أفريقيا برس – الصومال. لا بد من أن المربع الأحمر الذي يتوسطه مثلث أبيض يدل على تشغيل الفيديو وهو شعار “يوتيوب” يحث مستخدم شبكة الإنترنت للضغط عليه، فهو أحمر وأبيض. هذان لونان مريحان للنظر وموجودان في معظم أعلام دول العالم. هذا الشعار هو وليد فكرة شخص واحد ربما أو مجموعة من الأشخاص الذين تخصصوا في هذا النوع من الأعمال، أي اكتشاف شعار “لوغو” يجذب الناظر إليه ويدفعه إلى فتح الصفحة. وربما اختاروا شعاراً مناسباً ثم تراجعوا عنه وبدلوه مرات عدة في جلسات طويلة من العصف الذهني، إلى أن يصلنا في النهاية على هيئته الأخيرة، فنعتاد على رؤيته من دون أن نفكر بصانعيه ودروب التفكير التي سلكوها. وهذا الأمر ينطبق على “إيموجيز” أي الوجوه والإشارات التي نستخدمها لنختصر كلمة أو فكرة أو حال نفسية في اللحظة ذاتها. وهي موجودة على كل مواقع التواصل الاجتماعي وأشهرها إشارة الأصبع مع اليد المضمومة أي الإعجاب “لايك”، والوجوه الضاحكة والباكية وصور الآلات والمعدات وكل ما يمكن أن يخطر على بال المستخدم من الإشارات، ويبلغ عددها 3663 “إيموجي” حتى اليوم، لكن معظم رواد الإنترنت يستخدمون عدداً قليلاً منها.
اللغة العالمية الجديدة
“إيموجيز” كما “لوغو”، يصنعها أشخاص متخصصون تدربوا على هذا الأمر منذ انطلاق عالم الإنترنت المفتوح على الهواتف الخليوية وقبلها على الكمبيوترات، وساعدهم فيها استفتاء آراء الجمهور أو أشخاص خضعوا للاختبار لفترات معينة، لإعطاء رأيهم بالرموز التعبيرية الجديدة. وربما يكونون من المتخصصين في الـ”غرافيك ديزاين” وفي علم النفس وفي الرسم وعلوم الإشارة واللسانيات، أو ربما من غير المتخصصين في أي من تلك المجالات، إلا أنهم يملكون موهبة أو فن الاختصار بواسطة الإشارات. وبعد انطلاق مدارس “إيموجيز” في العالم، بات بإمكان أي شخص صناعة رمز تعبيري خاص به، ويطلقه عبر الشبكة من دون أن ينتمي إلى شركة معينة. وغالبية هؤلاء من المراهقين الذين يعرفون عوالم شبكة الإنترنت وخباياها، فيطلقون بين الفينة والأخرى وجهاً جديداً أو أي نوع من الرموز التعبيرية الدالة على “حال نفسية” معينة، لم تكن شركات التواصل الاجتماعي وجدتها بعد، وهي تنقص هؤلاء المراهقين كي يختصروا ما يريدون التعبير عنه أثناء تراسلهم أو أثناء استعراضهم لأنفسهم عبر شبكات التواصل.
لنبدأ بالـ”إيموجيز” الأكثر استخداماً حول العالم لعام 2021، الذي نشرته مؤسسة Unicode Consortium وهي مؤسسة غير ربحية مسؤولة عن رقمنة لغات العالم، بحسب تعريفها في موقعها على الإنترنت، وجاء فيه أن أكثر الوجوه استخداماً هو الوجه الضاحك الذي يذرف الدموع من شدة الضحك، أي بنسبة 5 في المئة من كل استخدامات “إيموجي” في العالم. وجاء في التقرير أن 92 في المئة من مستخدمي وسائل التواصل يستعملونها. أما أقرب إيموجي لدموع الضحك، هو إيموجي قلب الحب، ثم تأتي البقية بمسافة بعيدة في الاستخدام من الـ”إيموجيز” السابقة. ويأتي في المركز الثالث إيموجي “الإعجاب” المؤلف من إبهام مرفوع إلى الأعلى. وفي المركز الخامس جاء الوجه الذي يذرف دموعاً غزيرة، ثم بعد ذلك “إيموجي” الكفين المضمومتين، ثم الوجه الذي ينفخ قبلة تشبه قلب الحب، وفي المركز الثامن حل الوجه الذي تدور حوله ثلاثة قلوب، ثم “إيموجي” بعينين على شكل قلب حب، وفي المركز العاشر الوجه المبتسم.
هذه القائمة إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن مستخدمي شبكات التواصل متفائلون بغالبيتهم على الرغم من التضخم الاقتصادي الذي يمر به العالم بسبب أزمة تفشي فيروس كورونا، ومن ثم بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، ناهيك عن الحروب الصغيرة المشتعلة في بلدان مختلفة حول العالم. وعلى الرغم من كل ما يجري من تغييرات على مستوى النظام العالمي سياسياً واقتصادياً، فإن جماعات الضغط العالمية تبدو في غيبوبة، ولا تعمل على فرض رأيها بالقضايا العالمية، كما كانت تفعل النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني البيئية أو التي تعنى بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، طالما أن العمل الأكبر اليوم هو لمؤسسات المجتمع المدني المعنية بالمهاجرين وخيامهم وطعامهم وتعليمهم حول العالم. لذا، يدل استخدام “إيموجي” والرموز التعبيرية على المستوى الشخصي عن تفاؤل وسرور متناقضين مع الشعور العام بالأزمات المتتالية.
أهمية الرموز التعبيرية (إيموجي)
في بريدنا الإلكتروني العادي أو في رسالة “واتساب” أو في بوست “فيسبوك” أو في الرد على تعليق ما، لا بد من أننا سنستخدم واحداً على الأقل من الرموز التي تدفع المستخدم إلى متابعتنا أو لدفعه إلى قراءة الرسالة الموجهة له. فيعمل الوجه المرسل قبل الرسالة المكتوبة دور المفتاح للقراءة. فمن خلال شكله، يمكننا أن نعرف ما تتضمنه الرسالة، فهي إما فرحة أو حزينة أو غاضبة أو متأسفة. وفي هذه الحال، يعمل “إيموجي” عمل جمل كاملة من الكلمات التي تحاول التعبير عن شعور ما. فيكون كالاختصار الفعلي للأفكار وللحال النفسية للمرسل. وتضفي الرموز التعبيرية الحيوية على محادثاتك وتغطي الأخطاء في القواعد النحوية واللغوية. وفي حدها الأقصى، تحل هذه الوجوه الجاهزة محل التعبير بقسمات الوجه، وهو التعبير الأصلي والأول بين البشر، أي أننا نعرف حال صديقنا النفسية من خلال وجهه حين نلتقي به لنتبادل الحديث. فهو سيظهر سريعاً إذا ما كان حزيناً أو مسروراً، مكتئباً أو منطلقاً نحو الحياة، فقسمات الوجه كانت ولا تزال مرآة ما في داخل نفس الإنسان. ولكن الوجوه الرمزية أو الـ”إيموجيز” جاءت لتختصر هذه العلاقة بين قسمات الوجه أو لتجعلها في الدرجة الثانية من الأهمية. ففي حال سألت صديقك عن أحواله ومسار حياته اليومية أو العامة، فيمكنه أن يرسل “إيموجي” واحد سواء لوجه أو لوردة أو باقة زهور أو شمس أو شخص نائم أو شخص مريض، لنعرف ما الذي يشعر به هذا الصديق ومن دون طول كلام وسرد للتفاصيل، تلك التي كانت تجري في الجلسات العائلية أو في لقاءات الأصدقاء وتجمعاتهم في البيوت أو المقاهي، تلك التي كانت تنقل المشاعر بين الأشخاص مباشرة من خلال تعابير وجوههم وأجسادهم وتصرفاتهم المباشرة أمام أعيننا. وهذا كله بات بإمكان “إيموجي” واحد أن يحل محله. وفي النهاية، على الرموز التعبيرية أن تكون واضحة وخفيفة المضمون وتنقل مجموعة واسعة من المشاعر بكفاءة وبطريقة لا تستطيع الكلمات أحياناً القيام بها.
أنجيلا غوزمان مصممة إيموجي “أبل”
تم تعيين يوم عالمي غير رسمي لـ”إيموجي” في الـ17 من يوليو (تموز)، ويهدف إلى الاحتفال بالرموز التعبيرية أو “إيموجي” وهو في الأصل مصطلح ياباني ظهر في أواخر التسعينيات عبر غرف التحادث الجديدة في حينها، ثم تكرس مع انتشار الهواتف المحمولة التي رافقها إطلاق عدد كبير من تطبيقات التراسل الفوري والتعارف. وتم إطلاق أول رمز تعبيري بين عامي 1998 و1999 من قبل المصمم الياباني Shigetaka Kurita، الذي كان يعمل في ذلك الوقت على منصة للإنترنت تسمى i-mode. واستلهم هذه الفكرة من رموز نشرات الطقس والعلامات الموجودة في الشوارع، وقرر تبني هذه الفكرة وإطلاق مشروعه.
أنجيلا غوزمان إحدى أوائل مصممي الرموز التعبيرية من “أبل”، شاركت الأسرار الكامنة وراء تصميم الرموز التعبيرية في مقابلة أجراها معها كيلسي ريمر في موقع “إنفانتو” في يوليو 2021.
تقول أنجيلا غوزمان إن الرموز التعبيرية الملونة والمرحة تثير إحساساً بالبساطة والسرور، وهي قابلة لاستبدال النص أو إضافة الإرشادات أو أي عنصر مرئي لافت للنظر، إلى جانب أنها سريعة وسهلة الفهم، وباتت تستخدم الآن بشكل شائع عبر مجموعة من المنصات، بما في ذلك مواقع الويب والتطبيقات والصحف، وكذلك في تصميم وتسويق مجموعة واسعة من العلامات التجارية.
في عام 2008، تخرجت أنجيلا غوزمان في مدرسة “رود آيلاند” للتصميم، وبدأت تدريباً داخلياً في شركة صغيرة ربما سمعت عنها للتو أي شركة Apple. وكان مشروعها الأول والوحيد هو إنشاء مجموعة جديدة من 500 “رمز تعبيري”، وهو مصطلح لم تسمع به من قبل في ذلك الوقت، ولم تكن تعلم أن مشروع التصميم هذا الذي يبدو بسيطاً سيغيّر حياتها ومسيرتها المهنية ومستقبل الرموز التعبيرية إلى الأبد.
وتضيف أنه في صيف عام 2008 طلب منها رسم مجموعة من الرموز التعبيرية على الرغم من أنها لم تكن تعرف ما هو الرمز التعبيري، ولم يكن هذا المصطلح معولماً في ذلك الوقت. وكان عندها من الشجاعة ما دفعها لتسأل ببساطة “ما هو الرمز التعبيري؟”. وسرعان ما شرحوا لها الأمر الذي أتقنته سريعاً. ثم تسربت الرموز الصغيرة الشهيرة إلى التصميم الغرافيكي السائد وتصميم الويب والأزياء والتسويق والإعلان، وأصبحت الرموز التعبيرية شائعة جداً لدرجة أنه منذ عام 2015 تم تخصيص يوم عالمي للرموز التعبيرية للاحتفال بها.
وبعد سؤالها عن كيفية تطور تصميم مفهوم الرموز التعبيرية، وما هو الدور الذي تعتقد أن الرموز التعبيرية تلعبه في التصميم الحديث، تجيب أن الرموز التعبيرية تطورت على مر السنين، لكن جوهر هويتها المرئية لا يزال سليماً. “يمكنني التعرف إلى كثير من التفاصيل التي رسمتها في الرموز التعبيرية اليوم. من ناحية أخرى، من الممتع للغاية أن ترى كيف تحولت من صورة مسطحة إلى إصدارات Animoji للأشخاص”.
وبرأيها أن هذه الرموز تلعب دوراً مهماً في تصاميم العصر الحديث، فلا يهم اللغة التي تتحدثها أو المكان التي تسكن فيه بعيداً من مرسل الرسالة أو الشخض الذي ترسل إليه رسالة، فلغة “إيموجي” باتت لغة عالمية مشتركة عابرة للقارات بسرعة قريبة من سرعة الضوء تقريباً. و”أعتقد أنه كلما أصبحت الرموز التعبيرية أكثر تخصيصاً، أي تحدد حال نفسية معينة، كلما زادت أهميتها”.
وتقول المصممة غوزمان إن الرموز التعبيرية المفضلة لديها أثناء تصميمها كانت شجرة عيد الميلاد ومجموعة القلوب وخاتم الخطوبة والفستان الأزرق. أما قصة الفستان الأزرق، فبدأت من “تصميم صنعته أختي في الحياة الواقعية، وعندما اخترت أن أرسم فستاناً، كان فستان أختي هو أول فستان يخطر ببالي. وعلمت أختي بهذا الأمر بعد أعوام عدة”.
وتتابع غوزمان أن أول ما تعلمته هو “أن أضع نفسي في مكان المستخدم، أي بعبارة بسيطة تبادل العواطف. إذا عرفت كيف تكون متعاطفاً، يمكنك تصميم تجارب رائعة. إذا لم تكن كذلك، فربما تحتاج إلى الاعتماد بشكل كبير على اختبار المستخدمين ورأيهم بتصاميمك. وهذا لا يعني أنه يجدر بنا عدم الاتكال على اختبار المستخدم بل بالعكس، فهو غالباً ما يفيدنا بكثير من المعلومات التي تساعدنا في وضع التصاميم. ولكن عندما تريد أن تتواصل مع مشاعر المستخدم في شكل الرموز التعبيرية، ستكون أكثر نجاحاً إذا كنت تعرف كيف تكون متعاطفاً أو متصلاً عاطفياً بالمستخدم المفترض لهذه الرموز”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس