رغم الأزمات الشديدة التي مرت بها البلاد.. كيف ساهمت التحويلات المالية للمغتربين الصوماليين في بقاء المجتمع الصومالي صامداً؟

12
رغم الأزمات الشديدة التي مرت بها البلاد.. كيف ساهمت التحويلات المالية للمغتربين الصوماليين في بقاء المجتمع الصومالي صامداً؟
رغم الأزمات الشديدة التي مرت بها البلاد.. كيف ساهمت التحويلات المالية للمغتربين الصوماليين في بقاء المجتمع الصومالي صامداً؟

أفريقيا برس – الصومال. في تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في أكتوبر 2020، تحدث التقرير عن مدى الضرر الذي أحدثته موجة الجفاف التي بدأت في 2019 ولازالت آثارها مستمرة لحد الآن. وأظهر التقرير الآلية التي تستخدمها المنظمة لدعم المتضررين عبر إرسال المساعدات المالية إلى حسابات المستفيدين عبر أرقام هواتفهم كخطوة ساهمت في الحد من آثار الجفاف والفيضانات دون الحاجة لأن تسير المنظمات الإنسانية قوافل مساعدات إلى المناطق المتضررة ودون حاجة النازحين إلى مراجعة مقرات الهيئات الدولية لإستلام معوناتهم.

ولكن السؤال هو: كيف استفاد الصوماليون من التقنية الحديثة في مجال البنوك والحوالات للمساعدة في خدمة مجتمعهم على عدة مستويات بالرغم من علم الجميع ما يعانيه هذا البلد الذي ينزف منذ عقود ومدى ضعف مؤسسات الدولة في تقديم خدماتها؟

بداية. يمكن إعتبار سقوط نظام الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري في 1991 أولى الأسباب التي دفعت الصوماليين إلى البحث عن بدائل تعوض تَدَمُر مؤسسات الدولة بكافة أشكالها التي كانت تساهم في تلبية إحتياجات المواطنين وتسهل عليهم الوصول للخدمات وعلى رأسها ثالوث (البنوك والحوالات والرعاية الإجتماعية).

ولأهمية هذا الثالوث خاصة ما بعد 1991، كان لزاما ملء هذا الفراغ بشتى الطرق لارتباطه المباشر بوجودية الإنسان الصومالي في زمن حالة (اللادولة). ومن هنا أدرك الصوماليون أهمية “الحوالة” في أوائل التسعينيات بالرغم من كونها فكرة قديمة تعود أوائل السبعينات من القرن الماضي. إلا أن الحاجة إليها برزت في 1993 تحديدًا في عز الحرب الأهلية الصومالية كبديل للثالوث المذكور آنفاً.

تعود بدايات الفكرة إلى ابن مدينة (برعو) التي تقع في شمال الصومال بإقليم أرض الصومال وهو محمد سعيد دعالي، حيث افتتح شركته (دهب شيل) في 1970 وهي عبارة عن مؤسسة للتجارة العامة متخصصة في سمسرة التحويلات المالية للمغتربين الصوماليين في دول الخليج العربي حينها.

كانت الفكرة حينها تقوم على ( نظام فرانكو فالوتا Faranco Valuta) وهي تقوم باستثمار الأموال المُحولة في التجارة والاستيراد ثم إرسال العائدات والأرباح المالية إلى أُسر المهاجرين تهربًا من سياسة الرقابة المالية التي فرضته نظام سياد بري حينها.

ومع سقوط النظام الحاكم وتدمر قطاع الأعمال الصومالي إلى جانب مؤسسات الدولة، مثل البنوك والحوالات والضمان الإجتماعي، نجح محمد سعيد دعالي بالاستفادة من الشبكات الواسعة التي يعرفها من رجال الأعمال وغيرهم في الخليج إلى تبني مشروع مالي يغطي مكانة البنك المركزي المنهار ويساعد المغتربين في دعم ذويهم الذين الذين تشردوا بفعل الحرب الأهلية في الصومال.

بداية الإنطلاقة القوية

مع وصول المزيد من المهاجرين الصوماليين إلى الغرب وتحديدًا بريطانيا. افتحت دهب شيل أول فرع لها في لندن بمنطقة (وايت تشابل) تحت إدارة ابنه عبد الرشيد محمد دعالي وبدأت فكرة التحويلات المالية للأسر الصومالية تجتذب المزيد من أنظار رجال الأعمال الصوماليين الذين رأوا أن مستقبل الصومال المالي يكمن في هذا المجال، حتى بات لدينا اليوم عشرات الشركات المالية التي تخدم خدمات التحويل المالي أبرزها دهب شيل، أمل إكسبريس، توكل إكسبريس، إفتن إكسبريس، كاه إكسبريس، هودان إكسبريس، والعملاق الذي اكتسح السوق لاحقاً (تاج) التابع لعملاق الإتصالات الصومالية (هرمود).

جميع هذه الشركات أصبحت اليوم من أكبر المساهمين في دعم الأسر الصومالية وتسيير الأعمال التجارية حتى باتت الصومال اليوم أمام خطر زوال فكرة البنك المركزي الذي مازال غائبا منذ 1991 ولا مؤشرات تدل على قرب استعادة مكانته الطبيعية لتنظيم سوق المال والأعمال التي أصبحت من أضخم الأسواق التي تدر المليارات للبلاد.

تطور أنظمة الحوالة

مرت شركات الحوالات الصومالية بمراحل متعددة اختلفت فيها طرق الإرسال والإستلام ولكن بقيت الفكرة واحدة، وهذا ما جعلها تبقى صامدة أمام كل التغيرات السياسية التي طرأت على الساحة الصومالية، وتغير أطراف الحكم دون أن تتأثر خدمات التحويلات المالية لتجنبها (لحد ما) الغوص في وحل السياسة للحد الذي يسقط مكانتها.

فمن التسجيلات الورقية لبيانات المُرسل والمستلم وبطء الخدمة وتأخر وصول الحوالة ومخاطر سرقة الأموال المتكدسة في أفرع الشركات إلى نظام استخدام التخزين السحابي للبيانات وهذا ما جعل الخدمة أسرع وأكثر كفاءة، حتى باتت الحوالات ترسل في دقائق معدودة عبر تطبيقات توفر لمقدمي الخدمة الصغار إمكانية استخدام حسابهم المصرفي في شركة تاج للصرافة (على سبيل المثال لا الحصر) على إرسال الأموال عبر الجوال فقط بإستخدام نظام “EVC-PLUS” الذي يمنح المشتركين حساب بنكي يبدأ من 300 دولار ويصل لأكثر من 100 ألف دولار أمريكي لرجال الأعمال والذين بدورهم يمكنهم العمل كمندوبين صغار للشركة للعمل على إرسال الأموال لأي رقم هاتف صومالي. بالإضافة لمنصة “eDhadb” التابعة لدهب شيل التي تقدم خدمات مالية ومصرفية للمشتركين فيها.

كل هذا ساهم في تسارع نمو سوق العمل في الصومال للحد الذي بات الجميع إبتداء من العربات التي تبيع الخضروات وتعمل بجانب الطريق؛ وصولا إلى رواتب موظفي الدولة والجنود قادرون على تقاضي رواتبهم عبر خدمة “ُEVC-PLUS” في جنوب الصومال و”eDhahab” في إقليم أرض الصومال دون الحاجة للذهاب إلى الأفرع والوقوف في طوابير الإنتظار لإستلام الأموال.

دور التحويلات المالية في الحفاظ على تماسك الصومال

بحسب برنامج الغذاء العالمي، فإن المغتربين الصوماليين شمال أمريكا وأوروبا ودول الخليج العربي يرسلون ما قيمته مليار وستمائة ألف دولار أمريكي سنويًا. وهذا ساهم إلى حد كبير في بقاء المجتمع الصومالي متماسكاً رغم عقود من الصراعات والجفاف والفيضانات التي تسببت في تشريد مئات الآلاف من مناطقهم دون وجود برنامج رعاية اجتماعية حكومية تتكفل بتلبية احتياجاتهم.

كما لعبت تحويلات المغتربين خلال جائحة كورونا دورًا حيويًا في مرحلة الإغلاق التي شهدتها دول كثيرة حول العالم، بالرغم من انخفاض عدد التحويلات متأثرة بالجائحة. وقال عبد الرشيد دعالي، الرئيس التنفيذي لشركة دهب شيل في تصريح سابق له:

“عندما تحدث كارثة ما فنحن لا نعرف ما إذا كانت ستسبب خسائر كبيرة أم لا، ولا نستطيع تخمين حجمها. نحن (دهب شيل) عندما تقع أزمة نتحرك وفق ما نواجه ونراه من حجم الكارثة ونقدم الدعم للشعب دون أن ننظر إلى قبائلهم أو إنتمائهم السياسي لأننا ندعم المتضررين والكوارث تصيب الجميع دون إستثناء”.

مكنت التحويلات المالية المجتمع الصومالي من الوقوف صامداً رغم الأزمات العديدة التي تعرض لها، وذلك بالإعتماد على دور الأسر والعشائر في توفير السيولة المالية لذويهم بل وحتى جلب الخدمات الأساسية لهم مثل الماء والكهرباء والبنزين والغذاء كل هذا باستخدام الحوالات المحلية المتصلة بشبكة واسعة من الأعمال في أكثر من 140 دولة حول العالم.

بل باتت حتى المنظمات والهيئات الدولية تقدم خدماتها إلى النازحين والمتضررين من الكوارث الطبيعية عبر استخدام نظام الدفع بالجوال في سلسلة متصلة من شبكات رجال الأعمال والهيئات بل حتى الحكومة الصومالية نفسها.

مخاطر الحوالات في المساهمة بالأعمال الإجرامية والإرهابية

وكما هو الحال، فإن لكل جانب من أي نجاح تقني ومعرفي هناك جانب آخر مظلم لا يقل درجة خطورته عن درجة كفاءته لخدمة المجتمعات. حيث أصبحت تقنية الحوالات وسيلة بيد المافيات المتعددة سواء تلك الضالعة في الإتجار بالبشر أو مهربي السلاح إلى الصومال أو حتى الحركات المتطرفة التي وجدت وسيلة سهلة لتمويل أنشطتها الإرهابية.

ففي تقرير نشرته صحيفة رويترز في عام 2020 كشفت فيه عن استخدام مهربي السلاح بين اليمن والصومال الحوالات الصومالية في تسهيل عملية السمسرة في هذا المجال المحظور دوليًا بقرار أممي منذ تسعينيات القرن الماضي. وكشفت رويترز أن قيمة التحويلات المالية لمهربي السلاح خلال السنوات التي سبقت 2020 بلغت قيمتها 3.7 ملايين دولار بينهم شخصيات خاضعة لعقوبات أمريكية.

كما حدد التقرير 176 عملية تحويل مالي جرت بين أعوام 2015 – 2020 مرتبطة بشبكات تهريب السلاح في الصومال واليمن أجرتها شركتي أمل إكسبريس وإفتين إكسبريس اللتين بدورهما نفتا علمهما بهذه المزاعم وأن الإيصالات البنكية مزورة حسب بيانهم.

وبعيدًا عن شبكات تهريب السلاح فإن الحركات المتطرفة مثل حركة الشباب وتنظيم داعش يستخدمان أيضًا أنظمة الحوالة والدفع عبر نظام “EVC-PLUS” جنوب البلاد. حيث تقوم حركة الشباب بابتزاز التجار في المدن الكبرى بدفع ما يسمى بـ (الزكوات) وذلك عبر تحويل الأموال باستخدام خدمة “EVC-PLUS”. علاوة على ذلك تستخدم الحركة أيضًا نظام الدفع بالجوال عند نقاط التفتيش التي تسيطر عليها ما يصعب على السلطات تتبع مُلاك هذه الأرقام وتضييق الخناق على مصادر تمويل الإرهاب.

وأخيراً، يبقى هناك دور كبير مُنتظر من الحكومة الصومالية لتنظيم قطاع المال والأعمال في الصومال وملائمة الاشتراطات الدولية كخطوة ضرورية تسمح للصومال بأن يعود إلى أنظمة صرافة البنوك الدولية، وقد منحت الحكومة الصومالية شركة هرمود للإتصالات أول ترخيص رسمي لاستخدام نظام الدفع “EVC-PLUS” في عام 2020.

هذه الخطوة وصفها محافظ السلطة النقدية بالمهمة وأن “EVC-PLUS” من الآن فصاعدًا ستخضع للوائح البنك المركزي، والتي بدورها ستعزز الثقة في نظام الأموال عبر الهاتف المحمول في البلاد ويعزز من ثقة النظام المصرفي الدولي بالصومال.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here