لماذا سيشكل الأفارقة الجيل الجديد من قادة العالم؟

9
لماذا سيشكل الأفارقة الجيل الجديد من قادة العالم؟
لماذا سيشكل الأفارقة الجيل الجديد من قادة العالم؟

أفريقيا برسالصومال. يتبنى رجل الأعمال الغاني فريد سوانيكر حاليا مشروعا يجري في إطاره تعليم ثلاثة ملايين شاب أفريقي وإعدادهم لكي يصبحوا شخصيات قيادية في مجالات السياسة والاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم بحلول عام 2035، وهي السنة التي سيكون فيها لدى دول أفريقيا جنوب الصحراء قوة العمل الأكبر حجما على مستوى الكرة الأرضية.

وتتسم هذه الفئة بطابع شاب للغاية، فمتوسط العمر بينهم سيكون 19.5 عاما، مُقارنة بـ 42.5 عاما في دول الاتحاد الأوروبي. كما أن عددهم يتزايد بمعدلات سريعة للغاية، إذ يُتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2050. وبحلول عام 2100، يمكن أن تشهد أفريقيا ولادة 40 في المئة من أطفال العالم.

وفي دردشة جرت بيننا في منزله بنيروبي؛ قال سوانيكر “تخيل أن يفتقر 40 في المئة من سكان العالم لأي فرص! لن نكون وقتها بصدد مواجهة أزمة أفريقية، بل عالمية”.

ولتشكيل جيل من الشخصيات القيادية القادرة على دفع القارة إلى الأمام، أسس الرجل ما يُعرف بـ “جامعة القيادة الأفريقية”، وهي مؤسسة للتعليم العالي، تشكل مسألة ريادة الأعمال أحد موضوعاتها الرئيسية، ويختار طلابها مهام لأدائها بها بدلا من تخصصات للدراسة. ومن بين هذه المهام مثلا؛ كيفية الاستفادة اقتصاديا من فحم شجر البامبو، أو سبل فهم أنماط حركة الأفيال في منطقة سرينغاتي التنزانية.

ويعمل الطلاب في ستة مشروعات أو نحو ذلك سنويا، ويُطلب منهم أن يلتحقوا بإحدى الشركات للعمل فيها لفترة من الوقت، تحت ملاحظة زملاء أكثر خبرة.

وقد افْتُتِحَ أول فرع لـ “جامعة القيادة الأفريقية” في موريشيوس عام 2015، وبعد عامين تلاه فرع آخر في العاصمة الرواندية كيغالي. وحصلت تلك المؤسسة وفروعها على الاعتماد والاعتراف من السلطات المختصة بالتعليم في مختلف أنحاء أفريقيا.

وتبلغ رسوم الدراسة والإقامة فيها 15 ألف دولار في موريشيوس مثلا. أما في رواندا، فتصل نفقات الدراسة وحدها إلى أربعة آلاف دولار. وفي هذا الفرع، يحصل الطلاب على قروض يوفرها لهم مستثمرون لتغطية نفقات دراستهم، على أن يسددوها من رواتبهم بعد التخرج، على غرار النظام المتبع مع الطلاب الجامعيين في المملكة المتحدة.

ويخطط سوانيكر لفتح 25 فرعا لمؤسسته التعليمية بحلول عام 2025. وفي العام الماضي، افْتُتِحَ فرعٌ لها في العاصمة الكينية نيروبي، يوفر دورة تعليمية تستمر ستة أشهر فحسب، وتُعرف اختصارا بـ “إيه إل إكس”، ويتم خلالها توفير منهج مختصر لتعليم كيفية اكتساب الشخصية القيادية التي تُعنى بها “جامعة القيادة الأفريقية”.

وستُقام فروع مماثلة لفرع نيروبي، في كل من جوهانسبرغ وكيب تاون بجنوب أفريقيا ولاغوس في نيجيريا والدار البيضاء في المغرب. وفي نهاية المطاف، يريد سوانيكر أن يقيم فروعا لمؤسسته هذه في كل مدينة أفريقية، بما يستوعب أكثر من مليون طالب. وفي الوقت الحاضر، يصل عدد الطلاب إلى نحو 1200 في فرعيْ “جامعة القيادة الأفريقية” و300 في فرع “إيه إل إكس” في نيروبي.

ورغم أن سوانيكر (42 عاما) ضئيل البنية الجسدية، فإنه يحظى بجاذبية شخصية كبيرة. ولا يبدو أنه يشعر بالخوف من جسامة المهمة التي وضعها لنفسه ولفريقه.

ويقول: “هدفنا توفير القدرة على القيادة لـ 40 في المئة من سكان العالم. إنهم بحاجة لأن يصبحوا قادرين على حل المشكلات والتعامل مع موضوعات، مثل توسع المناطق الحضرية، والرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية وتغير المناخ وتوفير الوظائف”.

وحدد الرجل لكل قائد مستقبلي سيتخرج من مؤسسته تحديا يتمثل في توفير 300 فرصة عمل، وهكذا فإذا تمكن من الوصول إلى العدد الذي يطمح إليه، وهو ثلاثة ملايين طالب، فسيعني ذلك إيجاد قرابة مليار وظيفة بحلول عام 2035.

ومن المرجح أن تكون هذه المهمة صعبة بالقدر الذي تبدو عليه عندما نتحدث عنها الآن بالفعل. وبرأي خبيرة في التعليم تعمل في أوغندا، فإنه على الرغم من أن “جامعة القيادة الأفريقية” تبدو “مشروعا عظيما لأفريقيا من أجل تحقيق التغيير، فربما تكون هناك مبالغة في أهدافها بعض الشيء”.

أما جميل سالمي، وهو خبير في مجال التعليم ويعمل في ولاية ماساشوستس الأمريكية، فتروق له فكرة سوانيكر. ويقول إن “الحكم الرشيد/القيادة يشكل بالقطع أهم ما تحتاجه أفريقيا، وليس فقط التركيز على تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ظناً بأن بوسع التكنولوجيا حل كل شيء”.

نوع جديد من التعليم

ولد سوانيكر لأب يعمل قاضيا وأما تعمل مُعلِمة. وفي عام 1979 كان سوانيكر لم يتجاوز الرابعة من عمره، حينما وقع انقلاب عسكري في غانا، فرت أسرته على إثره إلى بوتسوانا. وبعد سنوات من ذلك، توفي والده وكان سوانيكر وقتذاك في السادسة عشر من العمر.

وفي بوتسوانا، كوّنت والدته مجموعة دراسية صغيرة العدد، سرعان ما ازداد حجمها. وعندما أنهى سوانيكر دراسته الثانوية، سارعت أمه باختياره مسؤولا عن المجموعة. بعد ذلك، حصل على منحة للدراسة الجامعية في الولايات المتحدة، ثم نال وظيفة في شركة “ماكنزي” التي تقدم استشارات في مجال إدارة الأعمال بمدينة جوهانسبرغ.

وقبل أن يتفتق ذهنه عن فكرة إقامة “جامعة القيادة الأفريقية”، شارك هذا الرجل في تأسيس أكاديمية بنفس الاسم في جوهانسبرغ، توفر مناهج في مستوى التعليم الثانوي. ووضع خطة عمل هذه الأكاديمية، خلال دراسته للحصول على درجة الماجيستير في مجال إدارة الأعمال من إحدى الجامعات الأمريكية. وتكفلت “ماكنزي” حينذاك بنفقات دراسته التي بلغت 124 ألف دولار، ظنا منها أنه سيعود بعد إتمام الدراسة للعمل لحسابها. لكن اختياره لتأسيس “جامعة القيادة الأفريقية” بدلا من ذلك، جعله يضطر لتسديد تلك النفقات للمؤسسة.

ويتذكر سوانيكر تلك الفترة بالقول: “لم تكن هناك أموال لنحو عامين أو ثلاثة. كنت أنام على الأرائك”. في نهاية المطاف، التقى الرجل ريبيكا أوبنهايمر وريثة شركة “دي بيرس” الجنوب أفريقية. واستثمرت أوبنهايمر خمسة ملايين دولار في مشروع سوانيكر، لتفتح “جامعة القيادة الأفريقية” أول صف دراسي تابع لها في عام 2008. ويبلغ حجم التبرعات التي جمعها هذا الرجل حتى الآن، لتنفيذ مشروعاته أكثر من 200 مليون دولار، جاء 90 في المئة منها من خارج أفريقيا.

