الصومال يغري الولايات المتحدة بميناءين وقاعدتين جويتين

6
الصومال يغري الولايات المتحدة بميناءين وقاعدتين جويتين
الصومال يغري الولايات المتحدة بميناءين وقاعدتين جويتين

الشافعي أبتدون

أفريقيا برس – أرض الصومال. كشفت رسالة وجهها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى نظيره الأميركي دونالد ترامب منتصف شهر مارس/آذار الحالي، عن استعداد الحكومة الصومالية منح الولايات المتحدة حق السيطرة التشغيلية الحصرية على قاعدتي بلدوجلي وبربرة الجويتين، فضلاً عن ميناءي بربرة (في إقليم صوماليلاند الانفصالي غير المعترف به دولياً) وبوصاصو في إقليم بونتلاند. وتتولى شركة موانئ دبي الإماراتية تشغيل ميناءي بربرة وبوصاصو منذ عام 2018، واعترضت الحكومة الصومالية على اتفاقيات موانئ دبي مع إدارة صوماليلاند لتشغيل ميناء بربرة، إلا أن الشركة الإماراتية لا تزال تشغل الميناءين، ما يمكن أن يجدد الأزمة الدبلوماسية بين الصومال والإمارات. وبحسب الرسالة التي اطلعت “العربي الجديد” عليها، توفر هذه الأصول ذات الموقع الاستراتيجي فرصة لتعزيز الحضور الأميركي في المنطقة، وضمان الوصول العسكري واللوجستي بدون انقطاع، مع منع المنافسين الخارجيين من إقامة وجود في هذا الممر الحيوي. كما يلتزم الصومال بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة من خلال ترتيبات اقتصادية تفضيلية، بما في ذلك إنشاء مناطق تجارة حرة. وتشير الرسالة أيضاً إلى أن شراكة أقوى وأكثر ديناميكية بين الصومال والولايات المتحدة ستعزز الأمن الإقليمي، وتعزز التعاون الاقتصادي، وتحقق الأهداف الاستراتيجية المشتركة. بالإضافة إلى جهوزية الحكومة الصومالية بدء مناقشات بخصوص إجراءات تحقيق تلك الأهداف، واستضافة وفد من الولايات المتحدة في مقديشو لإثراء النقاش حول هذه المقترح.

تاريخ سوفييتي

وتقع قاعدة بلدوجلي في إقليم شبيلي السفلى (على بعد 90 كيلومتراً جنوبي مقديشو) وتعد حالياً مركز تدريب عسكري للقوات الصومالية خصوصاً وحدة “دنب” التي أنشئت خصيصاً لمكافحة حركة الشباب، وتمولها القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وأعيد تشغيل هذه القاعدة في عام 2014، كمقر رئيسي لمواجهة تهديدات حركة الشباب جنوب البلاد. وسابقاً كانت بلدوجلي أكبر قاعدة عسكرية جوية للصومال في فترة الحكم العسكري (1969-1991). أما قاعدة بربرة العسكرية في مدينة بربرة بإقليم صوماليلاند (على بعد 200 كيلومتر شرق هرجيسا) أنشأها الاتحاد السوفييتي في السبعينيات من القرن الماضي، وكانت هذه القاعدة تتضمن مدرج طائرات بطول أربعة كيلومترات كأطول مدرج في أفريقيا لاستقبال القاذفات الاستراتيجية، وأدت دوراً مهماً في فترة الحرب الباردة (1947 ـ 1991) في الثمانينيات من القرن الماضي، وكانت قاعدة بربرة من أهم القواعد الجوية السوفييتية خارج أوروبا الشرقية.

وبعد طرد السوفييت من الصومال أواخر السبعينيات، تمكنت الولايات المتحدة من حيازة هذه القاعدة مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي. ويأتي مقترح الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود منح واشنطن هاتين القاعدتين العسكريتين، في ظل تفاقم الخلافات بين حكومة مقديشو وصوماليلاند نتيجة منع الاعتراف بهذا الإقليم، وعارضت مقديشو أكثر من مرة أي تحرك دبلوماسي لإقامة شراكة دبلوماسية أو سياسية مع صوماليلاند. وردت حكومة هرجيسا على الفور على مقترح الرئيس الصومالي، وعلق وزير الخارجية لإقليم صوماليلاند عبد الرحمن طاهر آدن في حديث لوسائل إعلام محلية “إن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع حكومة صوماليلاند، وأن عرض الرئيس الصومالي مجرد محاولة يائسة، ولا تستطيع هذه الحكومة الفاشلة منع اعتراف صوماليلاند”.

