الهضيبي يس
أفريقيا برس – الصومال. سجل وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو زيارة إلى العاصمة الصومالية مقديشو. ووفقا للخارجية الصومالية فإن الوزير بحث تعزيز العلاقات بين البلدين وآفاق التعاون المشترك، بالإضافة إلى الموضوعات ذات الاهتمام المشترك باعتبار أن ايطاليا شريك استراتيجي للصومال ومحور رئيس في عدد من القضايا.
طبيعة العلاقة
كان لإيطاليا دور بارز في الصومال بحكم كونها مستعمرة الأقاليم الواقعة في جنوب الصومال، وبعد حصول البلاد على الاستقلال وتوحد شطريه “الجنوب والشمال” تحت العلم الأزرق لجمهورية الصومال في عام 1960، أصبحت علاقات روما مع البلاد قائمة على أساس المصالح المشتركة في مجالات مختلفة من أبرزها الدفاع والأمن والاقتصاد. وبعد دخول الصومال في أتون الحرب الأهلية تضاءل دور إيطاليا تجاه الصومال بسبب غياب حكومة مركزية تتعامل معها إضافة إلى كون الصومال ساحة مفتوحة لجميع الدول المهتمة بها سواء كانت صديقة أو عدوة، مما فرض على الإيطاليين دخول منافسة مع دول أكثر نفوذا منها، إلا أن إيطاليا لم تنزع يدها من البلاد بشكل كامل. ويعتقد أنها كانت على علاقة مع بعض أمراء الحرب الذين ظهروا في الساحة الصومالية خلال العقدين الماضيين، كما فعلته بعض دول العالم، وهذا من أجل حماية مصالحها في المنطقة، في وقت كانت فيه الشوكة القوية لأمراء الحرب فقط.
وبعد خروج الصومال من المرحلة الانتقالية وتكوين أول دولة رسمية بعد الحرب الأهلية في الصومال في نهاية عام 2012 بدأت إيطاليا تحركات سياسية ودبلوماسية تجاه الصومال، وأصبحت أول دولة غربية بادرت إلى تعيين سفير لها في الصومال وذلك في عام 2014 كما أعادت فتح سفارتها التي كانت مغلقة منذ عام 1991، وهذه الخطوة فسرها المحللون بأنها محاولة رامية إلى استعادة دورها الضائع عبر القنوات الدبلوماسية.
وتعتبر إيطاليا من الدول الغربية المهتمة بالشأن الصومالي للاحتفاظ بعلاقاتها السابقة مع هذه الدولة الواقعة في منطقة استراتيجية من شرق أفريقيا والغنية بثرواتها الاقتصادية، الأمر الذي حرك إيطاليا مؤخرا للإعلان عن مبادرة حول استضافة منتدى لدعم الاقتصاد في الصومال وتخصيص مساعدات مالية جديدة له في العام الحالي المفصلي في إعادة بناء الدولة على ضوء الانتخابات العامة المرتقبة، وذلك على لسان وزير الخارجية الإيطالي الاسبق باولو جنتيلوني على هامش مشاركته في منتدى الشراكة رفيع المستوى حول الصومال المنعقد في تركيا شهر فبراير الماضي.
وأشار جنتيلوني وقتها إلى عزم حكومته على زيادة المساعدات المالية المقررة إلى 20 مليون يورو “منها 14 مليونا عبر قنوات التنمية وأكثر من ستة ملايين للمساعدات الانسانية”. كما شدد على أن “جهود إيطاليا من أجل السلام في الصومال تتجه بشكل ملائم للتركيز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والحوكمة” في إطار رغبتها بأن “تكون جزءا من هذه العملية ايضا من خلال شراكات اقتصادية جديدة”.
تطورات إيجابية
التطورات الإيجابية في مجالات السياسة والأمن في الصومال في الفترات الأخيرة هي التي تشجع إيطاليا والدول الأخرى المهتمة بالصومال نظرا إلى أن تحسن الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد، سيزيح الستار عن الفرص الاستثمارية المتوفرة في الساحة الصومالية، حيث تسعى إيطاليا إلى حماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة والاحتفاظ بمكانتها في البلاد قبل الحرب الأهلية. وتعتمد دولة الصومال في اقتصادها على الثروة الحيوانية والزراعية، حيث اشتهرت المناطق الجنوبية والتي يمر بها نهرا شبيلي وجوبا بزراعة الموز الذي كان يدر أرباحا طائلة على حزانة الدولة.
ويعود فضل زراعة الموز في البلاد إلى إيطاليا، والتي كانت -كما تشير إليه بعض التقارير- أول من زرع الموز في التراب الصومالي عام 1929، وأرسلت أول شحنة تجارية من الموز الصومالي إلى الشرق الأوسط عام 1957- بينما سجلت أكبر شحنة موز أرسلها الصومال إلى الخارج بين عامي 1971 و1972 (حوالي 12 مليون كرتون ) وكانت الأسواق التقليدية للموز الصومالي قبل الحرب الأهلية، الشرق الأوسط وإيران وإيطاليا وألمانيا.
تغييرات سياسية
والحقيقة تدرك إيطاليا أيضا أهمية تعزيز تعاونها مع الصومال في مجالات السياسة والدفاع والأمن لحماية مصالحها الاستراتيجية، وانطلاقا من تلك الأهمية قدمت إيطاليا دعوة رسمية إلى مسؤولين صوماليين كبار قبل سنوات، وكان الرئيس الصومالي الحالي حسن شيخ محمود قد زار إيطاليا في شهر سبتمبر عام 2015، كما حاكم ولاية بونتلاند عبد الولي غاس ورئيس ولاية جوبا أحمد مدوبي بزيارة إلى إيطاليا في شهر مايو عام 2015. كما زار كل من رئيس ولاية جلمدج عبد الكريم حسين جوليد ورئيس ولاية جنوب غرب الصومال شريف حسن شيخ آدم العاصمة الإيطالية روما، وبالطبع تأتي زيارات هؤلاء المسؤولين في إطار الجهود الدبلوماسية الإيطالية لتوطيد علاقاتها مع الصومال.
هذا ويلاحظ المتابعون إلى أن روما تعمل تغييرات في سياستها الخارجية تجاه الصومال تماشيا مع تطورات أوضاع حكم البلاد التي أخذت النظام الفيدرالي وهي التي أدت إلى استضافة رؤساء الولايات الفيدرالية في البلاد للتعامل مع كل ولاية فيدرالية على حدتها.
منافسون دوليون

ويقول الكاتب الصحفي محمود عيدي في حديث لموقع “أفريقيا برس”؛ “تكاد العلاقة بين روما ومقديشو تحمل الطابع التاريخي بحكم أن الصومال هي مستعمرة لطليان، ولكن ما عزز ابتعاد إيطاليا عن الصومال طوال السنوات الماضية يعود إلى النخب السياسية الصومالية التي وقفت في أغلب الأحيان وراء فكرة عدم الذهاب بالعلاقة بين البلدين إلى محطات بعيدة بحكم الانتهاكات التي ارتكبت بحق الشعب الصومالي، إبان حقبة الاستعمار وتبحث الصومال عن اعتذار رسمي من روما نظير ماطال الصوماليين”.
وأضاف عيدي “والآن بزيارة وزير الخارجية الإيطالي لصومال بإمكان قراءة الأمر من زاوية بحث الطليان عن تعزيز علاقاتهم الإقليمية والدولية وسط منافسة وزحف كبير لمنافسين لها من دول “فرنسا، روسيا، بريطانيا، المانيا، تركيا “نحو أفريقيا، والاستفادة من الإرث الاجتماعي والتاريخ بين الدولتين، مع الأخذ في الحسابات بأن الصومال لم تعد كما في السابق سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا على مستوى علاقاتها بالآخرين”.
مطامع وموارد

ويذهب الكاتب الصحفي إسماعيل الأمين مجذوب في حديث لموقع “أفريقيا برس” إلى ماتشهده الصومال من تهافت لدول الاتحاد الأوروبي نحوها بسبب الموقع الاستراتيجي من البحر الأحمر، وخليج عدن اللذان يشكلان مسارا لحركة التجارة الدولية للبضائع والنفط، ويضيف المجذوب؛ أيضا ماتعرضت له أيطاليا خلال السنوات الماضية من خسائر اقتصادية منذ العام 2008 نتيجة للأزمة العالمية الاقتصادية، ومن ثم أزمة جائحة كورونا ومؤخرا الحرب الروسية، الأوكرانية جعلها تتذيل الدول الأوروبية وتتحول لدولة تتلقى المساعدات.
ويعتبر مجذوب أن زيارة وزير الخارجية الإيطالي لصومال، قطعا في إطار خطة عمل تعكف روما علي تنفيذها بتوسع نحو دول المستعمرات القديمة بشكل جيد، في منطقة شمال وشرق أفريقيا بحكم معرفة المناخ السياسي والاقتصادي والديمغرافية لتلك المناطق.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس