أويس حاج يوسف
مستشار الأمن القومي بجمهورية الصومال الفيدرالية
أفريقيا برس – الصومال. على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ارتبط اسم الصومال في عناوين الأخبار بالصراع والإرهاب والهشاشة. إلا أنّ هذه الرواية آخذة في التغير. فاليوم، تبدو الصومال أقرب إلى هزيمة الإرهاب من أي وقت مضى في تاريخها الحديث.
تمثل الأمن نقطة الدخول الأساسية لاستعادة الثقة بين المواطن والدولة. وتوضح استراتيجيتنا المسار لهزيمة الإرهاب عسكريًا وماليًا وفكريًا. غير أن الأمن الوطني لا يتوقف عند مواجهة الأعداء، بل يشمل بناء ركائز الدولة الصومالية الحديثة: الحوكمة الرشيدة، والمؤسسات المرنة، ومجتمع ينال حقه في الأمان والفرص من دولته.
خلال السنوات الثلاث الماضية، أطلقت القوات الصومالية — بدعم من المجتمع المحلي والشركاء الدوليين — إحدى أكبر الحملات العسكرية ضد الإرهاب في تاريخ البلاد. والنتائج واضحة: أراضٍ محررة، مجتمعات أُعيد لها الأمل، أرواح أُنقذت، ومدن أصبحت أكثر أمنًا. إنّ أسطورة “لا يُقهر” التي ارتبطت بحركة الشباب تتفكك اليوم أمام أعين العالم.
انتصارات في ميدان المعركة
في عام 2022، خاضت القوات الصومالية واحدة من أوسع العمليات لمكافحة الإرهاب في تاريخها، وتمكنت من استعادة مساحات واسعة من قبضة الشباب في الوسط، ومن داعش في الشرق.
أُعتق ما يزيد على 1.5 مليون مواطن من سيطرة التنظيمات الإرهابية، بعضهم عاش تحت قبضتها لأكثر من عشر سنوات. حيثما كانت الحركات الإرهابية تحكم بالخوف، بدأت الآن سيادة القانون والخدمات والمدارس والمرافق الصحية تعود تدريجيًا.
في ولايات هرشبيلي وغلمدغ وبونتلاند، تراجعت القدرات العسكرية للتنظيمات بشكل كبير. فقُطع الإمداد عن مقاتليها، وانخفضت معنوياتهم، واستسلم كثير منهم للقوات الحكومية، كما أحدثت الضربات الجوية تحولات حاسمة في المعركة.
أما المناورات الأخيرة التي لجأت إليها الجماعات الإرهابية — من حرب عصابات وهجمات خاطفة — فهي في الحقيقة محاولات يائسة لفتح ممرات هروب لمقاتليها. مكاسبها المؤقتة لم تستطع إخفاء الحقيقة الكبرى: تنظيم في حالة تراجع وانهيار لوجستي ومعنوي.
تواصل القوات المسلحة الصومالية وقوات أتميس (AUSSOM) التقدم في عملية “العاصفة الصامتة” في شبيلي السفلى، والتي حققت مكاسب مهمة دفعت حركة الشباب إلى الاختباء في المناطق الريفية.
كل الجسور التي تربط مقديشو بالأقاليم المحيطة — والتي كانت سابقًا تحت تهديد إرهابي — باتت اليوم محررة بالكامل وتحت سيطرة الدولة.
أعادت هذه النجاحات فتح الطرق الحيوية، واستعادة حركة المدنيين، وتوسيع نفوذ الدولة حول العاصمة. وتستعد الحكومة الفيدرالية لعملية عسكرية كبيرة جديدة لدفع حركة الشباب نحو الجنوب وتوسيع “ممر مقديشو”، تمهيدًا لعمليات أوسع العام القادم، قد تشكل مرحلة حاسمة في الحرب الطويلة ضد الإرهاب.
وفي الوقت ذاته، تبني الصومال مستقبلها: أكثر من 20 ألف جندي جديد انضموا للقوات الوطنية خلال السنوات الأخيرة لضمان الحفاظ على المناطق المحررة. ولأول مرة منذ سنوات، تحرر القوات الصومالية مناطق جديدة وتحافظ عليها في الوقت نفسه.
مقديشو، التي ارتبط اسمها يومًا بالعنف اليومي، أصبحت اليوم مدينة مختلفة. فمن مايو 2022 إلى سبتمبر 2025، انخفضت الحوادث الإرهابية في العاصمة بنسبة 85%.
نُشرت وحدة خاصة من الشرطة والجيش لتأمين العاصمة، وجرى تشديد الرقابة على السلاح، وتركيب آلاف الكاميرات، واعتماد نظام ترقيم رقمي للمركبات، إضافة إلى عمليات أمنية تعتمد على المعلومات الاستخباراتية.
