أفريقيا تواجه فجوة تمويل ضخمة بين 670 و760 مليار دولار سنوياً

1
أفريقيا تواجه فجوة تمويل ضخمة بين 670 و760 مليار دولار سنوياً
أفريقيا تواجه فجوة تمويل ضخمة بين 670 و760 مليار دولار سنوياً

أفريقيا برس – الصومال. قال اقتصاديون إنّ قارة أفريقيا تواجه فجوة تمويل ضخمة تُقدّر بما بين 670 -760 مليار دولار سنوياً، في وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والجيوسياسية عالمياً. واتفق خبراء الاقتصاد المشاركون في جلسة مناقشة بعنوان “انكماش موارد مؤسّسات التمويل الإنمائية والتهديد الذي يواجه تنفيذ أهداف التنمية المستدامة خاصة في أفريقيا” على أن مستقبل التمويل التنموي بات مرهوناً بقدرة الدول على تحسين بيئة الأعمال وبناء مشروعات قابلة للتمويل، وضمان تكافؤ الفرص بين الحكومة والقطاع الخاص والاستثمار في البشر لجذب روؤس الأموال الخارجية، مؤكدين أن التحول من المساعدات إلى الشراكات الاستثمارية المستدامة هو السبيل الأمثل لتحقيق التنمية الشاملة في أفريقيا.

جاءت المناقشات ضمن فعاليات اليوم الأول من منتدى القاهرة الثاني، يوم الاثنين، الذي يعقده المركز المصري للدراسات الاقتصادية على مدار يومَي الثالث والرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني، بمشاركة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي المصرية رانيا المشاط، وأدار الجلسة طارق توفيق وكيل اتحاد الصناعات ورئيس غرفة التجارة الأميركية وعضو مجلس إدارة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، وبمشاركة إيلينا بانوفا المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في مصر، وستيفان جيمبرت المدير الإقليمي لمصر واليمن وجيوتي والشرق الاوسط وشمال أفريقيا بمجموعة البنك الدولي، ومارك ديفيز المدير الإداري لمنطقة جنوب وشرق المتوسط بالبنك الأوروبي للإعمار والتنمية، ونانغولا نيلولو أواندجا الرئيس التنفيذي لمجلس الترويج للاستثمار والتنمية في ناميبيا.

من ناحيتها أكّدت المشاط، أن العالم يواجه اليوم واقعاً جديداً ينعكس على مختلف الدول من مختلف الجوانب خاصة الاقتصادية، ولا سيّما من الدول التي تسهم في رأس المال وتحدد أولويات المؤسسات متعدّدة الأطراف ومؤسسات التمويل التنموي. ويتجلى ذلك في تراجع التمويلات التنموية للدول النامية ومتوسطة الدخل. وذكرت المشاط أنه مع ارتفاع تكلفة الاقتراض نتيجة الصدمات العالمية المتلاحقة، أصبح توجيه الموارد نحو تعزيز استثمارات القطاع الخاص أولوية أساسية، تأتي أهمية الشراكات بين مؤسسات التمويل التنموي، والحكومات، والقطاع الخاص لحشد المزيد من الموارد، ومواءمة الأولويات الوطنية مع الأهداف العالمية.

ولفتت إلى أن التحدي الحقيقي ليس التمويل، ولكن من الضروري توظيف الخبرات الفنية لبنوك التنمية متعددة الأطراف لدعم الدول النامية لرفع قدراتها في مجال تصميم والمشروعات وإعدادها بما يحفز رؤوس الأموال الخاصة على الدخول في تلك المشروعات، وأكدت على العديد من النقاط في كلمتها من بينها؛ ضرورة قيام مؤسّسات التمويل الدولية بإعطاء الأولوية للاستثمارات التحفيزية، بالإضافة إلى دمج التكيف المناخي والقدرة على الصمود في جميع المحافظ الاستثمارية للمؤسسات الدولية، مشددة على ضرورة زيادة الاستثمار في رأس المال البشري، وأن تتوافق استثمارات مؤسسات التمويل مع أولويات الدول في التعليم والصحة والتدريب، وربط التمويلات بمخرجات ونتائج محددة.

وانتقلت للحديث حول تجربة الإصلاح الاقتصادي في مصر، مضيفة أنه من خلال “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية”، تستهدف الدولة التحول إلى نموذج اقتصادي جديد يركز على القطاعات الإنتاجية والتصديرية، يقوده القطاع الخاص، وفي هذا السياق من المستهدف زيادة نصيب استثمارات القطاع الخاص إلى 66% من إجمالي الاستثمارات بحلول 2030، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي 82%، موضحة أن حوكمة الاستثمارات العامة تستهدف إعادة توجيه رأس المال مع إتاحة حيّز مالي للإنفاق على الصحة والتعليم، وتحفيز القطاع الخاص.

بدوره، قال طارق توفيق عضو مجلس إدارة المركز المصري إنّ العالم يعيش مرحلة غير مسبوقة من عدم اليقين، تتقاطع فيها الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية والبيئية، ما يفرض تساؤلات عميقة حول دور مؤسّسات تمويل التنمية ومستقبل التعاون الدولي، مشيراً إلى أن هناك مفهوماً جديداً بدأ يتشكل على الساحة الدولية يمكن وصفه بـ “دبلوماسية قوارب النجاة”، إذ يبدو أن العالم أصبح ضيقاً إلى درجة أن بعض الدول أو الفئات قد تُترك خلف الركب ليتمكن الآخرون من الازدهار.

وأضاف أن المشهد العالمي يقف أمام مفترق طرق، إمّا أن يتجه نحو مزيد من الإقصاء والتفاوت في الفرص والموارد، أو نحو مزيد من الشمول والازدهار المشترك الذي يعزز الطلب والنمو حتى في الدول النامية. وتساءل توفيق: “هل نحن مقبلون على نظام عالمي أكثر انغلاقاً يقتصر فيه الازدهار على القادرين؟ أم أن العالم سيتبنى نموذجاً أكثر شمولاً يتيح فرصاً متكافئة للتنمية للجميع؟”، وأشار إلى أن التحدي اليوم لا يقتصر على نقص التمويل فحسب، بل يمتد إلى تسييس قرارات مؤسسات التنمية وتراجع الحياد في توزيع الموارد، متسائلاً: “كيف يمكن للدول النامية أن تقلل من اعتمادها على المساعدات وأن تعزز من استقلاليتها المالية؟”.

من جانبها، قالت إيلينا بانوفا، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في مصر، إن التوقعات العالمية تشير إلى أن التمويل الإنمائي الرسمي مرشح للتراجع بنسب تتراوح بين 9% و17% خلال عام 2025، بعد انخفاضه 9% العام الماضي، وكما أن الآفاق للعام المقبل وما بعده غير واضحة، نحن نرى ذلك على نطاق واسع ليس من الوكالة الأميركية للتنمية فحسب ولكن كثيراً من الوكالات التنموية على مستوى العالم خفضت مساعداتها وهو ما سيؤثر مباشرةً على برامج التنمية في أفريقيا، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة في مصر خسرت نحو 87 مليون دولار من تمويلها خلال العام الجاري، بما انعكس على البرامج الموجهة للفئات الأكثر هشاشة، خاصة النساء والفتيات واللاجئين.

وتوقعت بانوفا أن ترتفع فجوة تمويل ائتمانية على أساس سنوي تبلغ حوالى 670 مليار إلى 760 مليار دولار سنوياً، وتابعت: “يشهد عدد كبير من السكان، بمن فيهم اللاجئون، موجة حادة من انعدام الأمن الغذائي ونقص سبل العيش، إذ فقد ملايين الأشخاص الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، وفي ظل هذه الظروف، تظل الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في مقدمة الجهود الدولية لدعم الفئات الأكثر ضعفاً، من خلال التمويل الإنمائي الدولي، ولا سيّما من الولايات المتحدة، إذ تحصل مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، على 37% من ميزانيتها من الولايات المتحدة، ما يعكس تأثيراً كبيراً على قدرتها على الاستجابة.

وأضافت “لقد تأثر الأطفال والشباب، ولا سيّما اللاجئين من غزة، بفقدان فرص التعلم، بما في ذلك التعليم عن بُعد، إذ اضطرت يونيسف إلى تعليق عدد من برامجها التعليمية نتيجة قيود التمويل”، وأكدت بانوفا أن المرحلة الحالية تتطلب من مؤسّسات التنمية أن تكون أكثر تركيزاً وفاعلية في اختيار البرامج ذات الأثر المباشر، وأن تعمل في إطار الأولويات الوطنية للدول، بدلاً من تعدد المشروعات الصغيرة متوسطة الأثر.

