التطلعات الجيوسياسية وتأثيرها على العلاقات الصومالية – الإثيوبية

0
التطلعات الجيوسياسية وتأثيرها على العلاقات الصومالية – الإثيوبية
التطلعات الجيوسياسية وتأثيرها على العلاقات الصومالية – الإثيوبية

شيماء علي سلامة

أفريقيا برس – الصومال. أقدمت إثيوبيا على افتعال توتر في منطقة القرن الإفريقي، مخالفةً بما فعلته كل المواثيق الدولية، وقامت بانتهاك حقوق دولة الصومال من خلال توقيعها اتفاقًا مع إقليم أرض الصومال المنشق عن دولة الصومال من جانب واحد.

وسوف نعرّف فيما يلي بإقليم أرض الصومال، ومِن ثَم نعرض للأبعاد التاريخية للعلاقات بين إثيوبيا والصومال، وأسباب هذه الأزمة، ثم نرصد ردود الأفعال الدولية تجاه القضية، وأبرز السيناريوهات المستقبلية المتوقعة.

أولًا: ما هو إقليم أرض الصومال؟

تاريخيًّا كان إقليم أرض الصومال جزءًا من منطقة القرن الإفريقي التي دخلها الإسلام في وقت مبكر من صدر الإسلام، وعندما تكالبت الدول الاستعمارية في القرن التاسع عشر على إفريقيا أصبحت أرض الصومال من نصيب بريطانيا، بينما استعمرت إيطاليا جنوب الصومال، وهيمنت فرنسا على جيبوتي، كما ألحق الاستعمار إقليم أوجادين بإثيوبيا ومنطقة أنفدي بكينيا.

وفي يوم 26 يونيو 1960م حصلت أرض الصومال على الاستقلال، وقرر قادة الإقليم طوعًا الانضمام إلى الجنوب لتحقيق حُلم “الصومال الكبير” بأجزائه الخمسة، وتم إعلان الوحدة بين الجنوب والشمال يوم 1 يوليو 1960م عقب حصول الجنوب على استقلاله.

وسرعان ما تغير الحال من الرغبة في الوحدة إلى الرغبة في الانفصال؛ حيث شعر سكان إقليم أرض الصومال بعدم المساواة؛ بسبب ما وصفوه بهيمنة الجنوب، واستئثاره بالثروة والسلطة، وتهميش الشمال اقتصاديًّا وسياسيًّا، وترجموا ذلك عام 1988م بتمرد مسلح قادته الحركة الوطنية الصومالية، وردت عليه الحكومة العسكرية بعنف مفرط، أدى إلى تهجير وقتل المئات، وتدمير المدن مما عمَّق الفجوة بين الجنوب والشمال، وفي عام 1991م وعقب انهيار الحكومة المركزية في الصومال، أعلنت أرض الصومال من جانب واحد استقلالها في (18 من مايو) من العام نفسه.

وتعتمد أرض الصومال نظامًا سياسيًّا متكاملاً؛ يتكون من رئيس وبرلمان ومجلس أعيان وأجهزة أمنية، وفيها يتم تداول السلطة بشكل سلس، إلا أنها تُواجه مشكلة كبيرة جدًّا؛ تتمثل في عدم حصولها على اعتراف المجتمع الدولي بها.

ولا يزال الأمر على حاله حتى الآن، ودخل إقليم أرض الصومال في مناقشات ومباحثات مع حكومة دولة الصومال للتوصل إلى حل، ولم يحدث جديد حتى الآن.

ثانيًا: الأبعاد التاريخية للعلاقات الإثيوبية الصومالية

العلاقات الإثيوبية الصومالية لها تاريخ طويل ومعقّد، يتشكل من القرب الجغرافي والتفاعلات الثقافية والديناميكيات الجيوسياسية. وسوف نعرض فيما يلي للأبعاد التاريخية لهذه العلاقات التي تمتد للعصور القديمة.

والأبعاد التاريخية للعلاقات الإثيوبية الصومالية متعددة الأوجه، تشمل طرق التجارة القديمة، والتأثير الإسلامي، الموروثات الاستعمارية، والديناميكيات الجيوسياسية الحديثة، وقد شهد الماضي فترات من التعاون والصراع، وفهم السياق التاريخي للعلاقات بين الجانبين ضروري؛ لتعزيز التفاهم المتبادل، وحل القضايا العالقة، وبناء مستقبل مستقر في منطقة القرن الإفريقي.

– العلاقات القديمة وطرق التجارة

كان القرن الإفريقي مفترق طرق لمختلف الحضارات، مما سهّل التفاعلات بين المجتمعات الإثيوبية والصومالية لعدة قرون. وتشير الأدلة الأثرية إلى وجود طرق تجارية وتبادلات ثقافية تعود إلى العصور القديمة، وكانت مدينة زيلا الساحلية القديمة الواقعة في الصومال الحالية بمثابة مركز مهمّ للتجارة بين المرتفعات الإثيوبية والمحيط الهندي، وتشير السجلات التاريخية إلى أن هذه التفاعلات كانت في كثير من الأحيان سلمية ومفيدة للطرفين، مما عزَّز الروابط الاقتصادية والتبادل الثقافي.

– التأثير الإسلامي وانتشار الإسلام

ظهر الإسلام في المنطقة خلال القرن السابع، وساهم في تعميق الروابط بين الجانبين الإثيوبي والصومالي؛ حيث اعتنق كلا المجتمعين الإسلام، ولعبت الروابط الدينية دورًا حاسمًا في تشكيل تفاعلاتهم، فقد سهَّل انتشار الإسلام التبادلات والتحالفات الدبلوماسية بين مختلف الدول الإسلامية في القرن الإفريقي، مما ساهم في خلق هوية دينية مشتركة تتجاوز الحدود العرقية.

– الحقبة الاستعمارية والنزاعات الحدودية

شهدت أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين التدافع الغربي على إفريقيا، وسعت القوى الأوروبية لتأسيس مستعمرات في القارة، وقاومت إثيوبيا الاستعمار بنجاح، وحافظت على استقلالها، بينما شهدت الصومال تقسيمًا بين مناطق النفوذ البريطانية والإيطالية، وأدت الحدود الاستعمارية التعسفية التي رسمتها القوى الأوروبية إلى تقسيم المجتمعات الصومالية، مما أدى إلى إنشاء الدول الحديثة في الصومال وجيبوتي وأجزاء من إثيوبيا يسكنها الصوماليون.

– صراع أوجادين وسياسة الحرب الباردة

أدى نزاع منطقة أوجادين إلى الكشف عن أحد أهم فصول العلاقات الإثيوبية الصومالية خلال الفترة الزمنية من (1977-1978م)؛ حيث استولت إيطاليا على إقليم أوجادين أثناء احتلالها لإثيوبيا وضمته لها، وسلَّط هذا الصراع الضوء على التنافس بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة خلال فترة الحرب الباردة؛ حيث دعمت القوتان العظميان الجانبين المتعارضين.

واتجهت الصومال، المتحالفة مع الولايات المتحدة، إلى استعادة أوجادين من إثيوبيا، التي حظيت بدعم سوفييتي، وانتهى الصراع باحتفاظ إثيوبيا بالسيطرة على المنطقة، مما ترك تأثيرًا دائمًا على التفاعلات الإقليمية فيما بينهم وتشكيل العلاقات الدبلوماسية اللاحقة.

– المصالحة والتعاون الإقليمي بعد الحرب الباردة

مع نهاية الحرب الباردة خضعت الديناميات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي لتغييرات كبيرة؛ حيث شهدت إثيوبيا والصومال تحولات في القيادة، وسعت كلتا الدولتين إلى التغلب على العداء التاريخي وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وقد وفَّر إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) منبرًا للمشاركة الدبلوماسية بين الجانبين، مما سمح لإثيوبيا والصومال بالتصدي للتحديات المشتركة، مثل عدم الاستقرار السياسي والإرهاب والتنمية الاقتصادية.

ثالثًا: مشكلة إقليم ارض الصومال الحالية

منطقة القرن الإفريقي المعروفة بتاريخها المعقد وصراعاتها المستمرة، تشهد حقبة متجددة من التوتر بين إثيوبيا والصومال، وسوف نرصد فيما يلي أحداث الأزمة الحالية:

في أوائل عام 2024م تم توقيع اتفاق مفاجئ بين رئيس الوزراء الصومالي “آبي أحمد” و”موسي بيهي عبدي” زعيم أرض الصومال يمنح إثيوبيا (الدولة الحبيسة) منفذًا على البحر الأحمر بطول 20 كيلو مترًا، يضم ميناء بربرة وبناء قاعدة عسكرية لمدة 50 عامًا، وذلك مقابل أن تعترف إثيوبيا رسميًّا بأرض الصومال (المنشقة عن الصومال) كجمهورية مستقلة، وإقليم أرض الصومال هو إقليم منشق أعلن انفصاله عن الصومال عام 1991م، ولم يعترف به المجتمع الدولي.

وقد ساهمت عدة عوامل في التوتر المتزايد بين الجانبين، نذكر منها ما يلي:

التطلعات الجيوسياسية

تنبع رغبة إثيوبيا في الوصول البحري دون عوائق من طموحاتها كقوة إقليمية؛ حيث تعتبر أن الوصول المباشر إلى البحر الأحمر أمر حاسم للنمو الاقتصادي والاستقلال الذاتي الاستراتيجي؛ مما يقلل من اعتمادها على جيبوتي، منفذها الحالي الوحيد.

الوضع المعقد لأرض الصومال

كونها إقليمًا غير معترف به مِن قِبَل المجتمع الدولي كدولة مستقلة، وتسعى أرض الصومال إلى النفوذ والاعتراف الدولي من خلال علاقات أوثق مع إثيوبيا، وتمثل صفقة الميناء فرصة اقتصادية وسياسية كبيرة لأرض الصومال، مما قد يمهّد الطريق للاعتراف بها في المستقبل.

