كيف تكتب رواية في خمسة أيام؟

8
كيف تكتب رواية في خمسة أيام؟
كيف تكتب رواية في خمسة أيام؟

عائشة بلحاج

أفريقيا برس – الصومال. اشتُهر كُتّاب كثر، بفضل أسلوب حياتهم المأساوي، أكثر من كتابتهم، أو اكتسبت كتاباتهم الشّهرة لأنّها تناولت التّجارب الأليمة التي عاشوها. مثل؛ فروغ فرخزاد، سيلفيا بلاث، فيرجينيا وولف، أليخاندرا بيثارنيك، جان جينيه، محمد شكري، وغيرهم ممن كانت الحياة المكدّسة بالأسى والأحزان والصّدمات وقودَهم وراحِلَتهم في أرض الكتابة الشّاسعة. حينها اعتُبرت المأساة الصانع الأول للمبدع، ثم تأتي بعدها الموهبة وأصحابها الذين كتبوا أعظم ما كتبوا في شبابهم المبكّر ثم ماتوا قبل الأربعين. وهم نتاج موهبةٍ خارقةٍ قدّمت في زمن يسير ما يعجز عنه الآخرون في قرن. مثل؛ رامبو، جون كيتس، فرانز كافكا، فريدريك لوركا، امرؤ القيس، طرفة بن العبد، وآخرين. لكن تفسير تفوّق كاتبٍ بموهبته غير الاعتيادية يواجه اعتراضاً كبيراً، فوفقا لباربارا بيغ، مؤلفة كتاب “خرافة الموهبة” (The Talent Myth)، الموهبة هي الافتراضات التي نتّخذها حول قدرات الآخرين، وتمنعنا من تطوير مهاراتنا الخاصّة. وبالتالي، لا وجود لشيء يُسمّى الموهبة. هي فقط شمّاعة تسمح لنا بأن نُرجع نجاحات الآخرين إلى ما لا نملكه نحن، وهي تلك القوة الخفيّة التي تستوعب وتنتج بلا جهد.

يسمّي بعضهم هذه القدرة بالشغف؛ فالذي يحبّ الكتابة يمتلك من الصبر ما يجعله يناضل لأجلها ويُخلص لها. بالتالي، الجهد والإخلاص كفيلان بإنتاج تجارب فارقة في الكتابة. هناك أمثلة عديدة لذلك. لنأخذ مارسيل بروست الذي بذل جهداً خارقاً، لإكمال مشروع ضخم ومدهش في آن، رواية “البحث عن الزمن الضائع” الذي استلزم سبعة مجلدات ليكتمل. كتّاب كثيرون جاءوا بعد التجارب السابقة التمسوا فكرة “اصنع أسطورتك الخاصة”، فحاول بعضهم إلقاء الضوء على معاناةٍ ما في حياتهم، من قبيل الاكتئاب والأمراض النفسية أو المزمنة. ولكن هذه الأساطير لم تعد تعني الكثير في سوق الأدب، هذا الأخير صار يهتم بموضوعات النصوص في حد ذاتها، فتارّة يشجّع الكتابة التاريخية وأخرى يصفق للتجارب الذاتية المنطوية في كهفها، ثم جاءت موضة الكتب التي تُؤلَّف بناء على كتب أخرى ولا تنزل إلى الحياة. ولا نعرف ما إذا كان كتّابها لا يملكون تجربة حياةٍ يمكن وضعها على الورق، أو أنهم يجدون الكتابة انطلاقا من كتب أخرى حائط أمان.

في جميع الحالات، يجد الكاتب ذو القراءة العميقة نفسه أمام فخّ الوقوع في الكتابة عن الكتابة، أو الكتابة استكمالا لتجارب أخرى، من دون أن يضع نفسه داخل العملية، فتواجه كثافة القراءة عمق التجربة الحياتية، حيث لا بد من منتصر، لكننا لا نعرف، على وجه التحديد، من انتصر، لصعوبة معرفة نمط تفكير كل الكتاب، فقد نقرأ لكاتب أسلوبُه بسيط للغاية، ويكتفي بعوالم البسطاء من الناس، ونظن أنه شخص بسيط المعرفة. والحقيقة أننا قد نجده مثقفا وقارئا، ويقف خلف بساطة الكتابة والشخوص اختيار مُفكّر فيه، لا مُلقى على عواهنه. ما يصنع الأصالة سمات تفرّق بين شخصين قرآ الكتب نفسها وبالسرعة ذاتها، ويملكان معاً القدرة على الكتابة. لكن الفرق في ما يكتبانه كبير، في الأصالة والتفكير في قصص وتفاصيل وأسلوب أحدهما، ما يدلّ على غنى خياله وثقافته، وعلى مرونة كبيرة أمام الورق الأبيض. إذ تُغني القدرة على الملاحظة، ومحبة التّدوين، والقدرة على التّمييز بين الكتاب الجيد وغير الجيد.

في أوروبا وأميركا تُدرّس فصول كاملة عن الكتابة، وتمنحُ شواهد في ذلك ومحاضرات ودروس مسائية وأخرى نهارية .. بمعنى أن هناك عالما كاملاً، يحيط بمُحبّ الكتابة، من أجل أن يتمكّن من تقنيات الكتابة، خصوصا في المراحل الأولى. وهو الأمر الذي قد يستلزم مدة طويلة لكي يتعلم من تلقاء نفسه، بينما تُواجه ورشات الرواية عندنا بالنقد، لأن الكتابة لا تُعلّم في نظر بعض الكتاب. لعل هؤلاء على حق، إذا أنتجت لنا الورشات كتبا من قبيل؛ “كيف تكتب رواية في خمسة أيام؟”، ولعل سبب هذه النظرة إلى الكتابة هوايةً أو شيئا غامضا وغير مجسّد، كونها لا تملك سوقا ولا جمهورا واسعا. إنّها شيء سرّي يجمع قلة من الناس، وهو غير مربح؛ فما لا يُشترى لن يُباع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here