أما ستيفان جيمبرت المدير الإقليمي لمصر واليمن وجيبوتي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فأكد أهمية تمكين القطاع الخاص ليكون شريكاً رئيسياً في سد فجوة التمويل التنموي، موضحاً أن نحو 450 مليون شخص في أفريقيا يعيشون تحت خط الفقر، وقرابة 300 مليون لا يحصلون على الكهرباء، بينما تتراجع قدرة الحكومات على الإنفاق، وأشار إلى أن الحل يكمن في إزالة العقبات أمام الاستثمار وتقليص هيمنة الشركات الحكومية، مؤكداً أن مؤسسات التمويل يمكنها تعظيم أثر أموالها عبر جذب استثمارات إضافية، بحيث يُقابل كل دولار من مواردها خمسة دولارات من رأس المال الخاص.

بدوره أوضح مارك ديفيز، المدير الإداري لمنطقة جنوب وشرق المتوسط بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD)، أن الإصلاح المؤسّسي وتحسين الحوكمة يمثلان المدخل الأساسي لجذب التمويل، مشيراً إلى أن الأسواق الناشئة تعاني من آثار تقلبات السياسة النقدية العالمية، وأن ضبط السياسات المالية وإعداد مشروعات جاهزة للتمويل يمثلان أولوية قصوى.

أضاف ديفيز أن استغلال الموارد يولّد إيرادات أولية فقط، لكنّه لا يضمن النمو المستدام، إذ يجب على الدول التقدم تدريجياً في سلسلة القيمة لتحقيق أثر اقتصادي أكبر. وتطرق إلى التحديات المالية التي تواجه الدول النامية، موضحاً أن هذه الدول تواجه أزمتَين متزامنتَين، واحدة داخلية مرتبطة بالحوكمة والهياكل الاقتصادية المحلية، وأزمة خارجية مرتبطة بالسياسات المالية والنقدية في الدول المتقدمة، مضيفاً “تتأثر تدفقات رؤوس الأموال العالمية كثيراً بسياسات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ما يجعل التمويل المتدفق إلى الأسواق الناشئة متقلباً”، موضحاً عندما تكون السياسات النقدية متساهلة في العالم المتقدم، يرتفع المد وتتدفق رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة، والعكس صحيح عند التشديد”.

وفي ما يخصّ التمويل والاستثمار، أشار ديفيز إلى أنّ البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) قام منذ 2013 بضخ نحو 10 مليارات دولار في مصر وحدها، منها 7.5 مليارات دولار من أموال البنك مباشرة، إلى جانب تعبئة 2.5 مليار دولار إضافية عبر ترتيبات استثمارية، موضحاً أن هذه المبالغ تمثل “قطرة في بحر” مقارنة بالحاجة الفعلية، وأن التحدي يكمن في توفير مشاريع جاهزة وجاذبة للقطاع الخاص بنسبة 75% من الاستثمار المطلوب”.

وأشار إلى أن البنك الأوروبي يعمل حالياً مع الحكومة المصرية على برنامج لإعداد مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) بتمويل مشترك من البنك والحكومة، مؤكداً أن تصور المستثمرين للعائد مقابل المخاطر يمثل العامل الحاسم، وأن تقييم مؤسسات التمويل التنموي لمشاريع معينة يرسل إشارة إيجابية للأسواق الدولية والمحلية، ويحفز الاستثمار في الاقتصادات الناشئة.

وفي السياق ذاته، قالت نانغولا نيلولو أواندجا، الرئيس التنفيذي لمجلس الترويج للاستثمار والتنمية في ناميبيا، إنّ نجاح أي دولة أفريقية لن يتحقق بمعزل عن القارة ككل، مؤكدة أن النجاح مرهون بالتكامل الإقليمي، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والربط اللوجستي. وأضافت أن أفريقيا تمتلك صناديق معاشات تفوق قيمتها 400 مليار دولار يمكن توجيهها للاستثمار داخل القارة بدلاً من الخارج، إلى جانب إنشاء مراكز تميز إقليمية متخصّصة في الصناعات الاستراتيجية مثل الألماس والذهب والليثيوم.

اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here