حرب الصومال ضد “الشباب”.. تراجع الدعم الإقليمي يهدد فعالية المعركة

9
حرب الصومال ضد
حرب الصومال ضد "الشباب".. تراجع الدعم الإقليمي يهدد فعالية المعركة

الشافعي أبتدون

أفريقيا برس – الصومال. تشهد المناطق الوسطى في الصومال استعدادات عسكرية تجريها وحدات من الجيش الصومالي والمليشيات العشائرية المسلحة، لتوجيه ضربة عسكرية لحركة “الشباب”، التي تتخذ من مدينة عيل بور وسط البلاد مقراً استراتيجياً لمجابهة القوات الصومالية المشاركة في المرحلة الثانية من الحملة.

لكن هذه العملية تبدو مهددة بفعل تراجع الدعم المقدم من دول الجوار، تحديداً إثيوبيا وجيبوتي وكينيا، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة القوات الصومالية على خوض المواجهة، وعدم التراجع بعد التقدم الذي حققته في الفترة الأخيرة.

وتشن وحدات من الجيش عمليات تمشيط تستهدف القرى النائية التي لجأ إليها مسلحو “الشباب” عقب انسحابهم من مدن استراتيجية ساحلية مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، وذلك من أجل تنفيذ هجمات تستهدف قواعد الجيش الصومالي والقرى التي سيطرت عليها المليشيات العشائرية، بعد طرد مسلحي الحركة منها منذ أغسطس/آب الماضي.

وترأس الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، السبت الماضي، اجتماعاً، في القصر الرئاسي في مقديشو، لمجلس الأمن القومي، شارك فيه رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري ونائبه وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد بالإضافة إلى وزراء آخرين ومستشارين أمنيين.

وقال وزير الإعلام الصومالي داود أويس، للصحافيين، إن الاجتماع يأتي في إطار تفعيل الملف الأمني في ظل استعدادات الحكومة الصومالية لشن المرحلة الثانية من الحرب ضد “الشباب”. وأشار إلى أن شيخ محمود استمع من القيادات الأمنية إلى آخر المستجدات الأمنية في البلاد، إلى جانب العمليات العسكرية الأخيرة التي تستهدف فلول الإرهابيين في العاصمة وأقاليم البلاد.

وبعد انتهاء الاجتماع الأمني، اتجه شيخ محمود إلى مدينة طوسمريب (عاصمة إقليم جلمدغ الفيدرالي) بمشاركة مدير جهاز المخابرات والأمن الصومالي مهد صلاد، الذي يشرف على العمليات العسكرية التي تخوضها وحدات من جهاز المخابرات والأمن.

وتعتبر مدينة طوسمريب حالياً مركز العمليات العسكرية التي تهدف لتحرير أقاليم وسط البلاد (جلمدغ وهيران وشبيلى الوسطى ومدق) من حركة “الشباب” نهائياً، وطرد عناصرها نحو الأحراش والغابات في الجنوب الصومالي، تمهيداً لمعركة فاصلة للقضاء على نفوذ أتباع “القاعدة” في الصومال.

من جهته، دعا رئيس الوزراء عبدي بري، في كلمة بمناسبة تكريم المتفوقين في امتحانات الثانوية العامة في البلاد في مقديشو، السبت الماضي، الشعب لوحدة الصف والمشاركة في المرحلة الثانية من الحرب ضد المسلحين.

وبرأيه، فإن المرحلة الثانية من الحرب ضد “الشباب” التي يقودها رئيس البلاد بدأت، داعياً لعدم “تسييس” هذه الحرب، التي رأى أنها تتطلب “وحدة الصف والمشاركة الشعبية لدحر الإرهابيين الذين استباحوا دماء شعبنا طوال السنوات الماضية”.

خطة حكومية لاستنزاف مقاتلي “الشباب”

وفي السياق، يقول عبد الرحمن سهل يوسف، الباحث في شؤون الحركات المسلحة ومحرر موقع “قراءات صومالية” (مستقل)، إن الخطة الحكومية لتحرير مدينة عيل بور تتمثل في فتح جبهة جديدة من غرب المدينة، وليس من شرقها، فقد تم إعداد نحو 3 آلاف مسلح من المليشيات المحلية، المعروفة باسم “معاويسلي”، في مدينة غري عيل في إقليم جلدود بولاية غلمدغ وسط البلاد، استعداداً للمشاركة، مع وحدات الجيش الصومالي، في المرحلة الثانية من العمليات العسكرية ضد “الشباب”.

ويرى سهل يوسف أن الخطة الحكومية تتمثل في محورين، الأول يتضمن استنزاف مقاتلي الحركة في شرق عيل بور، عبر معارك محتدمة وتنفيذ عمليات عسكرية نوعيّة للجيش ضد “الشباب”.

