمكن أن تستغل الحالة لبعض الأحداث الداخلية وتلغيم الأوضاع بدول الجوار لانجاحها.

فطيلة السنوات الاربعة الماضية نهج المغرب استراتيجية سياسة خارجية يصورها بالهجومية، في علاقته مع الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي، وإيران، والمانيا، واسبانيا وجنوب افريقيا، والبوليساريو والجزائر… وكلها حملات باءت بالفشل، لأنه لم يكن يراعي في حساباته حجم التحديات التي تقف عقبة أمام آفاقها.

وبعيدا عما يسوقه الاعلام المغربي عن طاقم الخارجية بقيادة ناصر بوريطة من حنكة وخبرة سياسية، ثبُت أن كل ردود الافعال هذه متهورة ومندفعة، فضلا عن أن القيمين عليها لا يملكون القدرة على الوصل بين التكتيكات والاستراتيجيات. وكل ما حققه هو توريط المغرب في أزمات مع المانيا واسبانيا بسبب الصحراء الغربية، وهو ما جعله يغير بوصلة بعض مغامراته الفاشلة في اتجاه الجزائر بعد أن وجد نفسه في مواجهة مع دول وازنة وهيئات دولية غاضبة.

ويأتي هذا التوجه الجديد بعد التطور السريع في العلاقة العلنية مع الكيان ال”إسرائيل”ي وتوقيع اتفاقيات عسكرية معها، وفي الواقع لا يمكن لوم المغرب على إقحام “إسرائيل” في مخططاته ومشاريعه، فهذا يُعد تقريبا خطأ استراتيجيا، لأن طاقم الخارجية المغربية يعاني على ما يبدو من قدر من السذاجة التي جعلته يعتقد أن تقديم الخدمات لامريكا والتحالف مع “إسرائيل”، عاملان مهمان في مساعدة المغرب على تحقيق أهدافه الرئيسية في الصحراء الغربية المحتلة، والتصدي لنفوذ روسيا المتنامي.

فمن الناحية الأولى، قاد المغرب حملة لفرض الحكم الذاتي كخيار نهائي مدعوما من فرنسا، وحاول استدراج الصحراويين بشتى الطرق، اغراءات للمترددين، وقمع للمخالفين، وتسويق خطاب دعائي عن الحريات وحقوق الانسان، والعمل على خلق نزيف داخلي بمخيمات اللاجئين الصحراويين باءت بالفشل، ليغير المقاربة بتجاهل الصحراويين وتهميشهم مؤيدين لطرحه ومناوئين، وغلق المناطق المحتلة، وخنق الحريات العامة، وعزل النشطاء الحقوقيين عن محيطهم. كما قام الاحتلال بجملة من الاجراءت الأخرى نذكر منها:

1- التصعيد مع الامم المتحدة وطرد المكون السياسي والتوقف عن المساهمة المادية واللوجستية لاجبارها على الصمت المتواطئ.

2- محاولة اجبار الاتحاد الافريقي على اتباع سياسة النأي بالنفس وتحييده عن مشكل الصحراء الغربية،

3- إعادة ربط العلاقات مع الدول الداعمة للشعب الصحراوي ومنحهم إغراءات اقتصادية لتغيير موقفهم أو شراء صمتهم.

4- نقل المعركة إلى داخل المخيمات، واستعمال بعض الادوات للاستثمار في الوقائع والأحداث والنفخ فيها، ونشر خطاب التيئيس والإحباط والتذمر بين اللاجئين. وتحويل الاحتقان في اتجاه القيادة وتشويهها.

5- خلق إطار موازي للجبهة من داخل المخيمات، بعد فشل “الكوركاس” المعين، وما أطلق عليهم المجالس الجهوية (المنتخبة) واستغلال بعض الوجوه الغاضبة للقيام بهذه المهمة مثل “مجموعة الاستسلام”.

6- مضاعفة عدد المستوطنين أربعة مرات أو خمسة بعد اكديم إيزيك، وتوفير شروط البقاء لهم ومنحهم امتيازات تحفيزية.

