أفريقيا برس – الصومال. تحاول الحكومة الفيدرالية في الصومال، منذ مطلع عام 2023، رفع حظر الأسلحة المفروض على البلاد من قبل مجلس الأمن الدولي منذ 1992 للحد من تدفق السلاح إلى الصومال بعد الحرب الأهلية التي أطاحت النظام العسكري في هذا القطر الأفريقي، وأدت إلى نشوب حروب متتالية ونزاعات سياسية بين الفصائل والجبهات المسلحة الصومالية. لكن تهريب الأسلحة الخفيفة إلى الصومال كان متواصلاً منذ عقود عبر سواحل البلاد والمنافذ الحدودية للدول المجاورة للبلاد.
ومع استمرار الحملة العسكرية للجيش الصومالي ضد حركة “الشباب” منذ أغسطس/ آب الماضي، والتي حققت مكاسب عسكرية وميدانية، مكّنت الجيش والقوات المرادفة له من تحرير ما يقرب من 80 بلدة، من بينها مدن ساحلية (إقليم هرشبيلي وإقليم جلمدغ) ومقتل نحو 3 آلاف من عناصر “الشباب”، استشعرت حكومة الصومال أهمية رفع حظر الأسلحة، بغية ترجيح كفة القتال لصالح الجيش وتحقيق تفوق عسكري ميداني لإنهاء نفوذ الحركة، مع بداية المرحلة الثانية من الحملة العسكرية الحكومية، التي تستهدف أقاليم جوبا السفلى وجوبا الوسطى (معقل التنظيم) وباي وبكول جنوب غربي البلاد.
وطالب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أعضاء مجلس الأمن الدولي برفع حظر استيراد الأسلحة المفروض على البلاد. وقال، في كلمته أمام مجلس الأمن نهاية الشهر الماضي، إن حظر السلاح على الصومال يمثل عقبة كبيرة تواجهها بلاده، وفي جهود بلاده لتحقيق الاستقرار الأمني، مؤكداً أن “الصومال عام 2023 يختلف تماماً عن الصومال في 1992”.
وفرض مجلس الأمن الدولي حظراً على الأسلحة في الصومال منذ 1992 بسبب انهيار الدولة المركزية بقيادة الجنرال الراحل محمد سياد بري (1969-1991)، ودخول البلاد في حرب أهلية. ومدد مجلس الأمن حظر استيراد السلاح للصومال في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حتى نوفمبر 2023، بذريعة أن حركة “الشباب” ما تزال تمثل خطراً يهدد أمن واستقرار دول القرن الأفريقي.
توقعات باقتراب رفع حظر استيراد السلاح
ويتوقع خبراء أن يقترب الصومال من رفع حظر استيراد السلاح من قبل مجلس الأمن، خصوصاً بعدما قطع شوطاً كبيراً في الحد من نفوذ “الشباب” بوسط البلاد، ويتطلع لإنهاء نفوذها في المناطق الجنوبية، شرط الحصول على أسلحة ثقيلة وعتاد عسكري ضخم لتحقيق حسم عسكري يجلب الاستقرار والسلام إلى المناطق الجنوبية في البلاد.
ويعتبر هؤلاء أن رفع حظر الأسلحة أساسي للوصول إلى جيش صومالي حديث وقوي، لخلق استقرار دائم في البلاد واستكمال السيادة الوطنية، وتمكين السلطات من ضبط الحدود البحرية والبرية والجوية للبلاد.
وفي هذا السياق، قال مدير موقع “قراءات صومالية” الباحث الصومالي عبد الرحمن سهل يوسف، إن الصومال يملك رصيداً من التجارب والخبرات منذ خروجه من المرحلة الانتقالية في 2012، مع تجاوز مرحلة الدولة الفاشلة إلى الدولة الهشة.
ولفت إلى أن تجربة مراحل إعفاء الديون عن الصومال تعزز فرصة طلبه رفع حظر استيراد السلاح المفروض على البلد، وكذلك تداول السلطة سلمياً، إذ يتم إجراء الانتخابات الرئاسية مرة كل أربع سنوات، كما أن علاقات مقديشو مع واشنطن ودول أوروبية عدة جيدة، وهذه العوامل كلها تسهم في اتخاذ قرار يصب في مصلحة الصومال وجهود مكافحة الإرهاب فيه.
ورأى يوسف أن رفع حظر استيراد السلاح المفروض على الصومال مع اتخاذ إجراءات صارمة في ضبط الأسلحة وحمايتها واستخدامها في المجالات المشروعة دستورياً، يمكن أن يؤدي إلى كسر شوكة حركة “الشباب” وتقويض قدراتها والقضاء عليها.
امتلاك أسلحة ثقيلة سيخلق واقعاً جديداً
وأوضح أن امتلاك الجيش الصومالي أسلحة ثقيلة، وقدرات قتالية جديدة، سيخلق واقعاً جديداً لصالحه، كما سيحوّل “الشباب” إلى صيد سهل للجيش، الذي سيتمكن من فتح جبهات قتالية عدة في وقت واحد، مع استخدام قدرات وتعزيزات عسكرية متطورة.
