الحرب ضد “الشباب”: الطائرات المسيّرة ترجح كفة الجيش الصومالي

14
الحرب ضد
الحرب ضد "الشباب": الطائرات المسيّرة ترجح كفة الجيش الصومالي

أفريقيا برس – الصومال. ما إن تتوقف المعارك التي تدور رحاها بين الجيش الصومالي ومليشيات عشائرية مسلحة من جهة، ومقاتلي حركة “الشباب” من جهة ثانية، في وسط الصومال، حتى تستأنف من جديد.

وتمكنت القوات الصومالية، الأحد 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، من تحرير بلدة عيل برف بإقليم هرشبيلي الفيدرالي، في وقت يتراجع فيه نفوذ “الشباب” الميداني والعسكري، بعد أن بدأ الجيش الصومالي حملة تستهدف مناطق نفوذ الحركة في وسط البلاد وجنوبها.

لكن ما رجح كفة المواجهات العسكرية الشرسة لصالح القوات الصومالية هو دخول الطائرات الأميركية والتركية على خط الاشتباكات، ولا سيما المسيّرة، بتنفيذها غارات جوية تستهدف ثكنات ومعاقل مسلحي الحركة.

عبد الرحمن توريري: الطائرات المسيّرة الأجنبية أدت دوراً كبيراً في القضاء على نفوذ “الشباب” في وسط البلاد

ويجرى توجيه تلك الضربات الجوية من قبل ضباط صوماليين يرابطون في الصفوف الأمامية في المواجهات العسكرية، ويزودون منسقي المسيّرات بالإحداثيات المستهدفة، ما يجبر مقاتلي “الشباب” على الانسحاب من ساحات القتال. لكنهم ينفذون لاحقاً هجمات مضادة على القوات الصومالية والمليشيات العشائرية لاستعادة السيطرة على المناطق التي انسحبوا منها.

ويخوض الجيش الصومالي، منذ أواخر يوليو/ تموز الماضي، حرباً واسعة ضد “الشباب” التي فقدت العديد من المدن والقرى في وسط البلاد، ولا تزال تواجه ضغطاً عسكرياً، بعد تحشيد القبائل القاطنة وسط البلاد مسلحيها في جبهات القتال، في موازاة تقدم الجيش الصومالي، ما يجبر مسلحي الحركة على التراجع والانسحاب من مناطق كثيرة.

ويتوقع مراقبون أن تفقد “الشباب” السيطرة على أجزاء شاسعة من وسط البلاد، إذا استمرت الحملات العسكرية ضدها من القبائل ومن الجيش الصومالي، ما يدفعها للجوء إلى الأحراج والغابات جنوب البلاد.

وأعلنت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، في بيان نشر على حسابها في موقع “تويتر” الخميس الماضي، أنها نفذت غارة جوية أدت إلى مقتل 17 من مسلحي “الشباب”، في منطقة تقع على بعد 285 كيلومتراً شمال العاصمة مقديشو، وأن هذه الغارة لم تسفر عن سقوط ضحايا مدنيين.

ووفق بيان “أفريكوم”، فإن تنفيذ هذه الغارة الجوية جاء بطلب من الحكومة الصومالية الفيدرالية التي أعلنت حرباً شاملة ضد حركة “الشباب” التي تعاظم نفوذها في السنوات الخمس الأخيرة بعد جمعها قرابة 120 مليون دولار أميركي، ولم تواجه ضغطاً عسكرياً من الحكومة الصومالية السابقة، ما مكّنها من بسط نفوذها الميداني والعسكري في وسط البلاد وجنوبها.

وكشف وزير الداخلية أحمد معلم فقي، في جلسة نقاشية عن تطورات الحرب ضد “الشباب”، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن بدء المسيّرة التركية “بيرقدار” تنفيذ غارات جوية وسط البلاد، وأن هذه الطائرات توفر معلومات استخباراتية عن تحركات مسلحي “الشباب”، إلى جانب تنفيذ غارات جوية تستهدفها أثناء المعارك الضارية ضدها.

وفي هذا السياق، يقول الجنرال عبد الرحمن توريري، المدير الأسبق لجهاز المخابرات والأمن الوطني ويرافق وحدات الجيش في إقليم شبيلي الوسطى، إن الطائرات المسيّرة الأجنبية أدت دوراً كبيراً في القضاء على نفوذ “الشباب” جزئياً في وسط البلاد، لأن هذه التكنولوجيا العسكرية لا تتوفر لدى عناصر الحركة، ولهذا فإن أكبر سلاح عسكري موجّه ضد الحركة يتمثل في استخدام المسيّرات التي تنفذ غارات جوية.

