ريبورتاج-كاس الأمم الأفريقية 2022: أجواء الإثارة تملأ أوساط المشجعين في ياوندي.. خارج الملاعب!

13
ريبورتاج-كاس الأمم الأفريقية 2022: أجواء الإثارة تملأ أوساط المشجعين في ياوندي.. خارج الملاعب!
ريبورتاج-كاس الأمم الأفريقية 2022: أجواء الإثارة تملأ أوساط المشجعين في ياوندي.. خارج الملاعب!

أفريقيا برس – الصومال. تشهد العاصمة الكاميرونية ياوندي أجواء صاخبة منذ انطلاق فعاليات النسخة الثالثة والثلاثين من كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم في 9 يناير/كانون الثاني. وفيما يستمتع البعض بأجواء الإثارة في الملاعب، يعيش آخرون حلاوة ونكهة المنافسة القارية في مناطق المشجعين المخصصة لهذا الحدث البارز بالنسبة لهذا البلد البالغ عدد سكانه 26 مليونا غالبيتهم من الشباب. فرانس24 جالت منطقة المشجعين بالقرب من مقر البلدية ورصدت صورا وآراء متنوعة ومتميزة.

من الغريب أن تتحدث إلى امرأة جالسة داخل كشكها المتواضع في منطقة مشجعين وتسر لك بأنها جزائرية فخورة بأصلها بينما تحمل الجنسية الكاميرونية. وغريب أن تعلم بأنها ولدت في الكاميرون وتحمل جنسية البلاد، لكن في الوقت ذاته لم تسافر للجزائر أبدا! هذه المرأة اسمها مريم، وكأن قصتها رمز لتنوع واختلاف وتلاقح ثقافات القارة الأفريقية وسكانها. وتستمتع أالقارة منذ 9 يناير/كانون الثاني بفعاليات كأس الأمم القارية في كرة القدم التي تستضيفها الكاميرون لغاية 6 فبراير/شباط.

وما مريم سوى وجه من وجوه مشرقة تعيش على وقع العرس الأفريقي، وتتقاسم أوقات الفرح حين الفوز وأوقات الإحباط لدى الخسارة. التقينا بمريم في “منطقة المشجعين”بالعاصمة ياوندي، جالسة إلى جانب ابنتها أمينة البالغة 13 عاما من العمر في الفضاء المخصص لهما بالموقع. والتقينا “الزعيم المحلي الأرستقراطي” (هكذا يقدم نفسه) مبوبوك ماليه ما نجامي مال نجام (نعم، إنه الاسم الكامل) وهو المشرف على كل مناطق المشجعين بالبلاد والمسؤول المباشر عن المنطقة الخاصة بالعاصمة، وهي الأبرز على الإطلاق.

والتقينا بكريستين إيسومبا، المرأة الثلاثينية التي لا تعشق كرة القدم إلا أنها حضرت لمعاينة الأمور بنفسها، كما التقينا بإلفيس نكولو القادم من الغابون المجاورة لا لشيء سوى لتذوق جو الإثارة حيث يجري الحدث الرياضي، وتحدثنا إلى ماري جوزيان القائمة على أحد المطاعم التي تقدم وجبات الغذاء للأفراد والعائلات خلال المباريات، واستمعنا لجان بيار بيبا المشرف على متجر بيع القمصان الرسمية.

سيارات متزاحمة ودراجات نارية مزعجة

تقع منطقة المشجعين في ياوندي، المدينة التي تحيط بها التلال، قرب مقر البلدية في مكان واسع جميل يطل على العاصمة الكاميرونية وتصل إليه بعد جهد بدني كبير، وأنت تشق الطريق وسط تنبيهات السيارات المتزاحمة المزعجة والدراجات النارية المزينة بألوان العلم الوطني (الأخضر والأحمر والأصفر تتوسطها نجمة صفراء).

وقد أعلنت الحكومة في 15 يناير/كانون الثاني إغلاق المدارس والعمل في القطاع العام خلال أيام المباريات عند الساعة الثانية بعد الظهر، في محاولة لتعزيز ودعم الحضور في الملاعب. وهذا ما يزيد من الحركة الكثيفة أصلا بالشوارع ولا مبالاة سائقي التاكسي الفوضويين والمارة المنشغلين على حد السواء.

