هل تفضي الانتخابات الصومالية إلى استقرار أم إلى فوضى

22
هل تفضي الانتخابات الصومالية إلى استقرار أم إلى فوضى
هل تفضي الانتخابات الصومالية إلى استقرار أم إلى فوضى

أفريقيا برس – الصومال. مشكلة الصومال لم تكن وليدة اللحظة بل هي امتداد لمشاكل كثيرة وعويصة ظهرت إلى الأفق بُعيد ارتحال المستعمر الأوروبي ونيل الصومال استقلاله الصوري، لأن الساسة الذين تولوا مقاليد الحكم لم يكونوا على مستوى تطلعات الشعب وآماله في تحقيق مطالب الحرية والاستقلال بل اتجهوا إلى تحقيق مصالحهم الشخصية والفئوية مستخدمين بإثارة النعرات القبلية بين مكونات الشعب الصومالي في وقت كان أغلبيته يعيش تحت سلطان القبيلة المبني على المغالبة وهضم حقوق الغير بدون خجل .

نظام تداول السلطة

ومهما كان الأمر فالوضع كان هادئا ومستقرا والحكومة قائمة مع عجرها وبجرها كما كان يتم نظام تداول السلطة بصورة سلمية ، ولكن الوضع تغير بصورة كارثية بعد قيام حكومة الرئيس عبدالرشيد علي شرمأركي بتزوير وسرقة الانتخابات التي جرت في شهر آذار (مارس ) عام 1969م ، واستحواذ الحزب الحاكم بأغلب مقاعد البرلمان ، وقد أوجد هذا التصرف استياءَ كبيرا لذي غالبية الشعب الصومالي مما سبب في اغتيال الرئيس في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر عام1969، وبعد ستة أيام من إغتياله استولى الجيش على مقاليد الحكم وعطل الدستور واحتجز غالبية أعضاء الحكومة والبرلمان في السجون وفي ثكنات الجيش ، واستبد بالرأي وقاد البلاد بالنار والحديد وتبنى مبدأ وأفكار الشيوعية ، وصادر الحريات وكمم الأفواه واعتبر كل من لا يتوافق معه بأنه رجعي يخدم أعداء البلد .

وبعد عشرين عاما من الحكم الجائر استطاعت انتفاضة شعبية لا رأس لها بإسقاط حكومة تمتلك بعشرات الآلاف من الجنود المدججين بأفتك أنواع السلاح المدمر، ما جعل البلد يدخل في أتون حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس، فعم الحراب والدمار في الإنسان والأرض والحجر، وأصبحت الصوملة ماركة عالمية ترمز إلى البؤس والهمجية والمجاعة.

وبعد عقدين من التشرذم والخلاف ظهرت بارقة أمل في إعادة البلد إلى وضعه الصحيح حيث تم اختيار أعضاء البرلمان على أسس قبلي ومحاصصة عشائري، ليختاروا بدورهم رئيسا للبلاد لا تتجاوز مدة ولايته أربع سنوات لا تمديد فيها.

انتهت فترة الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو قبل عام وزيادة وحاول تمديد فترة ولايته ولكن واجه معارضة كادت أن ينزلق البلد إلى فوضى لا استقرار بعدها ، واجبر على التراجع .

انتخابات غير مباشرة

ما يجري في الصومال ليس انتخابا رسميا بل هو انتخاب من نوع آخر ، حيث تعرف كل قبيلة عدد مقاعدها مسبقا، ويختار أبناء القبيلة فقط على من يجلس على هذا الكرسي مع استخدام المال السياسي والنفوذ السلطوي لمن يقدر على ذلك، ولا يفوز إلا لمن تريده اللجان المشرفة على الترشح.

وتظهر الأرقام المتداولة أن أنصار الرئيس الحالي استحوذوا غالبية الأعضاء الذين تم انتخابهم حتى هذه اللحظة بسبب ما يتوفر لهم من سلطة ووفرة مالية، بينما منع كثير من أعضاء البرلمان السابقين بالترشح لأسباب تعسفية ودون سند قانوني.

كثر من منتقدي أداء الرئيس الحالي في السنوات الماضية يتهمونه بسوء استخدام السلطة والسعي لتأسيس حكم فردي واستبدادي يسوق البلد بالنار والحديد وإعادة عقارب الساعة إلى الماضي السيئ الذي قاد البلد إلى خراب ودمار.

ومهما كان الأمر إذا فاز الرئيس الحالي في فترة رئاسية ثانية لا خيار أمام الشعب الصومالي إما أن يقبل حكما ديكتاتوريا أو يعود إلى الاحتراب والاقتتال الداخلي وأحلاهما مرٌ وهلاك حسب ما يقول بعض محللي الشأن الصومالي.

فالدكتاتورية التي حكمت البلاد أكثر من عشرين عاما قادت البلد إلى حرب أهلية، وبدورها انتجت الحرب الأهلية إلى تقسيم البلد إلى كنتونات قبلية وعشارية، فلا الحكم الفردي أقام نظاما صحيحا ولا الحرب الأهلي أعاد الحق إلى أهله .

فالوضع الصومالي اليوم غير الوضع الذي كان عليه البلد في الستينيات القرن الماضي حيث كانت الوطنية وحب البلد في أعلى مستوياتها ولم تعرف القبلية والمحسوبية طريقهما إلى مكاتب الحكم وأروقة السياسة وكانت الشعارات كافية في دقدقة مشاعر الدهماء والبسطاء، وكانت وسائل التواصل ونقل الأخبار مسيطرة من قبل رجال الحكم ولا يذاع إلى ما يريد الحكم القائم، ولأجل هذا الوضع استغلت سماسرة السياسية وقادة الجيش المتعطش للحكم إلى استلاء مقاليد البلاد وتحويله إلى مزرعة خاصة لهم ولحواشيهم، فأفقروا البلد وزرعوا الأحقاد والإحن ونشروا الفساد السياسي والإداري والأخلاقي ، فلما بلغ السيل الزبى انتفض الشعب وهوّى البلد إلى حرب أهلية لا تبقى ولا تذر .

فالوضع الحالي لا يمسح بعودة الدكتاتورية وحكم الفرد لأن البلد منقسم على نفسه لوجود أقاليم سبعة تدار من قبل حكومات محلية ترى عودة الحكم المركزي وبالا على الشعب والوطن وتسعى لإضعافه وتقليم أظافره، وإن كانت بعض الإدارات تخضع لرغبات القصر الفدرالي لمصالح شخصية إلا أن الغالبية لا تقبل ذلك .

وأما عودة البلد إلى حرب أهلية من جديد فمستبعد في الوقت الحاضر لأن الشعب غير مستعد لخوض تجربة أخرى لا تأتي إلا مزيدا من المآسي والدمار وإن كانت بعض الأطراف السياسية ترى أن الحل الوحيد لإنهاء حكم الرئيس الحالي ومنعه من إعادة انتخابه إذا لم تتم بطريقة سِلمية فلا مناص من استخدام القوة وافساح المجال أمام المليشيات القَبلية لتأخذ دورها في نشر الخراب في كل مكان، فحينئذ لا خيار للرئيس إلا قبول الأمر الواقع ومغادرة القصر.

الوضع الصومالي وضع معقد ومركب سياسيا واجتماعيا وثقافيا، ولا يمكن حلحلته إلا بسواعد أبنائه دون تدخل خارجي، ولكن العقلية الصومالية عقلية لا تقبل الحلول الوسطية ولا التنازل لفوز الأطراف كلها بل تؤمن الربح أو الخسارة وإما إن تكون معي أو ضدي ، ولأجل هذا التفكير غير العقلاني تحاول كل قَبيلة وعشيرة أن تكون في الصدارة وتكون الآمرة والناهية في شؤون الحكم والسياسة وإلا سيبقى البلد في حالة لا استقرار ولا تقدم .

تفاهمات مصلحية

وهذه العقلية يتبناها السياسي والمثقف وشيخ القبيلة ومختار الحارة والإداري والعسكري والتاجر والجاهل والعامي ، ولذلك يبقى البلد تحت رهن إشارة القبيلة وأمنياتها ، فالانتخابات لا تقدم شيئا ولا تؤخر، وما أعقبها من استقرار صوري أو اقتتال داخلي لا علاقة لها بالانتخابات الحالية بل بتفاهم سياسي مؤسس على محاصصة قَبلية وتفاهمات مصلحية بين السياسيين لا يستفيد منها الشعب شيئا أو باختلاف وعدم تفاهم بين السياسيين في تقاسم كعكة الحكم .

وأخيرا الصومال بحاجة إلى إجماع وطني ومصالحة كاملة الأركان يشارك فيها كل مكونات الشعب لتأسيس ميثاق وعقد وطني لا يفرق بين أبناء الشعب ويكون سيادة القانون فوق كل شيء وما دون ذلك فمضيعة للوقت وإطالة لمأساة الصوماليين.

كاتب صومالي

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here