تجنب استنزاف العقول

ورغم أن كثيرا من الطلاب الأفارقة النابهين – مثل سوانيكر – يتعلمون في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن المشكلة تكمن في أن غالبيتهم لا يعودون إلى القارة، ويسعون لتجربة حظهم في مناطق يكون من الأيسر فيها ممارسة الأنشطة الاقتصادية والعثور على ممولين لها. فكيف يمنع سوانيكر تكرار ذلك مع طلاب جامعة القيادة الأفريقية؟

يقول سوانيكر إنه يعتقد أن أفضل طريقة لإبقاء “مواهبنا في أفريقيا تتمثل في أن نُظهر لهم أن البقاء في القارة يصب في صالحهم بالفعل. فأفريقيا هي قارة للفرص. هناك الكثير والكثير من المشروعات الريادية المثيرة التي يمكن إقامتها فيها، في ظل منافسة محدودة، خاصة إذا كان المرء متعلما ولديه أفكار مبتكرة”.

بجانب ذلك، يرى سوانيكر أن رواد الأعمال بحاجة للحصول على فرص للتواصل مع المستثمرين، في ضوء أن التمويل يمثل أحد التحديات الكبيرة التي تواجههم في أفريقيا، وذلك بفعل إحجام المصارف عن توفير القروض، وفي ظل صعوبة جمع أموال داخل القارة أيضا.

لذا، تُطوّر جامعة القيادة الأفريقية شبكة عالمية لرؤوس الأموال، يمكن للخريج الدخول إليها والاستفادة منها. كما يريد سوانيكر كذلك تكوين تجمع يمكن لطلابه أن يتواصلوا في إطاره بسهولة مع موجهين ومستشارين، بهدف الاستفادة منهم.

ويأمل سوانيكر في أن يُطوّر شبكة للخريجين من مختلف أنحاء أفريقيا، وهو هدف مهم في نظره، باعتبار أن تحقيقه سيسهم في تشجيع المرء على الاستمرار في القيام بنشاطه الاقتصادي حتى في ظل الظروف الصعبة “التي يواجهها المرء على الأغلب في أفريقيا”.

وتشكل هذه الظروف عقبات يحتمل أن تعترض طريق الإبقاء على الخريجين الموهوبين داخل القارة. وقد عانى سوانيكر نفسه من أجل توفير الاستثمارات اللازمة لمشروعه والعثور على “المواهب والكفاءات” التي تستحق الالتحاق به. كما أنه يدرك مدى افتقار القارة لمرافق البنية التحتية، مثل وجود خدمات كهرباء وإنترنت جديرة بالثقة. فتأمين الحصول على تيار كهربائي بشكل دائم لمشروع أو لمنزل في دول أفريقيا جنوب الصحراء، يتطلب إجراءات تستغرق في المتوسط 115 يوما.

ويقول سوانيكر في هذا الصدد إنك كـ “صاحب مشروع أو رائد للأعمال، تجد نفسك في أحيان كثيرة للغاية مضطرا للانخراط في أنشطة اقتصادية إضافية أو فرعية، لا لشيء سوى لزيادة فرص نجاح مشروعك الأصلي”. فعلى سبيل المثال، ربما تضطر لأن تستثمر أموالك في شراء مولدات احتياطية، للحيلولة دون أن يُشل مشروعك عن الحركة إذا انقطع التيار الكهربائي.

وفي دول كثيرة، يُطبق نظام يعرفه البعض باسم “تخفيف الأحمال”، ويتمثل في قطع التيار الكهربائي بالتناوب، لحماية الشبكة كلها من الانهيار. ويكبد هذا النظام اقتصاد بلد مثل جنوب أفريقيا خسائر تصل إلى مليار راند (66.25 مليون دولار أمريكي تقريبا) يوميا.

ثم تأتي مسألة دور الحكومات، الذي قال سوانيكر لي إنه يجب أن يقتصر على “وضع القواعد وتطبيقها، ومن ثم التنحي جانبا. وللأسف الشديد، تقف الكثير من الحكومات الأفريقية في طريق المشروعات الاقتصادية، وفي طريق ريادة الأعمال، فهي تخنق نشاط شعبها وقدرته على الابتكار والإبداع”.

ويعتبر الرجل رواندا نموذجا للحكومة “شديدة الكفاءة العازمة على تنمية اقتصاد بلدها، وتشجيع المشروعات والأنشطة الاقتصادية”. فعلى مدار السنوات الـ 15 الماضية، طبقت هذه الحكومة إصلاحات يصل عددها إلى 52، وهو العدد الأكبر من نوعه في أفريقيا بأسرها. كما أنها تتبنى “استراتيجية وطنية للتحول”، توضح فيها السبل التي تعتزم من خلالها مواصلة عملية التنمية الاقتصادية، عبر خطط من بينها زيادة عدد المقاصد التي تُسيّر شركة الخطوط الجوية الرواندية “رواندآير” رحلاتها إليها، وإعادة بناء مطار بوغيسيرا الدولي في العاصمة كيغالي.

