لقاح فيروس كورونا: أين وصلت عمليات التلقيح؟

5
لقاح فيروس كورونا: أين وصلت عمليات التلقيح؟
لقاح فيروس كورونا: أين وصلت عمليات التلقيح؟

افريقيا برسالصومال. هناك سؤال تتداوله ألسن معظم الناس – متى سأتمكن من الحصول على اللقاح؟

مما لا شك فيه أن تطعيم العالم ضد كورونا يعد مسألة حياة أو موت، ولكن حفنة فقط من الدول وضعت أهدافا محددة بشأن إيصال اللقاح إلى مستحقيه، بينما تبقى الصورة غير واضحة بالنسبة لدول أخرى.

فعملية إيصال اللقاح إلى مستحقيه تشمل سياقات علمية معقدة وشركات متعددة الجنسية ووعودا متناقضة تطلقها الحكومات المختلفة علاوة على العقبات البيروقراطية وتلك المتعلقة بترخيص اللقاحات.

ما هو عدد التطعيمات التي منحت فعلا؟

منحت لحد الآن أكثر من 300 مليون جرعة من اللقاحات المختلفة في أكثر من 100 بلد حول العالم في أوسع برنامج للتطعيم في التاريخ.

إنطلقت برامج التطغيم بعد أقل من سنة على اكتشاف أولى حالات الإصابة المؤكدة في مدينة ووهان الصينية، ولكن طرح اللقاحات على النطاق العالمي لم يكن متساويا بأي حال.

فقد تمكنت بعض البلدان من الحصول على اللقاحات ومنحه لنسب كبيرة من سكانها، ولكن كثيرا من البلدان الأخرى ما زال ينتظر دوره في الحصول على الوجبة الأولى من اللقاح.

تعطي معظم الدول الأولوية في منح الدورة الأولى من التطعيمات لـ:

الذين تجاوزوا الـ 60 من أعمارهم

العاملون في القطاع الصحي

المصابون بحالات سريرية تعرضهم لمخاطر

وفي دول ك”إسرائيل” وبريطانيا، ظهرت بالفعل أدلة تشير إلى أن اللقاح قلل من ضرورة إدخال المرضى إلى المستشفيات وقلل من عدد الوفيات وانتشار الفيروس في المجتمع عموما.

ولكن بينما أطلقت معظم دول القارات الأوروبية والأمريكية الشمالية والجنوبية برامج التطعيم، لم تفعل ذلك إلا حفنة من الدول الإفريقية.

أجرت أغاثا ديمارايس، مديرة شؤون التنبؤات الدولية لدى وحدة معلومات مجلة الإيكونوميست، بحوثا موسعة حول هذا الموضوع.

وقد درست وحدة المعلومات التابعة للإيكونوميست قدرة الإنتاج العالمية للقاحات علاوة على كفاءة البنية التحتية الصحية الضرورية لإيصال اللقاح إلى أذرع مستحقيها، وعدد السكان الذي ينبغي أن تتعامل معه الدول المختلفة و – بالطبع – إن كان بمقدورها تحمل نفقات كل ذلك.

ويبدو أن الكثير مما توصل إليه فريق البحث (في وحدة معلومات الإيكونوميست) كان متوافقا مع الخطوط العريضة المتوقعة حول التنافس بين الأغنياء والفقراء. فالولايات المتحدة وبريطانيا تتوفران على كميات كافية بل وزائدة من اللقاحات في الوقت الراهن ليس لسبب إلا لأنهما تتمكنان من استثمار أموال طائلة في تطوير اللقاحات مما يجعلهما في المواقع الأولى في الحصول على اللقاحات في نهاية المطاف.

أما الدول الغنية الأخرى، مثل كندا ودول الاتحاد الأوروبي، فهي متخلفة عن ذلك إلى حد ما.

أما الدول ذات الدخول المتدنية، فمعظمها لم تشرع بعد في برامج التطعيم.

هل تحتكر الدول الغنية اللقاحات؟

واجهت كندا انتقادات عديدة في أواخر العام الماضي لشراءها خمسة أضعاف ما تحتاجه من اللقاحات لتطعيم سكانها، ولكن يبدو أن السلطات الكندية لم تتخذ الإجراءات الضرورية لتطعيم ذوي الأولويات.

كان هذا نتيجة خيار السلطات الكندية في الاستثمار في اللقاحات المنتجة في المصانع الأوروبية، بسبب تخوفها من قيام الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، بفرض قيود على تصدير اللقاحات الأمريكية إلى كندا. ولكن تبين لاحقا أن هذا كان رهانا خاسرا.

فالمصانع الأوروبية كانت وما زالت تعاني من صعوبات في الوفاء بالطلبات التي تأتيها للقاحات، وفي الفترة الأخيرة كان الاتحاد الأوروبي – وليس الولايات المتحدة – هو الذي يهدد بفرض قيود على تصدير اللقاحات.

وقالت أغاثا ديمارايس، “بما أن السوق الأوروبية لا يتوفر فيها كم كاف من اللقاحات، أعتقد بأنه من المستحيل الوفاء بما تطلبه كندا من لقاحات”.

ولكن ثمة دول أخرى حققت نجاحات أكبر من مما كان متوقعا.

فقد تمكنت صربيا على سبيل المثال من التفوق على كل دول الإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بنسبة سكانها الذين طعموا، أي أنها تفوقت على جميع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى في هذا المجال.

ويعود نجاح صربيا في هذا المجال نسبيا إلى كفاءتها في توزيع اللقاح، ولكنها استفادت أيضا مما يسمى “ديبلوماسية اللقاحات”، وهو تعبير يشير إلى المعركة الدائرة بين روسيا والصين من أجل الاستحواذ على النفوذ في أوروبا الشرقية. فهذه المنطقة هي من المناطق القليلة التي تتوفر فيها لقاحات سبوتنيك الروسية وسينوفارم الصينية.

نظريا، يمنح الصربيون الخيار حول اللقاح الذي يريدونه – إن كان ذلك فايزر أو سبوتنبك أو سينوفارم أو أسترازينيكا، ولكن في الحقيقة، يحصل معظم الناس على لقاح ساينوفارم الصيني.

ما هي دبلوماسية اللقاحات؟

من المرجح أن النفوذ الذي تمارسه الصين سيكون طويل الأمد. فالدول التي تستخدم الجرعات الأولية والثانية من لقاح سينوفارم من المرجح أنها ستتطلع إلى الصين إذا أرادت أن تحصل على لقاحات أخرى في المستقبل.

كما تعتمد دولة الإمارات العربية المتحدة بقوة على لقاح سينوفارم الصيني، إذ أنه شكّل نحو 80 بالمئة من اللقاحات المعطاة في تلك الدولة في شهر شباط / فبراير. كما تعكف دولة الإمارات على بناء منشأة لإنتاج لقاح سينوفارم حاليا.

تقول أغاثا ديمارايس إن “الصين توفر المنشآت الإنتاجية والعاملين المدربين، ولذا ستحصل على نفوذ طويل الأمد، كما سيجعل ذلك من العسير جدا أن ترفض الحكومات المتلقية طلبات الصين لأي شيء في المستقبل”.

وأن تكون دولة ماقوة عظمى في مجال اللقاحات لا يعني أن سكانها سيحصلون على اللقاح قبل غيرهم.، إذ تتوقع البحوث التي أجرتها وحدة المعلومات التابعة للإكونوميست أن اثنتين من أكبر الدول المنتجة للقاحات في العالم – الصين والهند – قد لا تتمكنان من تطعيم عدد كاف من سكانهما بنهاية عام 2022. السبب هو حجم السكان الهائل في البلدين إضافة إلى النقص الذي تعانيان منه فيما يخص عدد العاملين في المجال الصحي.

ما هي التحديات؟

يعود نجاح الهند في أن تصبح بلدا منتجا للقاحات إلى جهود شخص واحد، وهو أدار بوناوالا. فالشركة التي يرأسها بوناوالا، وتدعى شركة معهد الأمصال الهندي، هي أكبر منتج للقاحات في العالم.

ولكن في أواسط العام الماضي، بدأت أسرته بالاعتقاد بأنه فقد ذهنه. فكان يراهن بملايين الدولارات من ماله الخاص على لقاحات لم يكن يعلم بأنها ستكون ناجحة.

وفي كانون الثاني / يناير الماضي، وصلت أولى هذه اللقاحات التي أنتجتها شركة أسترازينيكا، إلى الحكومة الهندية. أما الآن، فيُنتجُ بوناوالا 2,4 مليون لقاحا في اليوم الواحد.

كما تزود شركته، وهي احدى شركتين تقومان بتزويد الهند باللقاحات، كلا من البرازيل والمغرب وبنغلاديش وجنوب إفريقيا باللقاحات.

ويقول، “كنت أعتقد بأن الضغط سيزول بعد أن نجحنا في إنتاج اللقاح، ولكن التحدي الحقيقي يتمثل في إرضاء الجميع”.