7 – توفير بنية تحتية شكلية لاستقطاب الأجانب وجعلهم شركاء اقتصاديين وسياسيين لفرض الامر الواقع.

8- محاولة ترسيم الحدود البحرية من جانب واحد.

9 – فتح قنصليات وهمية لفرض السيادة المزعومة.

وبناء عليه، ظل الاحتلال المغربي عالقا في مستنقع الفشل، فعلى الرغم من شنّه حملة ضخمة متعددة الاركان، سخرت لها كل الوسائل المادية والبشرية، إلا أنه فشل في خلق دعم دولي لمشروعه، فضلا عن أنه لا يملك استراتيجية دبلوماسية واضحة تُمكنه من حسم قضية الصحراء الغربية، خاصة خيار محاولة الغاء جبهة البوليساريو ونعتها بأوصاف” قطاع الطرق مجموعة مسلحة…” وهي التي تحظى بدعم شعبي ودولي وتملك كل مقومات الصمود تنظيميا وعسكريا، فضلا عن تقويض كل محاولات البحث عن الحلول السلمية، وجعل مصير المنطقة على المحك بسبب سياسة الاستعلاء والتعنت. وعلاوة على ذلك، ألقى صناع القرار بالمغرب بأنفسهم في مستنقع عميق من الأخطاء الفادحة نتيجة تقديراتهم الخاطئة.

ببساطة، يريد المغرب من خلال خرجة عمر هلال تحويل الجزائر إلى طرف رئيسي في قضية الصحراء الغربية المحتلة، أو تحييدها عن دعم الشعب الصحراوي، كما فعل مع عدة دول من بينها موريتانيا، وذلك كجزء من خطته التي ترمي إلى فرض هذه الخيارات على الجميع. ويبدو أن طموح طاقم الخارجية المغربية وشعوره المفرط بالتفوق سيضع المغرب في مسار تصادمي مع العديد من الدول بما فيها فرنسا، التي بفضل دعمها غير النقدي للمغرب، وموقفها المعادي لقيام دولة سادسة بالمنطقة المغاربية، يمكن أن تنجذب بسهولة إلى دوامة هذا الصراع.

ويضطلع طاقم الخارجية المغربي بقيادة الجزء الأكبر من هذه المخاطرة المتهورة، حيث أنه يعمل على استدراج الجزائر إلى الصراع المباشر، وبالتالي، خلق أجواء متشنجة تصبح خطرا محدقا، من خلال زيادة إمكانية اندلاع مواجهة مباشرة بينه البلدين المغاربيين قد تتطور إلى مواجهة عسكرية، وقد تكون الجزائر توصلت بمعلومات كافية عن طبيعة المخطط، لذلك لم تعد تخفي امتعاضها واستعدادها لمواجهة المخزن.

وعلى العموم، يلوح خطر حقيقي في الأفق فيما يتعلق بتوقعات الساسة المغاربة غير الواقعية والمبالغ فيها بشأن ما يستطيعون القيام به. ومن هذا المنطلق، قد يكون كل ذلك عاملا سيعجل بانهاء واقع الاحتلال الذي فرض على الشعب الصحراوي منذ عقود والذي تحمل هذا الشعب العناء الاكبر فيه مقارنة ببقية دول المنطقة.

في هذا الإطار، يضطلع ناصر بوريطة ومن وراءه الطيب الفاسي الفهري بقيادة الجزء الأكبر من هذه المخاطرة المتهورة.

وننتظر ما قد يعلن في خطاب العرش لملك المغرب نهاية الشهر الحالي وفقا للمعطيات السابقة، فهل سيقرر أنه حان الوقت ليقوم المغرب برسم بعض الخطوط التي قد تلطف الأجواء، ويؤسس لمرحلة جديدة تراعي استشراق مستقبل شعوب المنطقة، أم أن الاستمرار على نفس النهج بالانخراط في الخطابات التي تأجج من الصراع الذي سيعصف بآمال ابناءها هو ما سيكون عنوان المرحلة؟