ومن شأن ذلك تشجيع تدفق مزيد من السائحين على هذه الدولة الأفريقية، وزيادة عدد القادمين إليها لأغراض العمل والنشاط الاقتصادي. ومن بين الأسباب التي حدت بسوانيكر لاختيار رواندا مقرا للفرع الثاني من “جامعة القيادة الأفريقية”، محدودية الإجراءات الروتينية نسبيا في هذا البلد.

الجيل القادم من المواهب والكفاءات

من جهة أخرى، يعتبر سوانيكر أنه بالرغم من أن ممارسة أنشطة اقتصادية ذات صلة بمسألة الحفاظ على البيئة، من بين الأمور اليسيرة على رواد الأعمال الأفارقة، فإن هذا القطاع مُحتكر بالكامل تقريبا من جانب الغرب، سواء في صورة شركات أو منظمات غير حكومية أو فاعلي خير. وفي مؤتمر بشأن الحفاظ على البيئة نظمه في كيغالي عام 2017، قال الرجل إنه “لا يمكن أن يحدث أي تغيير في أفريقيا إذا ما كان الممسكون بزمامه غربيين”.

ويشكل تسهيل دخول رواد الأعمال الأفارقة إلى هذا المجال، أحد الأهداف التي يسعى سوانيكر إلى تحقيقها عبر كلية “الحفاظ على الحياة البرية” التابعة لـ “جامعة القيادة الأفريقية”، وهي الكلية التي افتُتِحَت في عام 2017 كذلك. وخلال العام الجاري يسعى سوانيكر لأن تشكل الإناث 50 في المئة من الراغبين في الحصول على درجة الماجيستير من هذه الكلية. ففي العام الماضي، لم تكن هناك سوى طالبتين فحسب من بين 23 دارسا.

وفي وقت سابق من العام الجاري، تخرجت أول دفعة من الحاصلين على هذه الدرجة في كلية “الحفاظ على الحياة البرية”. من بين أفرادها، تيرانس تشامباتي، وهو من زيمبابوي، وكان يعمل في مجال الإعلان في أوغندا، عندما وقع في غرام قطاع تربية النحل وإنتاج العسل. وهكذا تحول مساره من دراسة كيفية بناء علامة تجارية لمنتج ما، إلى البحث عن سبل معالجة ما يُعرف بـ “اضطراب انهيار مستعمرة النحل” الذي يحدث عندما يختفي النحل الشغال من الخلية.

وقاده ذلك إلى أن يشارك في تأسيس مشروع يحمل اسم “هوتشي هايف” ويقدم حلولا تعتمد على التكنولوجيا الحديثة لتلك المشكلة، مثل بناء “خلايا ذكية” وتعقب مسارات النحل، لجعل تربيته وإنتاج العسل، أكثر كفاءة من الوجهة الاقتصادية. ويمكن أن يشكل ذلك نشاطا اقتصاديا مربحا، يساعد كذلك على الحفاظ على النظام البيئي، باعتبار أن نحل العسل – وهو من بين أنواع الحشرات التي تشكل أفريقيا موطنا أصليا لها – يحتاج إلى أشجار ونباتات وفيرة لتتغذى عليها.

لكن هذه ليست القضية الوحيدة التي يهتم بها خريجو المؤسسات التعليمية التابعة لمشروع سوانيكر. فمن بينهم إدي أوكتش، الذي كان من بين أطفال الشوارع في كينيا، قبل أن يقود مسيرة سلمية نظمها الشبان في عام 2008، ما أدى إلى أن يصبح أحد طلاب “جامعة القيادة الأفريقية”. وفي العام الماضي، حل ثانيا في انتخابات تكميلية لمجلس الشيوخ في بلاده، وعمره لا يتجاوز 27 عاما.

لدينا أيضا سبنسر هورن، وهو من جنوب أفريقيا، وقد ابتكر منطادا مزودا بمحرك لنقل البضائع الأساسية إلى المناطق النائية في مختلف أرجاء أفريقيا. كما يمكن الحديث عن جوليا أغودوجو وهي من غانا، وقد طوّرت طريقة لفحص النساء، للتعرف على ما إذا كُنّ مصابات بسرطان الرحم أم لا، دون استخدام منظار.

في نهاية المطاف، يقول سوانيكر: “لا أستطيع الانتظار لرؤية ثلاثة ملايين شخصية قيادية من هذه النوعية والمستوى في مختلف أنحاء أفريقيا”.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here