فجأة، وأنت تدخل منطقة المشجعين عبر مداخل خاضعة لرقابة أمنية رمزية وسط ترحيب بعض الشباب المستغربين، تحتفي بعودة الهدوء لتبدأ الجولة عبر مساحة مستوية لا شاسعة ولا صغيرة. وتستقبل الزائر ملصقات ورسومات جدارية تشيد بكرامة البلاد المضيفة لنهائيات كأس الأمم القارية، وتلمح إلى بُعده وانتمائه وتجذره الأفريقي العريق.

وترى أفرادا وعائلات تأخذ الصور التذكارية التي ستحتفظ بها على مر الزمن لتكون معلما تاريخيا للأجيال القادمة. فالجميع بالكاميرون يفتخر بتنظيم الحدث الرياضي البارز لثاني مرة بعد عام 1972، ويفتخر بالفوز بها خارج أرضه.

تعيش الحدث وكأنه في الملعب

وفي منطقة المشجعين أكشاك موزعة على مختلف الأجنحة، تمثل مبدئيا كل البلدان الـ24 المشاركة في العرس الكروي. “لقد أردنا من خلال هذه المناطق الست المنتشرة على أربعة من المدن الخمسة المضيفة لمباريات البطولة [اثنتان في العاصمة الإدارية ياوندي، اثنتان بالعاصمة الاقتصادية دوالا، وواحدة في كل من غاروا وبافوسام] أن يعيش الكاميرونيون الذين يتعذر عليهم حضور المباريات، أجواء عرسهم وأن يشعروا بإثارته وكأنهم في الملاعب”، حسب ما يقول مبوبوك ماليه ما نجامي مال نجام (واسمه المختصر ماليه مال نجام) المشرف عن منطقة المشجعين بياوندي والذي ذكرناه أعلاه.

يوم زيارتنا، كان الرجل الستيني المولود من أب مدرس بالجامعة في باريس وأم ربة منزل، منشغلا ببعض الأمور الإدارية. فكان يوجه إرشادات وأوامر للطاقم المحيط به، وهو يرتدي زيا تقليديا يشير إلى مرتبته الاجتماعية المتميزة. فهو كما يقول “زعيم إقليمي” يحظى بالاحترام الذي يليق به، ويتصرف حسب موقعه دون أية تنازلات. وفيما يتحدث لفرانس24، تطل عيناه بين خبر ونكتة على شاشته الصغيرة لمتابعة أطوار المباراة بين منتخبي الغابون وبوركينا فاسو في الدور ثمن النهائي.

الفائدة من متابعة كأس الأمم الأفريقية في منطقة المشجعين هي أن الناس فيها لا تخضع للقيود المفروضة في الملاعب، لاسيما إلزامية تقديم فحص سلبي للكشف عن الإصابة بفيروس كورونا في كل مباراة سواء للمشجعين أو الصحافيين أو العاملين في هذه الملاعب. والفائدة أيضا أن الفرصة متاحة لمشاهدة المباريات وحيدا أو مع الأصدقاء والعائلة، كما يقول ماليه مال نجام.

شاشة عملاقة خلف معرض ثقافي

يتمثل الموقع أساسا في شاشة كبيرة تتيح للجمهور متابعة المواجهات بين مختلف المنتخبات من ساحة رئيسية تتسع لمئات الأشخاص تحيط بها مطاعم ومحلات تجارية متواضعة، وخلف الساحة مدرجات بألوان الكاميرون. وبإمكان الحضور أن يتنقلوا بين أزقة المنطقة كما يشاؤون، أفردا أو جماعات، وبإمكانهم تناول وجبات الغداء وتذوق المشروبات المتاحة.

وتقابل الساحة الكبيرة منصة تلهي الجمهور بين المباريات الرياضية بلقطات ثقافية متنوعة منها الموسيقى. وبالمنطقة أيضا مواقع مخصصة للمؤسسات الراعية للبطولة القارية، وجناح خاص بالمواد المنتجة محليا لأجل “التعريف بالكاميرون وتراثه” على حد قول ماليه مال نجام.

خلف المنصة معرض ثقافي يرمز للعلاقة الوطيدة بين الرياضة والثقافة، وغير بعيد ملعب صغير بعشب اصطناعي يستضيف صباحا دوريات في ما يسمى “كرة قدم الشارع” والتي تسمح للأطفال والشبان بممارسة هويتهم ومراودة حلم تمثيل بلدهم يوما في كبرى البطولات الأفريقية أو الدولية.

