التمهيد
الصومال – افريقيا برس. المرشح الرئاسي عبدالرحمن عبدالشكور سياسي صومالي معروف بانتقاداته الجريئة ضد الحكومة الصومالية. تستشف من خطاباته بأنه مثقف واسع الإطلاع يحمل رؤى سياسية تجاه القضايا المصيرية الصومالية. وقد أسس عبدالرحمن ومجموعة من زملائه حزب ودجر عام 2016م، وهو حزب مسجل لدى الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات المنوطة بتسجيل الأحزاب. وخاض سباق الانتخابات الرئاسية عام 2017م، كما أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المزعم اجراؤها في شهر فبراير عام 2021م. إلا أن هناك عوامل ثلاثة قد تمنعه من الفوز بكرسي الرئاسة، بل قد تؤدى الى عدم حصوله على الأصوات القليلة التي حاز بها في الانتخابات الرئاسية الماضية، وهي:لعنة مذكرة التفاهم بين الصومال وكينيا، والعلمانية، وخطابه القبلي.
نبذة عن تاريخ المرشح عبدالرحمن عبدالشكور
ولد عبدالرحمن عبدالشكور في إقليم هيران بوسط الصومال. وتلقى المراحل الأولى من تعليمه في الصومال قبل السفر إلى دولة السودان حيث حصل درجة البكالوريوس في القانون من جامعة إفريقيا العالمية. و قد عمل في مجال الإغاثة بفترة وجيزة، شغل فيها منصب مدير المشاريع في الهيئة العليا لمساعدة متضرري الجفاف في الصومال التابعة للمملكة العربية السعودية. وبعدها سافر لغرض الدراسة في ماليزيا حيث نال درجة الماجستير من الجامعة الوطنية الماليزية.
مثل كثير من أقرانه الصوماليين حصل عبدالرحمن عبدالشكور اللجوء في بريطانيا، وأصبح ناشطا في أوساط الجالية الصومالية و الإسلامية، واختير بعضوية لجنة إدارة مسجد فينزبري بارك ذائع الصيت في العاصمة البريطانية لندن. وانضم لاحقا إلى تحالف إعادة تحرير الصومال المعارض للحكومة الصومالية السابقة برئاسة المرحوم عبدالله يوسف أحمد، وعين وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة شريف شيخ أحمد، كما أصبح مستشارا لممثل الأمين العام للأمم المتحدة في الصومال سابقا السفير نيكلاس كي.
أفكاره السياسية والدينية
انتسب عبدالرحمن عبدالشكور في وقت مبكر من حياته إلى عضوية حركة الإصلاح في القرن الإفريقي-فرع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في الصومال. وكان عضوا نشطا في الحركة أثناء دراسته في السودان وبعد عودته إلى أرض الوطن، ولكنه تبرأ من حركة الإصلاح عام 2011م ، وأعلن انسحابه من الحركة وذلك في مؤتمر صحفي عقده في مقديشو. ولم ينتسب بعد ذلك إلى أي حركة سياسية أو دينية حتى أسس حزبه السياسي عام 2016م. بذل عبدالرحمن جهود جبارة في توسعة الحزب واستقطاب عدد كبير من الأعضاء عن طريق تدشين برامج وفعاليات شبابية ولقاءات جماهيرية في داخل البلاد وخارجه إلا أنها لم تتوج في تنمية أعضاء الحزب، ومازال الحزب يعاني من شح في الكوادر والقاعدة الشعبية المطلوبة.
رغم أن المرشح عبدالرحمن عبدالشكور لم يعلن رسميا إنتمائه إلى أي فكر سياسي أو ديني إلا أن خطاباته ونقاشاته السياسية توحي إنتمائه إلى المدرسة العلمانية.وفي خطاب ألقاه في مؤتمر للجالية الصومالية في ألمانيا خير دليل على ذلك، حيث شدد عبدالرحمن اعجابه بالمستشارة الألمانية مبديا معارضته بالمدراس الفكرية الإسلامية الرافضة بتقلد المرأة المسلمة بالإمامة العظمى.
ومن الناحية السياسية يرى كثير من المراقبين أن المرشح عبدالرحمن يتدحرج نحو القبلية في معارضته للحكومة الصومالية بل أصبح قبليا بالفعل نظرا لردة فعله من سياسات الحكومة، ويعتقد أنه بحكم إنتمائه إلى عشائر مقديشو تأهله بحكم الصومال، وألمح في اكثر من موقف أحقيته بحكم الصومال من الرئيس الحالي. بل تنذر عدة مرات بنشوب حرب أهلية في الصومال إذا لم تغير الحكومة الحالية سياساتها المتعلقة بالانتخابات، والتوظيف في المناصب العليا للدولة.
اللعنات الثلا ثة التي تطارد عبدالرحمن عبدالشكور
لعنة مذكرة التفاهم بين الصومال وكينيا بشأن الحدود البحرية
وقَع عبدالرحمن عبدالشكور فترة توليه منصب وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة شريف شيخ أحمد مذكرة للتفاهم بين الصومال وكينيا بشأن الحدود البحرية الإقليمية بين البلدين. وبعد فترة من الوقت طفح على السطح النزاع البحري بين الصومال وكينيا، اعقبه قرار من الحكومة الصومالية برفع القضية إلى محكمة النزاعات الدولية في لاهاي بهولندا. وغطت وسائل الإعلام الصومالية بهذه القضية على نطاق واسع، حيث وجه بعضها أصابع الإتهام لعبدالرحمن عبدالشكور، بينما استخدم بعض خصومه السياسيين هذه القضية لتصفية حساباتهم معه.
صدق معظم الصوماليين الشائعة التي تقول إن عبدالرحمن عبدالشكور مهد الطريق لمحاولة كينية لسرقة أراضي بحرية صومالية. ومما ساهم في انتشار هذه الشائعة أنه لم يسمع من قبل في أوساط عامة الصوماليين أي نزاع بحري بين البلدين قبل مذكرة التفاهم، ما أدى إلى ترسيخ أذهان الصوماليين أن عبدالرحمن متورط بصفقة للتنازل عن أراضي بحرية صومالية لكينيا ليتم نعته ب “بائع البحر الصومالي”. نفى المرشح عبدالرحمن هذه الإتهامات ودافع عن نفسه بشرح حيثيات هذا الإتفاق بإسهاب، ومع ذلك لم يقتنع معظم الصوماليين بروايته.
وتمثل هذه القضية من أهم العوامل التي لطخت سمعة عبدالرحمن عبدالشكور، ويرجح مساهمتها في حرمانه من الفوز بالانتخابات الرئاسية. رغم أن الانتخاب غير مباشر لا يدلي فيها الناخب الصومالي صوته ولكن الرأي العام له تأثيره على طريقه تصويت أعضاء البرلمان . مثلا في الانتخابات الرئاسية الماضية استطاع أنصار الرئيس فرماجو بتشكيل رأي عام يصوره بأنه وطني مخلص، فقد منصب رئيس الحكومة عام 2011م نتيجة لتهديده مصالح دول أجنبية، وكانت إحدى العوامل الرئيسية التي أقنعت عدد كبير من أعضاء البرلمان للتصويت لصالح فرماجو، استجابة للتأييد الشعبي الواسع التي كان يتمتع بها في تلك الفترة.
هذا المثال أعلاه يصور مدى تأثير الرأي العام الصومالي على طريقة تصويت أعضاء البرلمان، وقدرته على ترجيح كفة أحد المرشحين بعيدا عن ما إذا كانت الأسس التي بني عليها تشكيل هذا الرأي العام صحيح أم خطأ. وبالتالي لا يحظى المرشح عبدالرحمن رأي عام ايجابي يخدم لفوزه بالانتخابات الرئاسية بسبب دوره في مذكرة التفاهم بشأن الحدود البحرية الإقليمية بين الصومال وكينيا.
لعنة خطابه القبلي
انتهج المرشح عبدالرحمن خطابا قبليا في تصريحاته ضد سياسات الحكومة، وقد استهجن بعد المثقفين الصوماليين هذا الخطاب القبلي الذي ينبش بالأحقاد والضغائن بين القبائل أثناء فترة الحروب الأهلية. وهو خطاب قبلى يشكك قدرة المرشح عبدالرحمن على رئاسة صومال متعدد من حيث الهوية القبلية ولكنه موحد في إنتمائه الوطني.
ويعتقد بعض المراقبين أن عبدالرحمن عبدالشكور تحول بالفعل إلى زعيم قبلي يمثل مصالح قبيلته نظرا لتصريحاته المفعمة بخطاب قبلي يستهدف قيادات في الحكومة ويتوعدها بالويلات والثبور. وهو ما يفقده تأييد عدد كبير من القيادات والقبائل الصومالية الأخرى، مدعين بأن تصريحاته القبلية الحالية وهو في خارج مراكز صنع القرار تنبئ بأنه سيمارس القبلية بابشع صورها لو فار بكرسي الرئاسة،وقد يعيد عقارب الساعة إلى الوراء عام 1992م ليمد أموال وسلاح الدولة لأبناء عشيرته لمهاجمة مناطق القبائل الأخرى.
تصريحات عبدالرحمن الأخيرة ضد الرئيس فرماجو، ومدير دائرة الاستخبارات فهد ياسين تبعث رسائل غير مطمئنة للصوماليين، وتصورهم بأنه قبلي حتى النخاع ولا يستحق برئاسة الصومال.
لعنة العلمانية
أثارت التصريحات الأخيرة للمرشح عبدالرحمن عبدالشكور حول دور المرأة الصومالية في قيادة البلاد ردود فعل غاضبة من علماء الدين. وقد عبر عبد الرحمن في خطاب ألقاه في مؤتمر للجالية الصومالية في ألمانيا اعجابه بالمستشارة الالمانية ميركل، رافضا الآراء الدينية التي تمنع المرأة المسلمة بتولي المناصب الإدارية العليا.
المجتمع الصومالي مجتمع محافظ متمسك بوجهة نظر دينية غير منفتحة على الآراء الدينية المعاصرة أو التقدمية ،بل يراها خروجا عن الملة. والحركات الإسلامية التي هيمنت على الساحة الدينية والدعوية في فترة ما بعد انهيار الدولة الصومالية غرست في أذهان الصوماليين أفكارا دينية محافظة بعضها مستوردة من الخارج. وبالتالي كان من الأجدى أن يأخذ عبدالرحمن في الحسبان كل هذه الحساسيات، وأن لا يخوض في النقاش عن المسائل الدينية طالما هو يتطلع إلى قيادة هذا المجتمع المحافظ.
أفكار عبدالرحمن الدينية أدت إلى وصفه بالعلماني أو اللاديني في أوساط شريحة واسعة من الصوماليين رغم كونها مسائل خلافية قابلة للأخذ والرد ولا تخرج صاحبها عن حظيرة الإسلام. و قد تؤدي بصورة غير مباشرة إلى حرمانه من الفوز برئاسة الصومال.