ووفق محللين، فإن تصريح الرئيس الصومالي حول منح الولايات المتحدة السيطرة على قاعدتي بليدوجلي وبربرة قد يثير ردود فعل قوية من قبل حكومة صوماليلاند، مبنية على رفض التدخل الصومالي في شؤون بربرة، إذ تعتبر صوماليلاند نفسها دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع منذ 1991، وترفض أي تدخل من الحكومة الفيدرالية الصومالية في شؤونها، بما في ذلك القرارات المتعلقة بما تعتبره هرجيسا جزءاً من سيادتها. في السياق، قال مدير مركز هرجيسا للبحوث محمود عبدي حسن، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه من غير المستبعد أن تجد حكومة صوماليلاند في هذا التصريح فرصة لتأكيد موقفها الاستقلالي على الساحة الدولية، وإلقاء المزيد من الضوء على تحالفاتها مع شركاء دوليين مثل الإمارات وإثيوبيا من ذوي المصالح في البقعة المذكورة.

وأضاف: كما يمكن أن تبادر صوماليلاند نحو تصعيد سياسي وإعلامي، قد يساهم إلى حد كبير في اصطفاف داخلي خلف إدارة الرئيس الجديد، لذا قد نشهد تصعيداً إعلامياً بين هرجيسا ومقديشو حول السيادة على بربرة. وأشار حسن إلى أن اهتمام واشنطن بوجود عسكري في المنطقة يأتي في إطار المواجهة للنفوذ الصيني والروسي، في الوقت الذي لا تمتلك فيه الحكومة الصومالية القدرة العسكرية على إجبار صوماليلاند على القبول بالقرار، ولهذا فإن الإدارة الأميركية يمكن أن تفكر في الجنوح للتعامل مع الجهة المسيطرة فعليا على الأرض (أي صوماليلاند) بدلاً من إثارة أزمة دبلوماسية. وتأتي رسالة مقديشو في وقت تشهد فيه منطقة القرن الأفريقي أزمات أمنية وخلافات عميقة، خصوصاً الصومال، الذي يواجه معضلات إدارية تتعلق بمستقبل وحدته وسيادته بعد تصاعد فرص منح صوماليلاند اعترافاً دولياً من قبل الولايات المتحدة مقابل نقل أعداد من سكان غزة إلى الإقليم الانفصالي، وهو ما تسعى حكومة مقديشو إلى منعه وقدمت هذا المقترح لتفادي أي مخاطر تهدد وحدة الصومال واستقلاله.

أميركا ومقترح الصومال

في هذا الصدد، قال مدير مركز القرن الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات محمد صالح عمر، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن مقترح الرئيس الصومالي منح واشنطن قواعد عسكرية وموانئ يُعتبر مبادرة جديدة ستخلط الأوراق، وتعطي الأفضلية للحكومة الصومالية في مسألة التعاطي في ما يتصل بالشأن الصومالي. كما أن هذه المبادرة ستعيد ترتيب الأوراق في القرن الأفريقي، كما أنها ستحد من ضغط بعض الدبلوماسيين الأميركيين في إدارة ترامب لمنح الاعتراف بإقليم صوماليلاند، وذلك عبر فتح قنوات دبلوماسية مباشرة مع البيت الأبيض، لإعادة تموضع الولايات المتحدة بشكل قوي في منطقة القرن الأفريقي. وأشار عمر إلى أن حسن شيخ محمود يريد حجب أي اتفاقيات أحادية الجانب مع كيانات صومالية ليست الحكومة الفيدرالية في مقديشو طرفاً فيه، ولهذا فإن تموضع الولايات المتحدة في المحيط الهندي عبر قاعدة عسكرية في جنوب الصومال وقاعدة عسكرية في بربرة في البحر الأحمر، خيار استراتيجي سيعزز من نفوذ واشنطن في المنطقة، ولهذا يمكن لشيخ محمود منع دخول واشنطن اتفاقيات مزعجة ومضرة بوحدة واستقلال الصومال. وحول ما إذا كان مقترح منح واشنطن يخلق حالة من الاستقطابات في المنطقة، رأى عمر أن منح الولايات المتحدة موانئ استراتيجية في الصومال سيعيد “معركة الاصطفافات” وسباق النفوذ في هذه المنطقة، وربما ستواجه الصين منافسة شرسة مع الولايات المتحدة في القرن الأفريقي، أما بالنسبة لتركيا فيبدو أنها مختلفة تماماً ولا توجد منافسة معلنة حالياً بين الجانبين بحكم كونهما شركاء في حلف شمال الاطلسي “ناتو”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس