الهضيبي يس
أفريقيا برس – الصومال. قام الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بزيارة امتدت لساعات إلى إقليم جوبالاند عقب خلافات نشبت بين رئاسة الإقليم والحكومة المركزية الفيدرالية، نتيجة لإعلان رئيس الإقليم أحمد مادوبي ترشحه لدورة رئاسية جديدة، وهو ما يُعد مخالفًا لدستور البلاد.
الأزمة التي بات الكثيرون يتخوفون من تداعياتها، وسط هشاشة الوضع في البلاد، قد تمضي نحو مواجهات عسكرية داخلية حال احتدام الصراع ووصوله إلى طريق مسدود، ما يتطلب بحسب مراقبين الإسراع في نزع فتيل الأزمة وإنشاء وساطة من قبل عقلاء الصومال.
ولمناقشة تطورات وأبعاد ومآلات الأزمة، أجرى موقع “أفريقيا برس” مقابلة مع الباحث والخبير في الشؤون الإفريقية هيثم محمود، فكان هذا الحوار:
ما أبرز النقاط الخلافية التي حالت دون التوصل إلى اتفاق بين الرئيس حسن شيخ محمود والرئيس أحمد مادوبي خلال مباحثات كسمايو؟
أعتقد أن زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لولاية جوبالاند تُعد خطوة جريئة ومهمة بعد قطيعة طويلة بسبب عدم الاعتراف بانتخابات رئيسها. والزيارة تعني اعترافًا ضمنيًا برئاسة أحمد مادوبي، الذي كانت المحكمة الصومالية قد أصدرت أمرًا بالقبض عليه بتهمة الخيانة والتخابر وانتقاص سيادة البلاد وتقويض النظام الدستوري. جميع هذه التهم سقطت ضمنيًا بزيارة الرئيس ولقائه مادوبي، الذي جاء في إطار مشاورات بناء الدولة وفتح باب الحوار.
كيف تقيّم الحكومة الفيدرالية نتائج انتخابات نوفمبر 2024 في جوبالاند، ولماذا تعتبرها غير شرعية؟
من أبرز نقاط الخلاف النظام الانتخابي وملف تعديل الدستور، والخلاف حول العمل بالانتخابات المباشرة والنظام الرئاسي أو البرلماني، ورفض تعديلات الدستور التي تمت عام 2024، والخلاف حول استكمال أو تعديل الدستور. وقد دفع ذلك ولايتي بونتلاند وجوبالاند إلى الاختلاف مع الحكومة الفيدرالية ورفض تأجيل الانتخابات وتمديد فترة رئاسة شيخ محمود. أضف إلى ذلك انتقادات مادوبي للرئيس شيخ محمود، حين وصفه بالعمالة لصالح دول أجنبية.
ما الأسس القانونية أو الدستورية التي يستند إليها الرئيس حسن شيخ محمود في رفض نتائج الانتخابات الإقليمية؟
ترفض الحكومة الفيدرالية بشدة نتائج الانتخابات في جوبالاند، باعتبارها غير شرعية ومخالفة للدستور، وتتهم مادوبي بتقويض السلطة المركزية ودعوة ولايات أخرى للاستقلال، ما يهدد وحدة البلاد.
انتخاب مادوبي وجد دعمًا من نائب الرئيس السابق وعدد من البرلمانيين، بل واعترف به اثنان من خصومه في الانتخابات، رغم أن مادوبي ظل حاكمًا للإقليم لمدة 12 عامًا، في مخالفة للدستور الذي يقر فقط بدورتين رئاسيتين.
قبل أسابيع، أفصح رئيس الوزراء حمزة عبدي بري في احتفال عسكري عن اعتراض الحكومة بشكل واضح على مسألة ترشح مادوبي مجددًا لرئاسة الإقليم.
هل هناك وساطة دولية أو إقليمية تُجرى خلف الكواليس لحل الأزمة بين الحكومة الفيدرالية وولاية جوبالاند؟
الأزمة الصومالية تكشف عن خلل عميق في بنية النظام الفيدرالي. فالأزمة في جوهرها تتعلق بالنظام الانتخابي، إذ تتهم الحكومة مادوبي بتقويض السلطة المركزية وإضعافها، وبارتكاب مخالفات تهدد وحدة البلاد، إضافة إلى تبادل معلومات حساسة مع جهات أجنبية. وترى الحكومة أن هذه الاتهامات قانونية ومبررة لرفض نتائج الانتخابات.
هناك عدد من الوساطات البارزة، من بينها وساطة الاتحاد الإفريقي، ودول كينيا وإثيوبيا، إضافة إلى مبادرات الأمم المتحدة، غير أن نجاح هذه الوساطات يتطلب أن ترفع الإمارات يدها عن الصومال.