رمز للحياة ومناسبة للتبادل

المنطقة أرادها المنظمون فضاء للتبادل والتمتع واللقاءات، وهي حسب ماليه مال نجام “مكان يرمز للحياة”. ونوعية الحياة اليومية داخلها متباينة حسب جدول المباريات، ما يعني أن الأيام التي يلعب فيها منتخب الكاميرون تختلف تماما عن أيام راحته. فقد ارتفع عدد الأشخاص من 11 ألفا خلال مباراة الافتتاح بين “الأسود” وبوركينا فاسو إلى أكثر من 13 ألفا عندما اكتسح زملاء القائد فاسان أبو بكر إثيوبيا 4-1 ليحرزوا التأهل إلى ثمن النهائي. وهذا يستدعي تشديد الإجراءات الأمنية لتفادي التدافع الذي من شأنه أن يؤدي إلى كوارث مثل ما حصل الاثنين الماضي في أحد مداخل ملعب أولمبي في العاصمة قبل مباراة الكاميرون وجزر القمر في ثمن النهائي.

وعندما تجري المواجهات الأخرى، فنسبة الحضور تتعلق بالمنافسين. في غالب الأحيان، يتابع الكاميرونيون اللقاءات بين كبرى المنتخبات (مصر-نيجيريا، الجزائر-ساحل العاج، المغرب-غانا…)، فضلا عن أنهم يشجعون البلدان المجاورة لبلادهم مثل الغابون وغينيا الاستوائية أو نيجيريا.

“كنت أعلم بأن الأجواء ستكون عائلية”

سألنا إلفيس عن أسباب قدومه إلى الكاميرون، فأجاب قائلا: “لقد جئت لمتابعة كأس الأمم هنا لأن الكاميرون بلد يعشق كرة القدم، ولأجل تشجيع بلدي، وكنت أعلم بأن الأجواء هنا ستكون عائلية”. وسألناه لماذا تابع المباراة جالسا أمام الشاشة الكبيرة في ياوندي، وفريقه يلعب في ليمبي على مسافة نحو 300 كلم إلى غرب العاصمة، فرد “لأن إجراءات السفر كانت معقدة”.

ودار حديث شيق بيننا وبين الرجل المبتسم، وهو يلتفت إلى زملائه تارة ويركز على أطوار المباراة تارة أخرى، والجميع يشجع الغابون ويصفق على فرصه أو يحبس أنفاسه عندما يخضع لهجمات المنافس. وعلى الرغم من خسارة “الفهود” وخروجها من البطولة، إلا أن إلفيس قضى وقتا رائعا في منطقة المشجعين، معتبرا أن “كل شيء جيد” فيها وأن “الأمور التنظيمية في المستوى”.

تركنا المشجع الغابوني وقصدنا المحلات والمطاعم حول الساحة الرئيسية، فلفتت انتباهنا امرأة ترتدي فستانا ملونا وتحمل بطرفها حقيبة حمراء، وهي تنظر يمينا وشمالا كأنها في مهمة البحث عن شخص مفقود. إنها ماري جوزيان، صاحبة مطعم في ياوندي اشتركت مع زميلة لها للاستثمار خلال كأس الأمم الأفريقية ومواصلة عملها التجاري بالمنطقة. فهي لا تعشق الكرة، ولكنها تتابع المنافسة نظرا لتنظيمها في بلادها.

قالت ماري جوزيان إن “أمور المطعم لا بأس بها”، وهي تتفاوت من يوم لآخر حسب عدد الحضور، “فهناك أيام أفضل من الأخرى”. وتأمل بأن تفوز الكاميرون باللقب في نهائية المطاف، لكن الأهم بالنسبة إليها أن يقبل الناس على محلها. فهي لا تبالي بـ”تشجيع الكاميرون أو المغرب أو الغابون…”.

“سوف أعود كل يوم إلى هنا”

الأمر مختلف بالنسبة إلى كريستين إيسومبا، وهي كاميرونية عمرها 30 عاما، فهي جاءت للمنطقة لأول مرة إذ إنها لن تكن تعلم بوجود “موقع مثل هذا في ياوندي” مشيرة إلى أنها ستعود كل يوم “لأن الأجواء رائعة”.

وقالت كريستين إن بلادها تنتظر كأس الأمم منذ ثماني سنوات، وبالتالي “فعلينا اليوم أن نستمتع وأن نحتفي بذلك”. وفيما يراقب زوجها كيف يدور الحديث بيننا وبين زوجته، أسرت لنا بأن “قلبها مع بوركينا فاسو”، مشيرة إلى أن “العرس الأفريقي جميل في الكاميرون بالرغم من أنني لا أعشق الكرة”. وأضافت: “الجميع يتابع المنافسة في المنزل، لكني أفضل المقاهي أو مناطق مثل هذه، إذ إن الإثارة تزداد والحماس يتضاعف”.

ولا يقل جان بيار بيبا فخرا عن مواطنته. هذا الرجل الخمسيني القادم من مدينة دوالا الساحلية كان يمارس كرة القدم في شبابه، وهو أحد القائمين على المتجر الرسمي لبيع القمصان وكل المنتجات المرتبطة بالبطولة. وقال إنه “سعيد وفخور بأن تحل أفريقيا في الكاميرون”، مذكرا بأن شباب بلاده لم يحظوا منذ عام 1972 بتنظيم الكأس القارية وأنهم لم يروا نجوم القارة أمامهم.

ويأمل جان بيار أن تفوز “الأسود غير المروضة” باللقب أمام جمهورها لأول مرة في تاريخهم، إذ إن الكاميرون فازت بلقب بطلة أفريقيا خمس مرات لكن خارج أرضها في كل مرة (فازت في 1984 في ساحل العاج و1988 بالمغرب، وعام 2000 في نيجيريا و2002 في مالي و2017 في الغابون).

مريم، الجزائرية الكاميرونية المولودة من أم ليبية

في المدخل الأيمن من منطقة المشجعين، تترقب مريم من محلها المزين بعلم الجزائر لترحب بنا فور دخولنا متسائلين هل هو كشك جزائري أم كاميروني؟، فابتسمت وأجابت بأنها “تمثل بلادها” في هذا الموقع.

تتساءل هل مريم كاميرونية أم جزائرية؟ فتعطيك الجواب من دون تردد: “أنا أعتبر نفسي جزائرية على الرغم من أنني ولدت في الكاميرون ولم أسافر للجزائر أبدا”. وعلمنا منها أن والدها كان يتحدر من منطقة تمنراست في أقصى الجنوب الجزائري الشاسع، وكان يمارس مهنة التجارة التي قادته من بلاده إلى الكاميرون قبل استقلالها في 1960 عبر النيجر فنيجيريا، وذلك على خلفية نزاع عائلي. ولم يعد بعدها للجزائر، حتى توفي ودفن بالكاميرون.

ولدت مريم وإخوتها الثمانية هنا، من أم ليبية تعرف عليها والدها بواسطة أخت الزوجة (يعني خالة مريم). وهي لا تغادر ياوندي سوى إلى دبي لأجل التبضع هناك. فكيف ظلت جزائرية وهي لا تعرف عن بلدها شيئا؟ “لقد كان والدي دائما يتحدث عن الجزائر، وزرع فينا حب الوطن، فالجميع هنا يعلم بأني جزائرية وكاميرونية في الوقت ذاته”.

“الجزائر ودعت المنافسة، لكن العرس مستمر”

قبل انطلاق بطولة كأس الأمم الأفريقية، علمت مريم بأن السلطات تبحث عن تجار يريدون فتح محلات بمنطقة المشجعين باسم بلدهم الأصلي، فسارعت إلى المشرفين وطلبت ترخيصا منهم لتمثيل الجزائر. لكن هؤلاء فرضوا عليها الحصول على ترخيص رسمي من سفارة الجزائر في ياوندي لقبول طلبها. وبالتالي، “ذهبت للسفارة حيث طلبت تفويضا من السفير، ولم يتردد الأخير فأعطانا إياه… والنتيجة أني هنا بعلم الجزائر، أمثل بلدي في بلدي”.

وكانت مريم تأمل أن يخوض منتخب “ثعالب الصحراء” إحدى مبارياته في ياوندي، لكنه ودع في الدور الأول إثر خسارته في الجولة الأخيرة من منافسات المجموعة الخامسة أمام ساحل العاج. “خلال المواجهة أمام ساحل العاج، كنت أشجع فريق بلدي، وحدي أمام الجمهور الكاميروني الذي كان يدعم العاجيين”، تقول مريم. وأضافت: “استأت كثيرا لخروجه من البطولة، لكن العرس مستمر. وأقول لنفسي: إذا فازت الكاميرون، فسأكون سعيدة.. إلا أن الفرحة بفوز الجزائر أحلى”.

وإذ تابعت حديثنا مع والدتها، أكدت أمينة البالغة 13 عاما بأن مريم حقا تعيش لأجل الجزائر. أما الطفلة، المولودة من أب كاميروني، فهي بين كل ذلك، جزائرية وكاميرونية. أفريقية في نهاية المطاف.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here