ويمضي للقول، “اعتقدت بوجود عدد كبير من المنتجين الذين بإمكانهم تزويد اللقاح، ولكن مع الأسف، في الوقت الراهن على الأقل، أي في الربع الأول من هذا العام، وربما حتى في الربع الثاني، لن نرى زيادة كبيرة في الامدادات”.

ويقول إنه من غير الممكن رفع الإنتاج بين عشية وضحاها.

ويقول بوناوالا، “الأمر يحتاج الى الوقت. يعتقد الناس أن لدى معهد الأمصال عصاة سحرية. أجل، نحن نتقن عملنا، ولكن ليست لدينا القدرة على خلق المعجزات”.

مع ذلك، يتفوق بوناوالا وشركته على الآخرين لأنه بدأ في بناء المنشآت في آذار / مارس 2020، وخزّن الضروريات كالمواد الكيمياوية والعبوات الزجاجية في آب / أغسطس.

أثناء عملية الإنتاج، قد تتباين كميات اللقاح المنتجة بشكل كبير، وهناك مراحل عديدة قد لا تجري كما يرام.

وتقول أغاثا ديمارايس، “إنه فن كما هو علم”.

بالنسبة للمصنعين الذين يبدأون بإنتاج اللقاحات الآن، ستمر شهور طويلة قبل أن ينجحوا في تطوير لقاحات ناجحة. وينطبق الأمر نفسه على تطوير أي لقاحات معززة قد تكون ضرورية لمحاربة الفيروسات المتحورة.

هل ستسرّع مبادرة كوفاكس إيصال اللقاحات؟

يقول بوناوالا إنه مصمم على تزويد الهند باللقاحات أولا، ومن ثم تزويد الدول الأفريقية بها من خلال خطة تدعى تسهيلات كوفاكس.

يذكر أن كوفاكس مبادرة تقودها منظمة الصحة العالمية وتحالف اللقاحات غافي (Gavi) ومركز الاستعداد للأوبئة (CEPI). ويهدف هذا التحالف إلى توفير اللقاحات إلى كل دول العالم بأسعار معقولة.

وتتعهد المبادرة بتزويد كميات من اللقاحات تكفي لتطعيم 20 في المئة من سكان الدول المستحقة.

وأصبحت غانا أول دولة تستلم اللقاحات من خلال هذه المبادرة، وذلك في 24 شباط / فبراير الماضي.

وتخطط كوفاكس لإيصال نحو ملياري جرعة من اللقاحات بحلول نهاية العام الحالي.

ولكن خطة كوفاكس تتعرض للتقويض لأن العديد من الدول المشاركة فيها تتفاوض بشكل منفرد للحصول على اللقاحات.

ويقول أدار بوناوالا زعماء كل الدول الأفريقية تقريبا اتصلوا به من أجل الحصول على اللقاحات بشكل مستقل.

ولا تشعر أغاثا ديمارايس ووحدة معلومات الإيكونوميست بالتفاؤل بما قد تحققه كوفاكس أيضا. فحتى لو جرت الأمور كما هو مخطط لها، لا تهدف الخطة إلا لتطعيم 20 إلى 27 في المئة من سكان أي بلد هذا العام.

وتقول ديمارايس، “ستحقق فرقا نسبيا صغيرا، ولكنه لن تغير الموقف بشكل جذري”.

وحسب التقديرات التي وضعتها ديمارايس لوحدة الإيكونوميست للمعلومات، قد لا تحصل بعض الدول على تطعيم كامل قبل حلول عام 2023، أو قد لا تحصل عليه بالمرة.

والتطعيم ليس أولوية بالنسبة لكل الدول، وعلى وجه الخصوص الدول التي أغلبية سكانها من صغار العمر والتي لم تشهد إصابة اعداد كبيرة بالمرض.

المشكلة في هذا السيناريو تتلخص في أنه إذا وجد الفيروس مكانا للانتشار، فسيكون بإمكانه التحور والانتقال إلى أماكن أخرى. وسيستمر تطور تحويرات جديدة مقاومة للقاحات.

ولكن الأمر لا يدعو إلى التشاؤم كليا. فعملية إنتاج اللقاحات تجري بسرعة كبيرة، ولكن حجم المهمة – أي تطعيم 7,7 مليار من البشر – هائل وغير مسبوق.

تعتقد ديمارايس أن على الحكومات أن تصارح شعوبها حول ما يمكن إنجازه، وتقول “من العسير جدا لأي حكومة أن تقول “كلا، سنحقق تطعيما واسع النطاق لعدة سنوات”. لا يريد أحد قول ذلك”.

إعداد بيكي ديل وناسوس ستيليانو

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here