وبفضل ذلك، أصبحت شوارع العاصمة أكثر أمنًا للعائلات والمواطنين والمستثمرين. لم يعد مشهد السياح ليلاً أو وفود المستثمرين أمرًا غريبًا — بل أصبح “الوضع الطبيعي الجديد”.
قطع مصادر تمويل الإرهاب
لا يمكن للإرهاب البقاء دون مال. فحركة الشباب اعتمدت لعقود على الابتزاز وتدمير الاقتصاد المحلي.
لكن الدولة الصومالية نقلت المعركة إلى التمويل. ففي أقل من ثلاث سنوات، تم تخفيض إيرادات الإرهاب بنسبة 53%.
حيث باشرت السلطات المختصة أكثر من 300 قضية تمويل إرهاب، وحققت في 3500 حساب بنكي، وصادرت ملايين الدولارات وفق الإجراءات القانونية.
كما فُرضت عقوبات على 17 قياديًا بارزًا في حركة الشباب، أربعة منهم قُتلوا في عمليات خاصة دقيقة.
المؤسسات المالية الصومالية أصبحت أكثر صلابة، مما يضيق الخناق على تمويل الإرهاب ويعيد الثقة للمجتمع الاقتصادي.
الانتصار في معركة الأفكار
استند كل من مليشيات الشباب وداعش إلى تشويه الدين لتبرير العنف. لكن هذه الدعاية تتآكل الآن، والدولة الصومالية تعيد الخطاب الديني إلى مساره الصحيح.
فقد تبنت الحكومة “الإستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف العنيف”، وأصدر العلماء فتوى موحدة تُجرّم فكر الجماعات الإرهابية وتصفه بأنه غير إسلامي.
وبفضل ذلك، فقدت التنظيمات الإرهابية كثيرًا من قواعدها ومصادر تجنيدها.
لم يكن هذا انتصارًا سياسيًا فقط، بل انتصارًا أخلاقيًا. فقد اتحدت الدولة والعلماء والمجتمع المدني لتأكيد أن الإسلام دين سلام، وأن الإرهابيين وأفكارهم لا يمثلون الصوماليين.
تقدم يتجاوز المجال الأمني
النجاحات الأمنية جزء من قصة أكبر: تعافي الدولة الصومالية.
ففي السياسة، تتجه البلاد نحو انتخابات “صوت واحد لكل مواطن”. ولأول مرة منذ 57 عامًا، يسجل الصوماليون — وبحماس — للمشاركة في انتخابات عامة.
وفي مقديشو وحدها، سجل ما يقرب من مليون مواطن لانتخاب مجالسهم المحلية.
وفي علاقة الحكومة الفيدرالية بالولايات، تسود لغة الحوار والتفاوض بدلًا من التصعيد.
أما اقتصاديًا، فقد حققت البلاد تقدمًا في الإصلاحات المالية، وارتفع حجم الميزانية إلى أكثر من مليار دولار، إلى جانب نمو اقتصادي مستمر، واستكشاف فرص الاستفادة من الموارد الطبيعية التي قد تُحدث تحولًا كبيرًا في بنية الاقتصاد الوطني.
خاتمة
بفضل الجهد المشترك بين الحكومة الفيدرالية والولايات والمجتمع، أصبحت الصومال اليوم أقرب من أي وقت إلى مستقبل خالٍ من الإرهاب.
الأرقام ليست مجرد بيانات؛ إنها أرواح استعادت الأمان، ومجتمعات عادت للحياة، واقتصاد يتعافى، وسياسة تتجه نحو الاستقرار، ووطن ينهض من جديد.
لقد أثبتت الصومال أن الإرهاب يُهزم عندما يمتلك الشعب مصيره، وعندما تُقدّم الدولة الخدمات والعدالة، وعندما يقف العالم إلى جانبها.
هذا هو الوقت الفاصل للصومال — ونريده أن يكون اللحظة التي يتذكرها التاريخ كنقطة النهاية للإرهاب في البلاد.
الإنجازات صومالية القيادة، لكنها تحققت بدعم دولي مؤثر — من المعلومات الاستخباراتية إلى التدريب، ومن الدعم المالي إلى العمليات العسكرية.
وما تحقق لا يصب في مصلحة الصومال وحدها، بل في أمن المنطقة والعالم. فاستقرار الصومال يعني منطقة القرن الإفريقي أكثر أمانًا، وعالمًا أكثر استقرارًا.
المصدر: وكالة صونا
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال عبر موقع أفريقيا برس





