استراتيجية واشنطن في مكافحة حركة الشباب الصومالية

7
استراتيجية واشنطن في مكافحة حركة الشباب الصومالية

الهضيبي يس

أفريقيا برس – الصومال. كان أول ظهور علني لاسم حركة الشباب المجاهدين عام 2006م إبان سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو ومعظم مناطق وسط وجنوب الصومال. وكان للشباب المجاهدين نفوذ قوي في المحاكم الإسلامية حيث كانت معظم الميليشيات المسلحة التابعة للمحاكم الإسلامية تحت قيادات عسكرية من الشباب المجاهدين، وكان أمير حركة الشباب الشيخ مختار أبي زبير يشغل آنذاك منصب الأمين العام للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم الإسلامية، و في العاصمة معسكر لتجنيد وتدريب المقاتلين الجدد.

خطاب سياسي

بدخول القوات الإثيوبية نهاية عام 2006م ودحرها لسلطة المحاكم في مقديشو، أعطت حركة الشباب المجاهدين فرصة قوية لإثبات وجودها ومبررات لفرض أجندتها الجهادية، وهذه الفرصة ممثلة في لجوء قيادات المحاكم الإسلامية حينها إلى أريتريا والشروع في دخول تحالفات سياسية مع قوى وطنية يتهمها معظم شباب المحاكم بالعلمانية والارتباط بالغرب؛ في وقت قررت فيه قيادات حركة الشباب المجاهدين البقاء في الداخل وملء الفراغ القيادي ميدانيًّا وروحيًّا لدي المقاتلين الإسلاميين. هذه النقطة جعلت خطاب حركة الشباب المجاهدين أكثر قبولاً لدى فئة الشباب الحاملين للسلاح ايضا “التيار الجهادي”، الذي لازم حمل السلاح من أجل الجهاد ضد من يصفونهم بالكفار والمعتدين، يمثل لهم العدوان الإثيوبي على الصومال أهم اختبار لمصداقيتهم حيث يتوفر لهم المبرر الكافي لحمل السلاح واستخدامه في وجه إثيوبيا.

دور الاستعمار

كذلك تعتبر دولة الصومال بيئة مناسبة لخطاب حركة الشباب المجاهدين لأسباب، منها ما تعرض له هذا البلد منذ مؤتمر برلين عام 1884م الذي اقتسم فيه الاستعمار الأوروبي الأراضي الصومالية، وما قامت به بريطانيا لاحقًا من تنازل عن أراض صومالية لصالح كل من إثيوبيا عامي 1948 و1954م وكينيا عام 1963م، وما تعرض له الصومال عام 1977م من هزيمة أمام إثيوبيا بتدخل عسكري سوفياتي وكوبي ورفض المعسكر الغربي لتقديم أية مساعدات للصومال في حربها مع إثيوبيا، ثم ما تعرض له الشعب الصومالي خلال العقدين الماضيين من حروب أهلية وغياب الدولة المركزية، وموجات الجفاف والمجاعات، والحرمان من التعليم والرعاية الصحية اللازمة، والتخلف كليًّا عن ركب الحياة، وكل ذلك يحدث على مرأى ومسمع العالم.

الذاكرة الصومالية

ماجعل ذاكرة الصوماليين تختزن ذكريات أليمة ومعاناة مستمرة تبحث عن الثأر والتحرر، وأن أي خطاب ينصب على العداء لدول الجوار وحلفائها الغربيين فإنه يدغدغ مشاعر كثيرين يعيشون بين ماض أليم وحاضر لا يعرفون ماذا سيخسرون فيه، ومع خلو الساحة من أي خطاب آخر إسلاميًّا كان أو وطنيًّا سيبقى الخطاب الجهادي البديل الوحيد المتوفر.

نفوذ ميداني

لهذه الأسباب وغيرها أثبتت حركة الشباب المجاهدين حضورها على المشهد الصومالي في وقت قياسي، وخاضت معارك عنيفة جدًّا ضد الحكومات الانتقالية المتعاقبة، آخرها حكومة الرئيس عبدالله فرماجو حليف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. وعلى الصعيد الميداني حققت الحركة مكاسب على الأرض وأسست ولايات إسلامية في معظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وخضع لسيطرتها ثلثا مساحة أحياء العاصمة مقديشو من 2009 وحتى أواخر عام 2021م، وكانت الرصاصات الطائشة لمقاتلي الشباب المجاهدين تحصد الأرواح من أمام القصر الرئاسي.

