تونس تطارد الجينات المهربة

18

كثّفت تونس من خلال البنك الوطني للجينات أخيرا من اتصالاتها بالعديد من دول العالم لاسترجاع أصناف محلية من عينات جينيّة تتعلق بثروات بيولوجية زراعية موجودة حاليا في بنوك جينات أجنبية، وذلك في فترة اتّسمت بتصاعد الجدل حول توريد أصناف من الحبوب يشتبه في احتوائها على مواد مسرطنة.

وأعلن المدير العام لبنك الجينات التونسي مبارك بن ناصر لوسائل إعلام تونسية الأسبوع الفائت عن وجود أكثر من 11 ألف عيّنة جينية لبذور وزراعات محلية تونسية مهرّبة بالخارج، في ظرف مناخي عالمي يتّصف بتسارع نسق انخفاض التنوّع البيولوجي الذي تقوم عليه السيادة الغذائية للدول.

ويهتم بنك الجينات التونسي منذ تأسيسه سنة 2007 بجمع الموارد الجينية المحلية، خاصة النادرة منها والمهدّدة بالاندثار ثم التحقق من مصادرها ومراقبتها الصحية بهدف إكثارها وتثمينها والمحافظة عليها في وسطها الطبيعي وخارجه، إضافة إلى العمل على استرجاع الأصناف الموجودة ببنوك أجنبية.

  مدير عام البنك الوطني التونسي للجينات مبارك بن ناصر (الجزيرة)
اللجوء إلى القضاء
صرّح بن ناصر بأنه يعكف حاليا على متابعة الملف الأسترالي، ويقول “رغم العديد من المراسلات الرسمية التي وجّهها لبنك الجينات الأسترالي الذي يحتفظ بأكبر عدد من العيّنات البالغ 3401 عيّنة جينية تخصّ الزراعات العلفية المحلية، فإنه بالغ في التغاضي عن طلباتنا في استرداد موروثنا البيولوجي”.

ويضيف بن ناصر للجزيرة نت أن الأستراليين طالبوا تونس بدفع تكاليف عمليات الإكثار التي سيقومون بها في مخابرهم، شرطا لإعادة العيّنات التونسية إلى أراضيها، وقال إن الطلب يعتبر مخالفا للاتفاقيات العالمية الجاري العمل بها، مما سيدفعه قريبا إلى مقاضاة بنك الجينات الأسترالي الذي ينتهج سياسة المماطلة في التعامل.

ويذكر أن الجهة الرسمية المخوّلة للنظر في هذا النوع من الخلافات والنزاعات الدولية، هي الأمانة العامة للاتفاقية الدولية للموارد الوراثية للأغذية والزراعة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة التي تلزم في بنودها المستفيدين باقتسام منافع الموارد الوراثية مع البلدان الأصلية التي نشأت بها.

وتعتبر تونس البلد الأول أفريقيا والسابع عالميا -تليه المملكة الأردنية- الذي أنشأ قاعدة بيانات مفصّلة بثماني لغات لتصنيف وتعداد موروثه الجيني الزراعي والحيواني وهي متاحة للعامة، بهدف تيسير عمليات التبادل مع الدول أعضاء اتفاقية الموارد الوراثية أو الشركات الزراعية العالمية.

 خمسة أصناف من خمسين صنفا من الموروث البيولوجي للقمح ظلت متداولة في تونس (الجزيرة)
نزيف العيّنات
كشف بن ناصر في حديثه للجزيرة نت أن الفرنسيين درسوا خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية لتونس الثروات البيولوجية التونسية ونقلوها إلى بلدهم، فيما كان التونسيون يرزحون تحت وطأة الفقر والجهل وقال إن هذه العمليات شملت كل المستعمرات الأفريقية والعربية آنذاك.

ويضيف أن لتونس موروثا بيولوجيا من خمسين صنفا من القمح إلا أن خمسة أصناف فقط بقيت متداولة وتتم زراعتها حاليا في تونس وبكميات محدودة، بينما تستحوذ الحبوب المحسّنة القادمة من دول أميركا الجنوبية على أكثر من 70% من جملة المساحات المزروعة رغم تدنّي قيمتها الغذائية وعدم مقاومتها للتغيّرات المناخية.

ويؤكد أن تهريب العيّنات الجينية يتمّ بسهولة من الضيعات والغابات والمساحات الزراعية التي غالبا ما تكون متاحة للجميع، إضافة إلى غياب آليات تشريعية ورقابية في المطارات والموانئ تكشف مثل هذه التجاوزات التي ظهرت نتائجها الوخيمة في السنوات الأخيرة المتعلّقة بجودة بعض المحاصيل.

 تونس استعادت ما يقارب 6000 عينة جينية من دول متعددة (الجزيرة)
يذكر أن بن ناصر قدم تقريرا -في جلسة عقدت بمجلس النواب يوم 9 يناير 2020- عن نشاط بنك الجينات التونسي، وطالب بسنّ قوانين ونصوص تشريعية بناء على مقترحات البنك تدعم آليات الرقابة وتخفّف من نزيف الثروات البيولوجية نحو الخارج بالطرق غير القانونية، حسب قوله.

وعاينت الجزيرة نت طرودا لعينات جينية قادمة من الولايات المتحدة الأميركية وبراغ وبنك المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح بالمكسيك والعديد من الدول الأوروبية، في حصيلة أولية لعمليات الاسترداد التي بلغت ما يقارب الستة آلاف عيّنة في انتظار استكمال استقدام البقية من دول أخرى على غرار أستراليا بالسبل القانونية.

المناخ والغذاء
توضح الدراسات المناخية أن العديد من الدول ستشهد في السنوات المقبلة أزمات تتعلّق بأمنها الغذائي، ويقول المدير العام لبنك الجينات التونسي إن البقاء سيكون للثروات البيولوجية التي وهبتها الطبيعة قدرة على مقاومة درجات الحرارة المرتفعة على غرار الحبوب المحلية التونسية التي أثبتت البحوث المخبرية قدرتها على النمو بصفة طبيعية في درجات حرارة تبلغ 67 درجة مئوية.

ويضيف للجزيرة نت أن تونس طوّرت عدد الأصناف المحافظ عليها في مزرعة البنك الوطني للجينات ليصل سنة 2019 إلى 46 صنفا مقابل سبعة أصناف فقط في 2010، وأن هذا العدد مرجّح للارتفاع في 2020 ليبلغ 54 صنفا تحسّبا للتغيرات المناخية المتسارعة والمحافظة على موروث غذائي ثقافي تونسي صرف.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here