لكنه أضاف أنه إذا لم يتم رفع الحظر، فإن المشهد في الصومال قد يتحول إلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب في جبهات القتال، فأطراف الصراع تحمل الأسلحة نفسها، ما يجعل الحرب غير محسومة لطرف على حساب الآخر، ويبقى الصومال يراوح مكانه أمنياً وعسكرياً.
وأشار يوسف إلى أنه في سياق جهود رفع حظر استيراد السلاح ينبغي أن يقدم الصومال ضمانات إلى مجلس الأمن، تتمثل في ضبط الأسلحة وحمايتها من أن تسقط في أيدٍ غير آمنة، وكذلك الجماعات الإرهابية، وعدم استخدام الأسلحة لقمع الحريات العامة وإسكات المعارضة السياسية، كما أن عليه فرض مصالحة سياسية شاملة على مختلف المستويات بين حكومات الولايات والحكومة الفيدرالية، وتحقيق توافق سياسي بين أطياف المجتمع، وفق قوله.
في المقابل، يخشى مراقبون أن يؤدي قرار رفع حظر استيراد الأسلحة من قبل مجلس الأمن الدولي إلى تهريب السلاح بطرق غير شرعية إلى مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومات المحلية، ووقوع تلك الأسلحة بيد مليشيات عشائرية، أو تنظيمات متطرفة، وذلك نتيجة وجود مناطق شاسعة لا تخضع لسيطرة الحكومة الفيدرالية.
رفع استيراد السلاح ضروري للجيش
وقال الباحث في مركز الصومال للدراسات (مستقل) خالد علي إن رفع حظر استيراد الأسلحة أمر ضروري بالنسبة لتمكين الجيش الصومالي من بسط نفوذه في البلاد، وإيجاد قوة عسكرية تستطيع ضبط أمن البلاد، وحماية المناطق الحدودية من نشاط الجماعات الخارجة عن القانون.
ولفت إلى أن هذا الرفع يخلق ثقة دولية أكبر بالنسبة للمؤسسات الأمنية الصومالية، وذلك بعد ضخ دماء جديدة في القيادات العسكرية الصومالية، عبر توفير تدريبات عسكرية وبناء القدرات القتالية.
وأشار علي إلى أن الحكومة الفيدرالية تتهيأ لعقد صفقات أسلحة مع دول أجنبية، وهذا من شأنه أن ينعش اقتصاد البلاد ويوفر نوعاً من الاستقرار الأمني، وتنظيم قوانين امتلاك الأسلحة واستخدامها وفق المعايير الدولية، ومنع استخدامها في ارتكاب جرائم حرب.
وفيما يتعلق بإذكاء النزاعات العشائرية عبر أسلحة متطورة، قال خالد علي إن الاحتراب الأهلي كان مستمراً منذ ثلاثة عقود ولا يرتبط باستيراد الأسلحة من الخارج، ولهذا فإن النسق الاجتماعي ومشاكله الأمنية يستمر ما لم تكن هناك تسوية اجتماعية بين العشائر، وإجراء تفاهمات ومصالحات داخلية لوضع لوائح وقوانين تحد من الاقتتال الداخلي بين المليشيات العشائرية.
وأضاف أنه يجب إيجاد حكومة قادرة على منع حدوث صدامات عسكرية بين العشائر، لكن في ما يتعلق بأن الاقتتال الأهلي له علاقة مباشرة في رفع حظر استيراد الأسلحة فهذا غير وارد حالياً.
الحكومة الفيدرالية جادة بمنع وصول الأسلحة للمليشيات
وحول مؤشرات تمديد رفع حظر استيراد الأسلحة، رأى أن البيانات تشير إلى أن الحكومة الفيدرالية جادة في منع وصول الأسلحة إلى يد المليشيات المسلحة، ولديها حالياً نظام لتنظيم الأسلحة الخفيفة التي تستلمها حالياً من قبل الولايات المتحدة، كما أنها تبذل جهداً كبيراً لترتيب آليات تخزين الأسلحة عبر ترقيمها، على خلاف ما كانت عليه سابقاً.
وتابع أن الجيش الصومالي يسعى لتقويض نفوذ حركة “الشباب”، كما أن الجهود الدبلوماسية الصومالية لإقناع أعضاء مجلس الأمن الدولي مستمرة، ولهذا فإن مؤشرات رفع حظر استيراد الأسلحة لا تزال ضعيفة حالياً، لكن من المحتمل أن ينال الصومال ثقة أعضاء مجلس الأمن بصعوبة، على الرغم من محاولاته إثبات قدراته في الحد من انتشار السلاح غير المرخص بيد الجماعات المسلحة الإرهابية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس