الصومال.. عام على الاحتجاجات ووعود “فرماجو” لا مكان لها

27

بقلم: الهضيبي يس

أفريقيا برسالصومال. مضى عام كامل على الاحتجاجات التي انتظمت العديد من المدن الصومالية، بما فيها العاصمة “مقديشو” تنديد على إعلان الرئيس عبدالله فرماجو الترشح لدورة رئاسية جديدة؛ والتي أسفرت عن مقتل العشرات من المواطنين عقب مواجهات دامية مع الأجهزة الأمنية، ووسط تلك الضغوط الشعبية التي أجبرت “فرماجو” على التراجع وتكوين حكومة مؤقتة؛ هدفها تولي مهمة الإعداد لقيام الانتخابات بحلول شهر ديسمبر القادم.

ووعد الرئيس الصومالي مواطنيه خلال فترة العام بإنجاز مجموعة ملفات منها إنهاء أعمال الحرب التي تقوم بها حركة الشباب، كذلك تحسين الأوضاع المعيشية وتقليل حجم الفقر ومكافحة الفساد وخلق بيئة للتوافق السياسي بين رؤساء الأقاليم الصومالية.

راجح عمر، كاتب وصحفي

ويقول الكاتب الصحفي راجح عمر في حديث لموقع “أفريقيا برس” بعد أكثر من عامين من وصول الرئيس فرماجو إلى سدة الحكم، زادت الأوضاع الأمنية سوءاً، كما زاد الاحتقان في المشهد السياسي الصومالي، في حين لم يتحقق شيء من الوعود التي قطعها الرئيس في خطاب انتخابه أمام حَشْدٍ من البرلمانيين ووكالات الأنباء، المحلية والعالمية، ورؤساء الدول الإقليمية، والتي تضمّنت: محاربة الفساد، وإرساء قيم “الديمقراطية” والعدالة، ومعالجة المشكلات الأمنية.

ويبدو أنّ حكومة فرماجو ماضية قُدماً في نهجها، الذي يصفه البعض بـ “السلطوي”، غير آبهة بتدهور الأوضاع الأمنية، مقارنة بما كان عليه قبل وصولها إلى سدة الحكم قبل عامين، وهو ما يشير إلى الوضع المقلق الذي وصلت إليه البلاد الآن من اتساع لدائرة الخلافات، وهو ما ظهر جلياً عقب الاحتجاجات التي تعرض لها “فرماجو” وأسفرت عن اعتقال قيادات المعارضة الصومالية بعد إطلاق الرصاص الحي عليهم وقتها، وربط ما حدث سابقاً مع قرارات الرئاسة الأخيرة بتعليق صلاحيات رئيس الوزراء محمد روبلي ما يُعدُّ محاولة جديدة هدفها الالتفاف على الدستور، وتمديد عمل لجان الانتخابات إلى ما بعد شهر ديسمبر القادم؛ بحجة عدم قيام الانتخابات في العديد من الأقاليم الصومالية، والأوضاع الأمنية التي تحول دون تخصيص دوائر الاقتراع في الولايات التي تقع تحت سيطرة حركة الشباب.

هذه الأسباب كافة تمنح الرئيس الصومالي المنتهية ولايته فرصة جديدة بالبقاء في السلطة، ومن المؤكد متى ما ظهرت نوايا سياسية؛ لذلك فإن المعارضة لن تصمت وتجلس مكتوفة الأيدي؛ مما سيعيد الصومال إلى شبح الحرب الأهلية مجدداً التي وقعت في العام 1991.

ولتجنيب البلاد وقع الصدام – والحديث لـ “راجع”، يجب التوافق على صيغة دستورية مشتركة ما بين الأحزاب السياسية الصومالية والحكومة تحفظ قضايا الحريات الدستورية والتعددية وأيضاً الحفاظ على الأمن القومي من الإرهابيين الذين تقع تحت سيطرتهم العديد من الأراضي الصومالية.

علي سعيد، محلل سياسي

ويشير المحلل السياسي والمراقب للشؤون الصومالية علي سعيد في حديث لموقع “أفريقيا برس” حول تطورات الأوضاع الداخلية وارتباط الأمر بما حدث بنحو عام من الآن، إلى أنه لا يعتقد أن أي طرف من الحكومة المركزية وقوى المعارضة مستعد – في هذه المرحلة على الأقل – لقبول دعوة التوافق، بل إن كل طرف ماضٍ في مواقفه حيال الأزمة السياسية الراهنة وخصوصاً بعد أن وصلت المفاوضات بينها قبل أشهر إلى طريق مسدود.

ولفت إلى أن قوى المعارضة التي تشمل ولايتي: “بونتلاند-جوبالاند”، والمرشحين للانتخابات الرئاسية؛ فيما يبدو حسمت موقفها، وترى أن مجريات الأمور تصب لصالحها وأن أيام الرئيس، “محمد عبدالله فرماجو”، باتت معدودة، وبالتالي تسعى إلى تغيير قواعد اللعبة وإرساء معادلة سياسية لا تسمح للرئيس، “فرماجو”، وتحالفه، بأي دور سياسي في المرحلة المقبلة.

ويرى أن موقف المعارضة لا يزال هو الآخر في مكانه، حيث تطالب بإجراء انتخابات نزيهة بأسرع وقت ممكن، كما ترى المعارضة أن الرئيس السابق، “محمد فرماجو”، لا يحظى بأي سند قانوني، باعتبار أن فترة ولايته انتهت، فبراير 2021، حيث يُنص الدستور الصومالي؛ أن فترة الرئيس 4 سنوات فقط، وقد تولى الرئيس، “فرماجو”، المنصب، في يوم 8 فبراير 2017، لذا فإن ولايته انتهت، في 8 من شهر فبراير لعام 2021.

وحال رفض الرئيس “فرماجو” التعامل مع جميع هذه المعطيات فإن لجوء القوى السياسية إلى المجتمع الدولي جائز، إذ يراهن بعضها على مواقف المجتمع الدولي المعارض لقرار التمديد، ودور بعض الدول المجاورة، كما يراهن أيضاً على أطراف في تحالف الحكومة المركزية؛ وتتوقع نشوء خلافات بين أركان الحكومة.

علاوه على ما سبق، فإن الإطار الدستوري والقانوني للدولة الصومالية والحياة السياسية في البلاد فرصة للاستقرار، لكن هناك إشكاليات وعوائق تشريعية وواقعية تحُول دون تحقق ذلك بشكل عملي، تتمثل أوجه القصور الأساسية في غياب مؤسسات مهمة كالمحكمة الدستورية واللجان القضائية والنقابات العمالية ومؤسسات مكافحة الفساد.

وطبقاً لـ “سعيد” فإنه على الرغم من أن الدستور يضع الأساس التشريعي لممارسة الحريات الأساسية “تكوين الجمعيات، وحرية التعبير والتنقل، وحماية الأمن الشخصي” بينما الدعم القانوني والمؤسسي الضروري للصوماليين لإعمال هذه الحقوق غائبٌ أيضاً بشكل عام، فضلاً عن وجود شكوك بخصوص إمكانية ترسيخ هذا الشكل الدستوري للدولة بكل استحقاقاته المؤسسية في جميع أنحاء الصومال.

ووسط ذلك هناك عدة تحديات تحتاج هي الأخرى إلى تجاوزها لضمان انتخابات تتسم بقدر من الشفافية والنزاهة وتصب في خانه ما تعهد به الرئيس “فرماجو” في خطاب أمام الشعب الصومالي قبل عام للحد من تفشي الفوضي التي كادت أن تتسبب في انزلاق البلاد نحو الفوضى.

ومن ذلك الحد من الاغتيالات والاعتقالات السياسية ولا سيما أن القتل المستهدف للناشطين السياسيين أمر مألوف في معظم أقاليم الصومال، ويتم تخطيط وتنفيذ القسم الأكبر من هذه العمليات من قبل حركة الشباب، أو يحدث نتيجة للتنافس التجاري والعشائري، أو نتيجة الاشتباك بين الحراس المسلحين للشخصيات السياسية.

أيضاً في جانب الاعتقالات على سبيل المثال فقد اعتُقل مختار روبو، وهو أحد كبار المنشقين عن حركة الشباب بعد أن نجح في ديسمبر 2018 أثناء فترة انتخابات حاكم ولاية جنوب غرب الصومال في خلق دعم واسع له بين رجال العشائر بشكل وضعه في منافسة مباشرة مع مرشح الحكومة الفيدرالية عبدالعزيز لافتغرين، وأضاع اعتقال روبو على الحكومة فرصةً ثمينة لاحتواء المنشقين من حركة الشباب عبر إقناعهم بوجود فسحة لهم في رحاب الحكومة الفيدرالية.

ويتوقع المراقب للشؤون الصومالية علي سعيد أن يتم التمديد لغرفتي البرلمان والحكومة خلال الفترة القادمة، خاصة وأن القانون الذي أقره مجلس النواب في سبتمر الماضي لهذا الخيار، فالمادة 53 منه تنصّ على تأجيل الانتخابات لمدة ستة أشهر في حال لم تتوافر الظروف الأمنية أو حدوث كوارث طبيعية وإنسانية. ويفضل أعضاء البرلمان استمرار تقاسم السلطة على أساس صيغة 4.5 التي تضمن إعادة انتخابهم، ويعوّلون على تعذر تفعيل قانون الانتخابات الجديد بسبب ضيق الوقت وغياب البنية التحتية وانعدام الأمن في معظم أرجاء البلاد، وهو ما يرجّح صعوبة انعقاد انتخابات عامة في الفترة القصيرة المتبقية.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here