ويعتبر أنه من دون الاعتماد على هذه الطائرات الأجنبية لن يتمكن الجيش والعشائر من تحقيق انتصارات عسكرية على مقاتلي “الشباب”.

ويوضح توريري، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الطائرات المسيّرة والغارات الجوية رجحت كفة القتال لصالح الجيش الصومالي، وغيَّرت موازين الصراع العسكري في المواجهات المسلحة ضد “الشباب”.

شريف روبو: التعاون الاستخباراتي بين الجيش والسكان أمر في غاية الأهمية في مسار الحرب على الحركة

ويضيف: “إذا كانت أطراف الصراع متكافئة في القتال من حيث العدد والعتاد، فإنه من الصعوبة حسم هذا الصراع مستقبلاً. لكن إذا حظي أحد الأطراف بتفوق عسكري تكنولوجي فإن هذا سيمكّن بلا شك من حسم الصراع، وهذا ما يحصل حالياً في ميادين القتال وسط البلاد، لأنه من الصعب دحر نفوذ حركة الشباب باستخدام الأساليب والأسلحة نفسها التي تستخدمها عناصرها. ولهذا فإن المسيّرات الأجنبية شكلت بالنسبة للجيش الصومالي تفوقاً عسكرياً في إلحاق الهزيمة بمسلحي الحركة”.

وحول إمكانية استخدام المسيّرات التركية أو الأميركية وحدها في القضاء على “الشباب”، يرى توريري أنه من الصعب أن تحقق الغارات الجوية وحدها انتصارات عسكرية ضد الحركة، لأن عناصر “الشباب” يلجؤون أحياناً إلى الغابات بغية الابتعاد عن مرمى الغارات الجوية.

ويضيف: لهذا فإن المواجهات العسكرية المباشرة ضدها حققت انتصارات عسكرية، وأخرجت مقاتليها من مخابئهم ومن الخنادق والأحراج، ما سهل عمليات تنفيذ غارات جوية ضد عناصر “الشباب”.

ويضيف أن وجود تكامل بين المواجهات المباشرة لتدمير تحصينات الحركة العسكرية سهلت من تنفيذ غارات جوية قوضت تحركات “الشباب” وتنقلاتهم العسكرية في وسط البلاد.

ويتوقع توريري أن تواجه “الشباب” هزيمة عسكرية كبيرة في المرحلة المقبلة، وذلك بسبب وجود عوامل ثلاثة، ولادة حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد عقد العزم على محاربتها والقضاء عليها، إلى جانب وجود مليشيات عشائرية انتفضت ضد الحركة في أنحاء كثيرة من البلاد، وتعاون تلك المليشيات مع القوات المسلحة.

ويضيف إلى ذلك “توفر رغبة دولية وإقليمية لمواجهة الحركة، ويلاحظ هذا الاهتمام الدولي بتزايد الغارات الجوية التي تستهدف معاقلها باستمرار. ولهذا يمكن وصف المرحلة التي تعيش فيها الحركة حالياً بحالة يرثى لها”.

لكن مراقبين يشيرون إلى أن الحملة العسكرية الحكومية تواجه تحديات كثيرة، أبرزها غياب التنسيق العسكري بين القوات المسلحة والعشائر المسلحة، التي تعاني من نقص في التمويل العسكري، وغياب الدعم اللوجستي للقوات المسلحة والمليشيات العشائرية التي تخوض المعارك في جبهات عدة بإقليمي جلجدود وهرشبيلي (وسط البلاد).

وعن ذلك، يقول توريري إن الانتصار على “الشباب” عسكرياً مرهون بإجراء تعديلات عسكرية في كيفية مواجهة الحركة، من خلال فتح جبهات جديدة ضدها في مناطق أخرى في البلاد، فحالياً هناك ثلاث جبهات تشهد معارك عسكرية، ويجب إطلاق مرحلة ثانية من المعركة ضد “الشباب”.

وحول الخطط العسكرية التي تنتهجها الحكومة بعد تحرير المناطق التي تسيطر عليها الحركة يعتقد توريري أن استحداث استراتيجية أمنية وإدارية من الحكومة الفيدرالية أمر ضروري، فمن المهم دمج المليشيات العشائرية التي قاتلت ضد “الشباب” في أفراد الجيش والشرطة والمخابرات، لأن تلك المناطق التي كانت في قبضة الحركة تحتاج إلى ضبط أمنها، وتغيير قناعات سكانها من الأفكار التي زرعتها الحركة طيلة الأعوام التي كانت تمثل بالنسبة للسكان المحليين مدارس فكرية دينية تبث أفكارهم فقط.

