ما سرُ “الفطر” الذي يساعد رواد الفضاء في استكشاف المريخ؟

11
ما سرُ
ما سرُ "الفطر" الذي يساعد رواد الفضاء في استكشاف المريخ؟

أفريقيا برس – الصومال. ديغو أرغودس أورتز

صحفي

تسعى مصممة عُهدت إليها مهمة ابتكار حذاء يصلح لرواد الفضاء في المريخ للاستعانة بالعرق الذي يفرزه الجسم وفطر من نوع خاص للقيام بتلك المهمة، وهنا يثور السؤال عما إذا كانت المواد الحيوية ستلعب دورا مهما في استعمار البشر للكوكب الأحمر؟

في عام 2016، كلف متحف الفن الحديث في نيويورك المصممة ليز تشيوكايلو بوضع تصور جديد لحذاء يصلح للاستخدام على سطح القمر، وتعود الفكرة الأصلية لذلك الحذاء إلى الأحذية التي انتعلها رواد رحلات أبوللو الفضائية.

وقد خرج حذاء رواد أبوللو للنور عام 1972 في أوج الرحلات التي كانت تستهدف استكشاف القمر، وعُد هذا الحذاء علامة مميزة من علامات القرن العشرين الذي شاعت فيه الاستخدامات المتعددة للبلاستيك، وأراد القائمون على المتحف وضع تصور لمثل هذا الحذاء بشكل جديد.

وبدأت تشيوكايلو مهمة إعادة تخيل الحذاء المعهود، وأدركت أنه لا سبيل سوى استخدام مادة حيوية أكثر موائمة لعصرنا الحالي الذي أخذ يعزف عن استخدام البلاستيك الضار بالبيئة، ولم تكتف المصممة الطموحة بذلك بل أرادت وجهة جديدة لذلك الحذاء، ولم تجد أفضل من المريخ، ذاك الكوكب الأحمر، الذي تهفو إليه ألباب المتعلقين بالفضاء الآن، وليس كمثله مقصد يوسع مدارك الخيال.

تقول تشيوكايلو: “دائما ما كان المريخ مكانا للحالمين، فبيئته تجعلك تعيد التفكير في كيفية الحياة على كوكب شبيه بالأرض”.

وقادتها المهمة إلى مادة حيوية عجيبة أثارت اهتمام المهندسين المبتكرين لمواد البناء وأولتها وكالات الفضاء الكبرى مثل ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية أهمية خاصة.

وكشفت أخيرا عن تصميمها لحذاء طويل خشن المظهر ترتديه امرأة، ويمكن تصنيعه على متن مركبة فضاء من خلال العرق الذي يفرزه الجسم والقليل من خلايا الفطريات، دون أي شيء آخر تقريبا، وهو الأمر المثالي لرحلة يمضي فيها الرواد سبعة أشهر إلى المريخ ولا تتسع إلا للقليل من الأغراض.

تلك المادة الحيوية السحرية هي الـ “مايسيليوم” (أو الغزل الفطري)، وهي الأنسجة الفطرية بخلاف “ثمرة” الفطر المعروفة.

وللتوضيح أكثر، ففطر عيش الغراب الذي يؤكل يمكن اعتباره بمثابة “ثمرة فطر”، بينما مادة المايسيليوم هي الأنسجة التي تشكل جذور ذلك الفطر، وهي عبارة عن نسيج خيطي أبيض ينتشر في التربة ومواد أخرى ينمو بها الفطر.

وللمايسيليوم خواص مذهلة، إذ يتميز بالكفاءة في استخدام المواد التالفة بتغذيه على أشياء من قبيل نشارة الخشب والمخلفات الزراعية لينتج منها مادة جديدة، ناهيك عن قابليته للنمو المستمر مع توافر الظروف المناسبة، وبمقدور المايسيليوم تحمل الضغط أكثر من الكتل الأسمنتية دون أن ينكسر، وهو عازل ومقاوم للحريق بل وربما يحمي من الإشعاع خلال رحلات الفضاء.

وحاليا يستخدم المايسيليوم في صناعة ألواح للأسقف وبدائل للجلود ومواد تعبئة، فضلا عن مواد بناء، ولكن في الفضاء يعد المايسيليوم باستخدامات أخرى حسبما يقول المهندس الفنان موريتسيو مونتالتي، الذي يشاطر تشيوكايلو مهمتها.

يقول مونتالتي: “نعتمد على قدرة الخلايا على التكاثر، ومن ثم تخليق مادة إضافية في برهة من الزمن”.

وقد أرادت تشيوكايلو أن تستخدم في حذائها الجديد الجسم البشري كمصدر للمادة الخام، ورأت في العرق ما تحتاجه. وليس استخدام إفرازات الجسم بالأمر الجديد تماما على الفضاء، فالمحطة الفضائية الدولية تعيد حاليا استخدام بول الرواد وعرقهم لتوفير ماء للشرب، ولكن الجديد هو إمكان استخدام العرق في صناعة الأحذية، وتعتقد المصممة أن حذاءها سيذكر الرواد بالأرض خلال رحلتهم الطويلة للمريخ.

ولا تتوقف مغامرات الفطريات في الفضاء عند حد ابتكار أحذية، فأثناء استعداد تشيوكايلو للمهمة صادفتها رواية نسوية من عام 1893 تخيلت المريخ كوكبا تنقلب فيه الأدوار بين الرجل والمرأة – ولذا صممت حذاء ترتديه امرأة.

ودفعتها الرواية أيضا إلى تخيل مجتمع جديد تفتح فيه المواد الحيوية سبيلا جديدا للتداخل مع الأشياء المحيطة، وجاء الاسم الذي أطلقته على تصميمها للحذاء “كاسكيا” من الرواية ذاتها، وهو اسم المنطقة الوحيدة في الكوكب التي يتساوى فيها الرجال والنساء.

ومازال التصميم افتراضيا، حيث أن الحذاء الفعلي المقدم لمتحف الفن الحديث – والمعروض حاليا بمتحف لندن للتصميمات ضمن جولة له – استخدم المايسيليوم دون العرق لانتهاء موعد التصميم، وإن صح الأساس العلمي للتطبيق.

ويتشكل المايسيليوم بطرق عدة، ومنها استخدام نشارة الخشب بعد تعقيمها وإضافة الفطر الذي سرعان ما يبدأ في النمو والانتشار، وبتوفير البيئة المناسبة من حرارة ورطوبة تبدأ الأنسجة الخيطية البيضاء في التراكم والتكتل، وهو السبيل الذي تأمل ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية في استخدامه في قواعد تقام بالمريخ.

وبالنسبة للحذاء “كاسكيا” يُستعان بنوع خاص من تلك الفطريات يتغذى على ما يحتويه العرق البشري بعد ترشيحه، و”المادة الرطبة” هذه – بحسب تسمية مونتالتي – ستوضع في قالب حول أرجل الرواد لتتغذى على العرق مباشرة.

وعلى أي حال، يمكن وقف نمو الفطر حين ينتهي المطلوب منه، عبر تعريضه لحرارة ما بين 70 و80 درجة مئوية، سواء في فرن على الأرض، أو عبر تعريضه لحرارة عالية بالمريخ أو في الفضاء الخارجي.

وقد يلزم إضافة مواد غذائية أخرى لـ”تربة” الفطر لزيادة نموه، وهو أمر يعيه مونتالتي، ومع ذلك يؤكد أن الافتراض قائم على سند علمي قوي يشمل تجارب سابقة على مادة المايسيليوم.

وقد استعان مونتالتي وتشيوكايلو بتركيبة خاصة مخففة لإنتاج الحذاء المقدم لمتحف الفن الحديث. وتقول تشيوكايلو إن كافة تصميماتهما يمكن دعمها علميا.

كما تسعى وكالة الفضاء الأوروبية للاستفادة من المايسيليوم، إذ تبحث ضمن مشروع مشترك بين مونتالتي وجامعة أوترخت إمكانية الاستعانة بالفطريات لاستنبات أبنية كمختبرات ومنشآت أخرى في الفضاء.

فتكلفة إطلاق منشأة كاملة على متن مركبة فضاء من الأرض إلى المريخ ستكون باهظة، إذ تناهز عشرة آلاف دولار لكل رطل منها.

وهناك صعوبات تعترض سبيل استخراج مواد من سطح المريخ، وهي عملية ذات تكلفة مرتفعة أيضا، ناهيك عن كيفية التعامل مع المخلفات في الفضاء. ومن ثم تتعلق الأنظار بالمايسيليوم لقدرته الفعالة على تحليل المخلفات وإعادة تدويرها.

وفي أكتوبر/تشرين الأول خرج الفريق بنتائج أولية، ويقول مونتالتي إنها كانت مشجعة (ومازالت الوكالة الأوروبية تتحقق منها، ومن ثم لم يُعلَن عنها بعد). ويحلم مونتالتي بالجمع بين المايسيليوم وتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وحتى التعديل الوراثي لرواد الفضاء، لتوسيع دائرة النتائج.

وفي أمريكا، تبحث وكالة ناسا إمكانية استنبات منشآت على سطح المريخ نفسه، إذ يدرس الأمريكيون إنتاج كتلة بلاستيكية مرنة ملقحة بالمايسيليوم على الأرض، ثم تنشيط نمو الفطر بمجرد وصول تلك الكتلة إلى المريخ.

وهكذا يمكن أن يتحول غشاء رقيق مثلا إلى سقف سميك أو جدران في غضون أيام أو أسابيع. ويمكن أن يكون ذلك البناء قابلا للطرق والسحب والتشكيل، ويتم وقف نمو الفطر عند الحاجة، ويمكن أيضا أن يظل الفطر كامنا ليُعاد تنشيطه حسب الطلب، إذا لزم الأمر مثلا إصلاح جزء ما من البناية.

ومن الجوانب الواعدة للمايسيليوم في مجال عمارة الفضاء قدرة بعض الفطريات على إنتاج الميلانين، وهو جزيء حيوي قد يكون قادرا على حماية البشر من الإشعاعات الكونية. وقد أجرى مونتالتي بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية تجارب على تلك الخاصية في إطار مشروعهما.

وعلى الأرض استعانت مشروعات عدة بالمايسيليوم كمادة هيكلية، منها مشروع بين معهد كارلسروهه للتكنولوجيا والمعهد السويسري الفيدرالي للتقنيات بطباعة هيكل مجسم لبناء الأسقف.

وبالنسبة للكثيرين يَعِد المايسيليوم باقتصاد تدويري رائع، فالمخلفات تصبح خامات صالحة للاستخدام، والناتج نفسه قابل للتحلل كالخشب.

ويقول المعماري آدي رضا نوغروهو، العامل بشركة مايكوتيك الإندونيسية التي تمد المعهد السويسري ومعهد كارلسروهه بالمايسيليوم، إن شركته “تستخلص المادة الخام حاليا من فطريات قائمة، بينما في المستقبل نهدف للاستعانة بنموذج اقتصادي تدويري كامل”.

وإذا وفِقت التجارب التي تباشرها ناسا والوكالة الأوروبية، فستمثل بضع بذور فطرية مجهرية اللبنات الأولى لمستعمرة طبيعية قائمة بذاتها على المريخ. ومن حفنة فطريات ستخرج استخدامات شتى يستفيد منها رواد الكوكب الأحمر.

ولو راجت فكرة تشيوكايلو ومونتالتي، فسيروي عرق البشر مستقبلا فطرا ينتج أحذية تحمي أرجلهم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here