استراتيجية واشنطن

ومن أجل دور أكبر للاستراتيجية الأميركية في مكافحة أفراخ القاعدة في الصومال، اعتمدت على استراتيجية التدخل غير المباشر المتمثلة في الحرب بالوكالة وذلك في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2011، وتمثلت تلك النظرية الاستراتيجية في الحرب العشوائية التي شهدتها العاصمة الصومالية، مقديشو، بين أمراء الحرب السابقين، الذين كانوا يجدون ضوءًا أخضر من واشنطن تحت مظلة “مكافحة الإرهاب وإحلال السلم” وبين مسلحي المحاكم الإسلامية التي انبثقت عنها حركة الشباب فيما بعد، وكان الزعيم السابق لحركة الشباب، أحمد عبدي جودني، أُسند إليه منصب المدير التنفيذي لجهاز المحاكم الإسلامية، فيما شكَّل عناصر “الشباب المجاهدين”، القوة الشبابية للمحاكم الإسلامية، وعُيِّن كلٌّ من مختار روبو أبومنصور وفؤاد خلف في مناصب بالجهاز الإداري والأمني للمحاكم الإسلامية.

أخفاقات مسبقة

غير أن تلك الاستراتيجية أخفقت في كبح جماح تمرد الإسلاميين الراديكاليين، وأعطى الصراع العسكري مع رجالات وأمراء الحرب زخمًا شعبيًّا للمحاكم، وانقلبت الحال على أمراء الحرب المدعومين من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وانتصرت المحاكم الإسلامية على ميليشيات أمراء الحرب، وذلك في يونيو من العام 2006، وبعد شهر تقريبًا، تشكَّلت قوة حركة الشباب الفعلية داخل اتحاد المحاكم الإسلامية لتعلن فيما بعد الانشقاق عن المحاكم وذلك في أغسطس من العام 2006.

الحرب بالوكالة

حيث مُنيت استراتيجية واشنطن للقضاء على تنظيم “الشباب الصومالي” عبر الحرب بالوكالة من قبل أطراف صومالية بالخسارة، تدخلت القوات الإثيوبية إلى عمق الأراضي الصومالية عبر غطاء حكومي، وهي استراتيجية كانت في الحسبان لدى واشنطن في حال تقهقر نفوذ أمراء الحرب بعد تراجع شعبيتهم أمام نفوذ المحاكم الإسلامية، فاعتمدت واشنطن على القوة الإثيوبية لضرب حركة الشباب، وهي علاقة نمت بعد أحداث 11 سبتمبر حيث ظهرت آفاق جديدة للتعاون بين واشنطن وأديس أبابا متمثلة في الحرب على الإرهاب، فبعدما كانت تريد لإريتريا أن تكون اليد العليا في المنطقة، باتت إثيوبيا الوكيل المعتمَد لها في القرن الأفريقي. هذا التحول أحيا الصراع القديم بين إثيوبيا وإريتريا، ليكون هذه المرة على الأراضي الصومالية؛ حيث تحولت بيدوة إلى مسرح للحرب بالوكالة بين الطرفين.

ضربات عسكرية

وبعد العام 2013، تحولت مناطق كثيرة من جنوب وشرق الصومال إلى بؤر تستهدفها الطائرات والبوارج الحربية الأميركية المنتشرة قبالة سواحل الصومال؛ إذ قصفت تلك البوارج في يونيو من العام 2019 مسلحين من حركة الشباب في مناطق ببونتلاند، وأوقعت خسائرة بشرية في صفوف مقاتلي الحركة، وأعلنت إدارة بونتلاند عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف حركة الشباب المتمركزة على جبال بونتلاند.

وعلى هذا المنوال، استمر مسلسل الضربات الجوية الأميركية حتى أعلن البنتاغون بنشوة مقتل الزعيم الشاب، آدم حاشي عيرو، زعيم حركة شباب المجاهدين المقاومة للاحتلال الإثيوبي يوم الأول من شهر مايو لعام 2011 بعد أن قامت مقاتلاتها بضربة جوية ألقت ثلاث قنابل كبيرة على منزل صغير في قرية ريفية بجنوب الصومال تُعرف باسم “طوس مريب” في محافظة جلجدود على بعد 500 كم شمال العاصمة مقديشو.

سري لغاية

ومنذ عام 2007، كان الوجود العسكري الأميركي سرًّا لا يُكشف عنه الستار بالنسبة للرأي العام الأميركي خوفًا على الارتدادات الداخلية للعمليات العسكرية الأميركية في الخارج، والتي غالبًا ما توصف بأنها تقضُّ مضاجع المدنيين أكثر من استهداف الأعداء المفترضين لدى الولايات المتحدة الأميركية، مؤخرًا إلى أن هذا الدور العسكري الواسع في الصومال تمثل في الإشراف على قيادة العمليات الخاصة المشتركة في المهمة السرية. وبدأت الغارات في الصومال عام 2011، وقَدَّمَ عدد من جنود العمليات الخاصة الاستشارة للقوات الصومالية عام 2015، كما ظل عمل القوات الأميركية مقتصرًا على مقديشو وقاعدة بلدوغلي الجوية جنوب الصومال؛ حيث كشف ضابط أميركي في العمليات الخاصة عن عدد قوام المهمة السرية الأميركية في الصومال، والتي يبلغ عددها نحو 100 تقريبًا، ومهمتهم استخباراتية واستهداف مقاتلي حركة الشباب بغارات جوية.

تقاعس أمريكي

الأمين إسماعيل المجذوب - محلل سياسي
الأمين إسماعيل المجذوب – محلل سياسي

ويقول المحلل السياسي الأمين اسماعيل في حديث لموقع “أفريقيا برس”؛ إن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في السابق إبان عهد الرئيسان ترامب، واوباما كانت تعتمد على العامل العسكري في التصدي للجماعات الإرهابية بمنطقة القرن الأفريقي والتي منها “الصومال” وبها حركة الشباب.

ولكن بمرور الوقت تبدل هذا المفهوم مع مجيء الديمقراطيون مؤخرا برئاسة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ومحاولات تطبيق برنامج مكافحة الإرهاب عن طريق حكومات الدول التي تنشأ فيها بؤر العناصر الإرهابية. حيث تتم مواجهة هذة الخلايا عن طريق تطبيق برنامج يقوم على تدريب القوات الصومالية، ودعم الفرق الأممية والبعثة الأفريقية (اميصوم) للحد من عمليات حركة الشباب، وبالكاد قد شرعت الإدارة الأمريكية في تنفيذ هذة الاستراتيجية الان مع دول مثل “العراق، أفغانستان، الصومال”. وقطعا هذة الخطة تجنبها الكثير من الخسائر، وتجعل المسؤولية على عاتق الحكومات، رغم من ان الإتهام الذي لطالما وجهت به الولايات المتحدة الأمريكية ان ليس من مصلحتها استقرار الدول التي تشهد حربا على “الإرهاب” باعتبار الاستقرار قد يفقدها السيطرة على هذة الدول التي يسهل عليها التدخل في شؤونها من بوابة تطبيق هكذا سياسات.

قوة حركة الشباب

يوسف جراد، كاتب صحفي

ويشير الكاتب الصحفي يوسف جراد في حديث لموقع “أفريقيا برس”: “ساهمت البيئة الداخلية الصومالية السياسية، والاقتصادية، والأمنية في فتح شهية الحركة تجاه تنفيذ العديد من العمليات العسكرية خلال الفترة الأخيرة. حيث تعود قوة “حركة الشباب” إلى استهدافها لابناء المناطق الصومالية النائية مثل القرى والارياف باعتبار تلك المناطق تعيش في فقر مدقع ومن السهل استخدام خطاب سياسي وديني يخاطب تطلعات وآمال الشباب في تلك المناطق مما يجعل سهولة تشكيلهم فكريا وانضمام اكبر قدر منهم للحركة. وهذا سب جراد يفرض  على الحكومة القيام بدور تصميم خطاب سياسي يتماشى مع أبعاد واحتياجات الأقاليم التي تسيطر عليها الحركة بواقع يفوق نحو 40% حاليا عن طريق حملات تتضمن التوعية بمخاطر الانخراط وسط الجماعات الإرهابية وتبني فكرا متطرف.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here