ويشير إلى أن وزارة الإعلام ذكرت، في بيان في 29 يوليو/تموز الماضي، أن 100 من مقاتلي “الشباب” قتلوا قبل أيام في قصف جوي، وتم تدمير 14 مركبة للحركة في منطقة تقع بين محافظتي غلغدود وشبيلى الوسطى، كما قتل العشرات من المسلحين في معارك مباشرة مع الجيش، ويأتي هذا أيضاً مع وجود إسناد جوي من قبل القيادة الأميركية في أفريقيا المعروفة بـ”أفريكوم”.

ويوضح سهل يوسف أن مدير جهاز المخابرات “يلعب دوراً رئيسياً في هذه المعركة للقضاء على بؤر الإرهاب في وسط البلاد، وتحرير جميع المناطق الواقعة تحت سيطرة الشباب”. وبحسب سهل يوسف، فإن المحور الثاني من الخطة يتمثل في شن هجوم كاسح من غرب عيل بور بعد استنزاف مقاتلي “الشباب” في شرقها.

ويوضح أن الجيش الصومالي كان على أهبة الاستعداد لإطلاق المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد عناصر “الشباب” الموالية لتنظيم “القاعدة”، فيما تعهدت تركيا بتقديم المزيد من الدعم للقوات الصومالية.

ويشير إلى أنه وعلى الرغم من أن حركة “الشباب” لا تزال تسيطر على محافظة كاملة في ولاية جوبالاند، وهي جوبا الوسطى التي فيها مدن استراتيجية مثل جلب وبؤالي وساكو وغيرها، كما تسيطر على معظم المناطق الريفية في محافظتي باي وبكول في ولاية جنوب الغرب، إلا أن المرحلة الثانية من الحملة العسكرية ستشمل مناطق جوبالاند وجنوب الغرب، بغية إلحاق الهزيمة بالحركة، وتقويض قدراتها، في مقابل بسط الحكومة الصومالية نفوذها وسيطرتها التامة على البلاد.

معركة مصيرية ضد “الشباب”

وفي السياق، يقول الخبير العسكري المتقاعد شريف حسين روبو، إن معركة تحرير وسط البلاد من فلول مسلحي “الشباب” تعد مصيرية، فإذا تمكن الجيش الصومالي من دحر نفوذ الحركة في المناطق الوسطى فإن المعركة ستنتقل حتماً إلى المناطق الجنوبية، وهو ما يسرع من نهاية الحركة، التي تعد من أقوى التنظيمات التابعة لتنظيم “القاعدة في أفريقيا”.

ويشير روبو إلى أن هذه المعركة، التي تخطط لها الحكومة الفيدرالية، لن تكون الأخيرة التي تواجهها الحركة، فهناك رفض شعبي وعشائري لها في جنوب البلاد، مع توتر العلاقة بين العشائر والحركة، التي تفرض سطوتها على العشائر القاطنة في ولايتي جوبالاند وإقليم جنوب غرب.

ويوضح أن العشائر تنتظر بدء المعركة الأخيرة ضد الحركة للمشاركة فيها. ويوضح روبو أن مدينة عيل بور حالياً بمنزلة “إمارة إسلامية ومركز عمليات وتخطيط للحركة”، فإذا فقدت هذه المنطقة الاستراتيجية، فإن مستقبلها في وسط البلاد يصبح على المحك، ولن تستطيع العودة إليها مستقبلاً، مشيراً إلى أن “الشباب” لم تفلح حتى الآن في العودة إلى المناطق التي تم طردها منها من وسط البلاد منذ أغسطس/آب الماضي، وذلك بسبب عدم وجود حواضن شعبية لها في تلك المناطق، إذ إن منهجية العنف التي تتبعها الحركة لإخضاع المجتمعات أدت إلى كره شعبي لها.

تعليق دول الجوار دعم العمليات الصومالية

وبحسب ما نشره موقع “هورن إكزامينر” (hornexaminer) الصومالي في 3 أغسطس الحالي، فإن الدول المجاورة للصومال المعروفة باسم دول المواجهة، وهي جيبوتي وكينيا وإثيوبيا، أبلغت الصومال تعليق التزامها بتقديم المساعدة في المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد حركة “الشباب”. وقال الموقع إنه اطلع على رسالة تعلن فيها إثيوبيا أنها لن تكون جزءا من العملية.

ويعني انسحاب الدول الثلاث انتهاء الاتفاقية التي تم توقيعها مع إثيوبيا في فبراير/ شباط 2023، وتعهدات جيبوتي وإثيوبيا وكينيا بالمشاركة في القضاء على حركة “الشباب” للحد من تهديدها الأمني لمنطقة القرن الأفريقي، بسبب هجمات الحركة على دول الجوار منذ يوليو/ تموز 2022.