من جهته، يقول الخبير العسكري المتقاعد شريف روبو، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الغارات الجوية أحدثت تفوقاً عسكرياً في مناطق متفرقة، خصوصاً في المواجهات التي دارت في محيط مسجد علي جدود بإقليم شبيلى الوسطى (شمال العاصمة)، وهذا ما أدى إلى تدمير ثكنات عسكرية وتحصينات لمسلحي الحركة، ولهذا يمكن القول إن الحرب العسكرية المباشرة في موازاة استمرار الغارات الجوية يؤديان إلى إلحاق الهزيمة بـ”الشباب” مستقبلاً.

ويضيف روبو أن تحديد الأهداف العسكرية التي تستهدفها الغارات الجوية، خصوصاً من قبل سكان العشائر في المناطق التي تسيطر عليها الحركة، ربما سيعجل من نهاية عناصر “الشباب” في وسط البلاد، لا سيما بعد تحرير عشرات البلدات والقرى من قبضتها من قبل الجيش والمليشيات العشائرية المسلحة.

ويحذر من تنفيذ غارات جوية ضد أهداف مدنية، والخلط بين المناطق المأهولة بالسكان بمعاقل “الشباب”، ولهذا فإن التعاون الاستخباراتي بين الجيش الصومالي والسكان المحليين أمر في غاية الأهمية حالياً في مسار الحرب على الحركة.

عبد الرحمن سهل: استمرار الحملة الحالية وتوسيع رقعتها ستحقق حتماً نتائج استراتيجية

وفي السياق، يقول الباحث في شؤون الحركات المسلحة ومحرر موقع “قراءات صومالية” عبد الرحمن سهل، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “في حال وجود عمليات عسكرية ميدانية مفتوحة في جبهات عدة، مع توفير الاحتياجات العسكرية للجيش الصومالي، فإن الضربات الجوية الدقيقة على معاقل الحركة وعتادها العسكري ستقلب ميزان القوة الشاملة لصالح الدولة الصومالية في غضون أشهر فقط”.

ويشير إلى أن “تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة حركة الشباب مرهون باعتبارات استراتيجية عديدة، أبرزها وجود خطة عسكرية مجازة من الحكومة الفيدرالية ورؤساء الولايات، والتفاعل بين الجيش الصومالي وقوات “الدراويش” للولايات الفيدرالية وتوفير الدعم العسكري والمالي، مع مشاركة القوات الأفريقية في العملية، واستمرار القتال ضد الحركة”.

ويشير سهل إلى أن تسليح الجيش الصومالي بطائرات بدون طيار أو غيرها، أو الأسلحة الثقيلة، غير وارد، بسبب حظر السلاح المفروض على الصومال منذ 1993، ولكن على الحكومة الصومالية البحث عن أصدقاء حقيقيين لتسليح الجيش، مع رفع الحظر المفروض على الجيش، وإقناع الأمم المتحدة بأن الصومال يتجه نحو مرحلة النضج لتحمّل المسؤولية في ضبط الأسلحة ومنعها من أن تقع في قبضة الإرهابيين، وكذلك عدم استخدام الأسلحة ضد الشعب الصومالي.

ويضيف أن “انضمام تركيا عبر مسيّرتها بيرقدار في محاربة الشباب يعد فرصة للدولة الصومالية. ولكن الرهان على الضربات الجوية من دون عمليات ميدانية مكثفة لن يحقق الأهداف الاستراتيجية من الحملة العسكرية، لأن الطائرات الأميركية بدون طيار التي قصفت معاقل الحركة، في السنوات الماضية، لم تحرر أرضاً، ولم تكسر شوكة الحركة، كما لم تحقق مصالح استراتيجية لصالح الدولة الصومالية، فلا بد من معالجة هذا الخلل في الحملة العسكرية الحالية”.

أما عن مستقبل الحرب على “الشباب”، فيرى سهل أن استمرار الحملة العسكرية الحالية وتوسيع رقعتها في ولايتي جوبالاند وجنوب الغرب، ستحقق حتماً نتائج استراتيجية تؤدي إلى كسر شوكة الحركة وتحرير المناطق الخاضعة لسيطرتها، وفقدان قيادتها السيطرة والتحكم في إدارة شؤون الحركة، وهذا هو حجر الزاوية في هزيمة “الشباب” عسكرياً في المرحلة المقبلة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here