الصومال: الحكومة في مواجهة المحكمة الجنائية

72

بقلم: الهضيبي يس

أفريقيا برسالصومال. حركت مجموعة من الناشطين والقانونيين الصوماليين المقيمين في الخارج دعوى قانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة الحكومة ورئيسها عبدالله فرماجو، تضمنت مطالب بفتح تحقيق حول جرائم ارتُكبت بحق الإنسانية من قبل حكومة فرماجو على أيدي قوات نظامية، كذلك تعرض مدينة كوسمايو بإقليم بورتلاند لحصار منذ شهور من قبل الحكومة بسبب مواقفها المعارضة لها، الأمر الذي نجم عنه تدهور الأوضاع الإنسانية للمواطن نتيجة انعدام أبسط مقومات الحياة اليومية.

ويعيش الصومال، الدولة الواقعة في منطقة شرق أفريقيا حالة من الاحتقان السياسي؛ بسبب الخلافات التي تصاعدت وتيرتها ما بين الرئيس الصومالي المنتهية ولايته عبدالله فرماجو، ورئيس الوزراء محمد روبلي حول صلاحيات كل طرف وفق ما نص عليه دستور البلاد.

يوسف جراد خبير في الشؤون الصومالية

ويقول الكتاب الصحفي والمحلل السياسي يوسف جراد، في حديث لـ”أفريقيا برس”: “الدعوى القضائية التي تقدمت بها مجموعة من المحامين الصوماليين لا تكاد تخرج عن السياق السياسي لطبيعة الصراع الداخلي الذي يدور ما بين طرفي الرئاسة في البلاد بتشكيل ضغط جديد على الرئيس فرماجو لتقديم تنازلات على مستوى المسرح السياسي حتى يستفيد منها رئيس وزرائه روبلي”.

ويوضح جراد: “الدعوى تكمن أهميتها في مدى الاستمرار في تتبع الرئيس فرماجو حتى ما بعد الانتخابات في ديسمبر المقبل في حال تم تنظيمها، وصعود رئيس جديد للبلاد، وتوفير الأدلة الكافية بأن المدة التي قضاها على سدة الرئاسة لسنوات قد شهدت ارتكاب جرائم بحق الإنسانية”.

وأكد جراد إن مسؤولية الحكومة في المقام الأول توفير الأمن والاستقرار لها، وما يحدث في الصومال من حرب منذ العام 2004 ليس مسؤولية الحكومة الفيدرالية فقط، بل هناك أطراف أخرى مسؤولة عن الأمر، بما فيها قادة المجتمعات المحلية”.

وأوضح جراد: “مثل هذه التحركات قد تشكل ضغطاً على الحكومة، وقد تشجع الرئيس فرماجو على مزيد من الإجراءات السياسية الداخلية التي بدورها لن تعجل بقيام الانتخابات لطالما هناك دعاوى قانونية موجودة على منضدة المحكمة الجنائية الدولية تظل موجودة، ولا تسقط بانتهاء أجل الحكومة، ولكن الآن لن تكون لها فائدة ملموسة بشكل مباشر على حكومة الرئيس فرماجو”.

وأكد جراد أن الدعوى قضائية تحمل مضامين سياسية خاصة إذا ما عرفت بالتوقيت الزمني الذي يشهد فيه الصومال خلافات وانشقاقات ما بين الأطراف السياسية التي يسعى كل طرف لتحقيق أكبر قدر من المكاسب مع اقتراب موعد الانتخابات.

ووفق الدعوى فإنها تشير أيضاً إلى وجود أطراف خارجية تقف من ورائها، ولا سيما أن فترة الرئيس فرماجو أوشكت على الانتهاء بعد الاحتجاجات في الشارع الصومالي خلال شهر ديسمبر من العام 2020 ضد الحكومة، وإعلان عدم الترشح مجدداً؛ ما يعني أنها هدفت لملاحقة الرجل وبعض قيادات الحكومة إلى ما بعد انقضاء الانتخابات لتصفية حسابات سابقة، ما يتطلب من الحكومة الصومالية الآن الإسراع في التأكيد للرأي العام بفتح باب التحقيق حول ما تضمن في الدعوى، خاصة وأن الحديث عن ارتكاب جرائم إنسانية يُعد أمراً خطيراً، ويضرب في عمق مؤسسات الدولة الصومالية العدلية رغم ما تعانيه من إشكاليات.

محمد محي الدين، كاتب صحفي

ويقول المراقب السياسي لشؤون قضايا شرق أفريقيا محمد محي الدين في حوار مع “أفريقيا برس”: “رهان نجاح مثل خطوة كهذه يظل مرتبطاً بمدى تعامل الحكومة الصومالية معها بمعنى مقدار التجاوب في وجود جرائم بحق الإنسانية قد ارتكبت إبان فترة رئاسة الرئيس عبدالله فرماجو”.

ويضيف محي الدين: “الدعوى تعني القفز من الداخل إلى الخارج على مستوى قضايا الصومال وتدويل ما يجري، وهو قطعاً نتيجة طبيعية نظراً لتآكل مؤسسات الدولة وضعفها على مر الوقت سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ولا سيما أن فترة الرئيس عبدالله فرماجو قد شهدت تدهوراً لمثلث الأضلاع في الدولة الصومالية ما خلف واقعاً إنسانياً مغايراً في مناطق صومالية رغم الاعتماد بشكل كبير على المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، وتوفير الاحتياجات الفنية واللوجستية للحد من اتساع رقعة الحرب”.

وأهمية ما حدث حسب محي الدين بأن الدعوى مرتبطة بقوة وقدرة الأطراف التي قامت بتحريك الدعوى سواء أكانت معارضة سياسية أو غيرها، يقف وارئها محامون وناشطون مدفوعون من جهات خارجية بغرض إجبار فرماجو على تقديم المزيد من التنازلات.

ولفت إلى إتاحة الدعوى بالمزيد من التدخلات في الشأن الصومالي من قبل المجتمع الدولي في مقبل الفترة، باعتبار حماية المواطنين العزل من الحكومة التي تظل تقوم بارتكاب جرائم إنسانية بحقهم، أمراً ذا أهمية، فضلاً على وجود الفرق الدولية للتحقيق وترفيع صلاحيات البعثة الأممية لإعطاء صلاحيات إضافية لحماية المدنيين.

كافة هذه الاحتمالات حسب محي الدين قد تبعد الحكومة الصومالية من الاستقلالية التامة على المؤسسات، وهو ما قد يشكل أزمة قادمة للحكومة القادمة التي ستعقب فرماجو فور إعلان نتائج الانتخابات والاصطدام بواقع مخالف يستوجب التعامل معه وفق تركة سياسية مرحلة، وهو ما سوف يعمل على تأزيم وتعقيد المشهد الصومالي مجدداً، وإصرار فرماجو على اتخاذ عدة قرارات في مقبل الفترة لحماية حكومته ونفسه، وضمان عدم الذهاب إلى المحكمة والمثول أمامها، حيث من المتوقع أن يقوم أنصار فرماجو بإطلاق دعوات للتعبئة في الشارع الصومالي؛ مما يمهد لفوضى تتيح للرئيس إعلان حالة الطوارئ، وقطع الطريق أمام قيام الانتخابات، والعمل على تأجيلها حتى الوصول إلى تسوية سياسية، وتوفر ضمانات عدم تدويل القضية الصومالية وإنهاء مساعي معارضين لنظام حكم الرئيس عبدالله فرماجو.

ومتطلبات نجاح ما سبق، تحتاج إلى توفير السند الإقليمي والدولي للأطراف التي لها علاقة مباشرة بالرئيس فرماجو في القارة الأفريقية والمجتمع الدولي من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا في أي خطوة تتخذها الحكومة سياسياً وأمنياً.

وحفظاً لماء وجه الحكومة والمؤسسات؛ ربما يكون هناك مقترح بأن يذهب الرئيس عبدالله فرماجو إلى المحكمة الجنائية الدولية والإدلاء بأقواله على غرار ما حدث مع الرئيس الكيني اوهاتو كنياتا، وبنفس البنود، والدفاع عن حقيقة وقوع جرائم ضد الإنسانية بحق مواطنين صوماليين.

بينما قضية حقوق الإنسان في الصومال هي الأخرى في حاجة إلى علاج وعلى وجه السرعة، باعتبارها المسألة التي تستغل بشكل دائم في تحريك الدعاوى القضائية بارتكاب الجرائم الإنسانية.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here