وتشهد هذه الدول حالياً، خصوصاً كينيا وإثيوبيا، اضطرابات أمنية، وذلك بعد وصول المئات من مسلحي “الشباب” إلى الجانب الآخر من الحدود الكينية، وتنفيذ هجمات تستهدف معاقل الجيش والشرطة. يضاف إلى ذلك استهداف الحافلات العمومية التي تقل المدنيين، إلى جانب زرع المتفجرات في الطرق غير المعبدة واستهداف الأرتال العسكرية الكينية باستمرار، الأمر الذي أجبر كينيا على رفع درجة التأهب العسكري للحد من تسلل مسلحي الحركة إلى داخل البلاد، بالإضافة إلى نشر المزيد من القوات على الحدود.

ويقول محمد آدم خليف، حاكم مقاطعة مانطيرا في إقليم شمال شرق كينيا، في تصريح لوسائل إعلام صومالية في يوليو/ تموز الماضي، إن “الشباب” تسيطر على 60 في المائة من المناطق الواقعة على الحدود بين الصومال وكينيا، موضحاً أن وجود عناصر الحركة في تلك المناطق أثر سلباً على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين. أما إثيوبياً فأصبحت التوترات في إقليم أمهرة هي الهاجس الجديد الذي تواجهه حكومة أبي أحمد، والذي أعلن نهاية الأسبوع الماضي عن فرض حالة الطوارئ في الإقليم بعد اشتباكات بين الجيش الإثيوبي ومسلحين موالين لجبهة محلية.

التقاعس يحد من قدرات الصومال القتالية

وفي هذا السياق، يقول الباحث في مركز الصومال للدراسات (مستقل) خالد علي إن الجيش الصومالي يستطيع وحده خوض معركة مصيرية ضد حركة “الشباب”، وقادر على هزيمتها في حال توفر العزيمة السياسية والرغبة الشعبية للقضاء على الحركة، لكن هناك عدة عوامل توفر عليه الوقت والجهد والمال وتؤثر على تحقيق نتائج إيجابية بسرعة، أبرزها وجود غطاء جوي، وهو متوفر حتى الآن من تركيا والولايات المتحدة.

ويشير علي إلى أن الاتفاقية الأمنية الموقعة بين دول الجوار مع الصومال في فبراير الماضي لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة من قبل حركة “الشباب” توحد جهود المنطقة، وتجعل الصومال خالياً من التطرف، لكن عدم تنفيذها ستكون له تداعيات وخيمة، وأبرزها استمرار تهديد الحركة للمناطق الواقعة على حدود دول الجوار، خاصة كينيا وإثيوبيا، فيما تبقى جيبوتي محصنة بفضل الاستقرار الأمني لإقليم أرض الصومال (بونتلاند) الانفصالي المحاذي لها.

ويحذر من أن نقض الاتفاقية سيؤثر على القدرات العسكرية المتوقعة في المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد حركة “الشباب”، وسيؤدي إلى عجز القوات الصومالية عن فتح عدة جبهات في وقت واحد.

ويضيف علي أن تقاعس دول الجوار عن الالتزام ببنود هذه الاتفاقية يحد من قدرات الصومال القتالية ضد “الشباب”. ويعتبر أن عدم وجود أسلحة نوعية وذخيرة يؤثر على المردود الميداني للخطط العسكرية، ويفقد الجيش الصومالي القدرة على تحقيق حسم عسكري في أرض المعركة ضد الحركة.

ويوضح خالد علي أن الاتفاقية الأمنية الرباعية حتمية استراتيجية لاستقرار القرن الأفريقي، حيث لم تعد حركة “الشباب” تشكل تهديداً فقط للصومال، بل إنها تهدد كينيا وأثيوبيا إيضاً، حيث هاجمت بشراسة العام الماضي عمق الأراضي الإثيوبية، كما أنها تسيطر حالياً على 60 في المائة من مدينة مانديرا الكينية على الحدود مع الصومال.

ووفق علي، فإن المقاومة الشعبية المساندة للجيش الصومالي في حربه ضد حركة “الشباب” والغطاء الجوي النوعي من تركيا وأميركا والإرادة السياسية للرئيس حسن شيخ محمود تضمن مواصلة القوات الصومالية انتصاراتها، إلا أنه يتوقع أن يؤدي انسحاب دول الجوار إلى تضعضع معنويات الجيش الصومالي وتغير الحسابات العسكرية في عملية مواجهة حركة “الشباب”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here