الموقف الصومالي تجاه أزمة سدّ النهضة

27

أعلنت الصومال في بيان صادر عن وزارتها الخارجية موقفا وصفته بالمحايد تجاه أزمة سدّ النهضة الإثيوبي، وذلك بعد تمرير الجامعة العربية في 4/مارس/2020م، مشروع قرار قدّمته مصر بشأن سدّ النهضة الإثيوبي تؤكّد فيه على حقوقها التاريخية في مياه النيل.

وذكر البيان الصادر من الخارجية الصومالية أنه لا يمكن للصومال أن تتخذ في هذه الظروف موقفا آخر تجاه هذه الأزمة غير الالتزام بالحياد ولعب دور الوسيط بين الأشقاء في مصر والأصدقاء في إثيوبيا.

ولعلّ هناك جملة من الأسباب دعت الحكومة الصومالية إلى اتخاذ قرار كهذا، الذي يُرى فيه أنه شبه خروج كامل على الإجماع العربي في قضية أحد طرفيها عربي والآخر غير عربي، وهذا مما يبعث على المحللين البحث عن أسباب اتخاذ الصومال مثل هذا القرار.

يعتقد أن التقارب السياسي بين إثيوبيا الحديثة بقيادة آبي أحمد، والصومال بقيادة فرماجو له دور كبير في اتّخاذ الصومال مثل هذا القرار، مراعاة لعلاقاتها السياسية والعسكرية مع إثيوبيا التي تؤكّد التقارير الإعلامية بأن وحدات من جيشها لها القدح المعلّى في صفوف القوات التي تحاول الحكومة الصومالية من خلالها فرض سلطتها على مناطق في كل من غلمذغ وجوبالاند، ولذلك يعتقد أنه إذا اتخذت الحكومة الفيدرالية قرارا ضدّ إثيوبيا فسيعني ذلك خسارة حليف استراتيجي لها، في هذه المرحلة بالذات، غير أن كثيرين يرون أن الحكومة الصومالية جانبت الصواب في قرارها الأخير الّذي قد يكون خروجا على الإجماع العربي قبل أن يكون نكرانا للجميل الّذي قدمته مصر إلى الصومال منذ فترة الوصاية التي قدّم فيها بعض أبناء مصر أرواحهم قربانا لاستقلال الصومال، وذلك في إشارة منهم إلى استشهاد محمد كمال الدين صلاح- مندوب مصر في المجلس الاستشاري للصومال- في مقديشو 1957م.

وقد يكون هناك سبب آخر دفع الصومال نحو هذا القرار، وهو رغبتها في أن تلعب دور الوساطة بين مصر وإثيوبيا في خطوة يعتبرها البعض بأنها محاولة صومالية تحاكي توسط مصر بين كينيا والصومال في الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين الطرفين بسبب النزاع في الحدود البحرية بين كينيا والصومال.

هذا ومن الممكن أن يؤدّي موقف الصومال تجاه الأزمة بين مصر وإثيوبيا إلى أحد النتائج السياسية والدّبلوماسية الآتية:

-أن تعزز مصر دورها في الصومال وتعمل على تحسين علاقتها السياسية والاستراتيجية مع الصومال الّذي يعتبر عمقا استراتيجيا للأمن المصري بشكل خاص والعربي بشكل عام لتقليص دور إثيوبيا وتأثيرها على السياسية الصومالية بما يتنافى مع المصلحة العربية.

-أن تخسر الصومال الدعم المصري في المحافل الدّولية على الأقل إن لم تخسر الثقل العربي في التأثير على القضايا الشائكة في البلاد.

إن أزمة سدّ النهضة بين مصر وإثيوبيا ستشكّل امتحانا دبلوماسيا آخر يواجه الصومال في المرحلة الراهنة بعد أن واجهت خلال الأعوام الثلاثة الماضية امتحان الأزمة الخليجية، وإن الأيام المقبلة ستكشف مدى اجتياز الصومال لهذا الامتحان الصعب الذي تواجهه الدبلوماسية الصومالية في تاريخها الحديث.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here