وقد شمل هذا الاتفاق بندًا ينص على التعاون الأمني، ونُوقشت فرصة إقامة قاعدة بحرية إثيوبية في أرض الصومال، وإنشاء موانئ وقواعد بحرية بالقرب من منطقتي لاقهاي وسيلاك.

رابعًا: ردود الفعل الدولية والإقليمية

1- من جانب الصومال؛ عارضت الصومال بشدة هذا الاتفاق المزعوم، واعتبرته انتهاكًا لسلامتها الإقليمية، واستدعت سفيرها لدي إثيوبيا، وأعلنت أن هذا الاتفاق لاغٍ وباطل، واتهمت اثيوبيا بتقويض السيادة الصومالية على أراضيها، وقد وقَّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود تشريعًا يلغي مذكرة التفاهم، كما أعلن المسؤولون الصوماليون عزمهم على خوض الحرب دفاعًا عن السلامة الإقليمية لبلدهم، كما أرسلت الصومال طلبات إلى الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقد اجتماعات بشأن هذه القضية.

2- أما من جانب حركة الشباب؛ فقد أصدرت بيانًا ترفض فيه الاتفاق، وتهدّد بشنّ حرب على أرض الصومال وإثيوبيا، ودعا المسلحون الشعب الصومالي إلى الدفاع عن بلادهم وحمايتها من أطلقوا عليهم “المرتدين والخونة”.

3- الإيجاد (IGAD) أصدر الأمين التنفيذي لمنظمة الإيجاد بيانًا في 3 يناير2024م أعرب فيه عن بالغ قلقه إزاء هذه التطورات بين البلدين، ودعا قادة المنظمة إلى النظر في هذه المسألة، ولذا دعت منظمة الإيجاد إلى عقد مؤتمر قمة استثنائي تستضيفه أوغندا بشأن هذه الحالة في 18 يناير 2024م.

4- من جانب جيبوتي (الرئيس الحالي للإيجاد)، أصدرت بيانًا دعت فيه إلى ضرورة احترام السلامة الإقليمية لجميع الدول الأعضاء في الإيجاد.

5- أصدر رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “موسى فقي محمد” بيانًا في 3 يناير دعا فيه إلى الهدوء والاحترام المتبادل لتهدئة التوتر المتصاعد، كما شدد على ضرورة احترام الوحدة والسلامة الإقليمية والسيادة الكاملة لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، بما في ذلك جمهورية الصومال الاتحادية وجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية.

6- أكد الاتحاد الأوروبي على أهمية احترام وحدة جمهورية الصومال الاتحادية وسيادتها وسلامتها الإقليمية وفقًا لدستورها وميثاقي الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.

7- أعربت منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية عن وجهات نظر مماثلة، مشيرةً إلى ضرورة الالتزام بقواعد ومبادئ علاقات حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول المجاورة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

السيناريوهات المتوقعة:

وسوف نعرض فيما يلي للسيناريوهات المتوقعة لهذه الأزمة:

1- السيناريو الأول: خفض التصعيد واللجوء للحوار

يدرك الجانبان العواقب المدمرة لاستمرار الصراع، لا سيما في ظل تصعيد حركة الشباب، وينخرطان في حوارٍ بنّاء بوساطة الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. وقد يحدث أن يتم إعادة التفاوض على اتفاق (أرض الصومال وإثيوبيا) بموافقة صومالية، أو تعليقه أثناء إعادة بناء الثقة، ومِن شأن هذا رغم أنه يمثل تحديًا أن يمهد الطريق للاستقرار والتعاون الإقليميين.

2- السناريو الثاني: الصراع المطول

قد تتعثر الجهود الدبلوماسية المبذولة من جميع الأطراف الدولية والإقليمية، وقد يتصاعد النزاع ويتحول إلى صراع طويل الأمد منخفض الحدة، مما يؤثر على الاستقرار الإقليمي، ويؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في كلا البلدين، ويتفاقم انعدام الثقة، بالإضافة إلى أن الاشتباكات المتفرقة والمناورات السياسية يمكن أن تصبح هي القاعدة، ما قد يؤدي إلى إعاقة الحوار الدولي، ويُمكِّن الجماعات المتطرفة في المنطقة مثل حركة الشباب، فضلًا عن إمكانية توقيع عقوبات على إثيوبيا في المنظمات الإقليمية والدولية؛ كونها انتهكت حقوق دولة أخرى وتعدت على سلامة أراضيها.

وأخيرًا

فإن الحسابات الخاطئة من جانب أطراف الأزمة أو الضغوط الداخلية أو التلاعب الخارجي قد يؤدوا إلى صراع مفتوح، وسيكون لذلك عواقب إنسانية كارثية، ويزعزع استقرار المنطقة، ويخلق أرضًا خصبة للإرهاب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here