ما مدى تأثير استمرار الخلافات بين الطرفين على جهود بناء الدولة الصومالية وتعزيز الاستقرار الأمني؟
من المتوقع أن تحدث مساومة مع مادوبي عبر منحه منصب نائب الرئيس أو وزير الدفاع، وإعطاء الإقليم مواقع في الحكومة الفيدرالية لإنهاء الأزمة. لكن استمرار هذه الخلافات سيجعل الصوماليين بلا وطن يتفقون عليه، خاصة أن بعض الأطراف تنفذ أجندات خارجية تستغل موارد الدولة وتسعى لتفتيتها.
يجب أن تعي النخب السياسية هذه المخاطر، وأن تعمل على إعادة الشعب المشرد وبناء دولة قوية. فمواصلة الخلافات ستؤدي إلى تصدير الحرب والجماعات الإرهابية للقارة وإضعاف بنية الدولة. على الساسة الصوماليين أن يدركوا أن الحرب قضت على نحو ثلث السكان في صراعات طاحنة، وأن استمرار الخلافات سيؤخر البلاد التي تقع في مؤخرة الدول الإفريقية.
كيف يرد الرئيس أحمد مادوبي على الاتهامات بعدم شرعية انتخابه، وما موقفه من مذكرة التوقيف الصادرة بحقه؟
يرى مادوبي أن انتخابه رسمي ويستند إلى قانون متوافق عليه من أهل الولاية، ومعترف به من قبل خصومه في الانتخابات. وردّ على مذكرة الاعتقال بعدم الاعتراف بها، بل أصدر مذكرة اعتقال مضادة بحق الرئيس حسن شيخ محمود.
ما هو دور مجلس التشاور الوطني في حل النزاعات بين الحكومة المركزية والولايات، ولماذا يصر الرئيس محمود على إعادة جوبالاند إلى إطاره؟
رغم الخلافات حوله، يسعى مجلس التشاور الوطني إلى فتح باب الحوار وإيجاد حلول مستدامة لمشكلات الصومال، وفي مقدمتها الأزمة الدستورية وأزمة الاقتراع المباشر التي تعتبرها المعارضة بدعة سياسية لم تُعمل منذ عقود.
المعارضة لم تشارك في المنتدى ولم تقبل قرارات المجلس، بل تعارضه بشدة. ويعتبر الرئيس محمود أن خروج جوبالاند عن “بيت الطاعة” قد يؤدي إلى خروج ولايات أخرى، لذا يصر على عودتها حفاظًا على وحدة وسيادة البلاد.
هل هناك مخاوف من تجدد الاشتباكات في جوبالاند نتيجة تعثر الحوار السياسي بين الطرفين؟
نعم، في حال عدم التوصل إلى تفاهمات حول الأزمة، من المتوقع أن تعود الاشتباكات في وقت قريب بسبب الاحتقان السياسي وغياب آفاق الحل أو المنطقة الوسطى، وتمسك كل طرف بموقفه، إضافة إلى انتشار السلاح وهشاشة الوضع الأمني، ودعم بعض الدول لموقف الإقليم ضد الحكومة المركزية.
كيف ينظر الشارع الصومالي، وخاصة سكان جوبالاند، إلى هذه الأزمة السياسية؟ وهل هناك انقسام في الرأي العام؟
الشارع الصومالي اليوم في حالة حيرة بعد أن أنهكته صراعات الساسة والنخب التي جلبت له الحرب والنزوح والتشريد دون مراعاة لمصلحة البلاد العليا. أصبحت الصومال ساحة نفوذ إقليمي، والشارع منقسم بين من يرى أن الاستقلالية الإدارية للإقليم فرصة للاستفادة من موارده الغنية، وبين من يعتقد أن الوضع الحالي يجعل الإقليم عرضة لأطماع خارجية تستهدف موقعه وموارده.
ما السيناريوهات المحتملة في حال استمرار الجمود السياسي بين الحكومة الفيدرالية وولاية جوبالاند؟ وهل يمكن أن تتطور الأزمة إلى مواجهة مفتوحة؟
أعتقد أن زيارة الرئيس وقمة كسمايو تمثل نافذة أمل بعد قطيعة طويلة، وقد تفتح الطريق لتفاهمات تؤدي إلى حل ولو مؤقت إذا تم إبعاد الأجندات الخارجية.
يجب معالجة القضية داخل البيت الصومالي، أما إذا أُغلقت آفاق الحوار، فالمتوقع اندلاع صراع مسلح عنيف ينسف استقرار المنطقة. على الاتحاد الإفريقي تسريع وتيرة الحوار وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، وعلى عقلاء الصومال التدخل لإيجاد حل، وعلى القادة تقديم تنازلات، لأن أعداء الصومال لا يريدون لها الاستقرار.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال عبر موقع أفريقيا برس





