أفريقيا وشخصنة الحكم

4
أفريقيا وشخصنة الحكم
أفريقيا وشخصنة الحكم

سمير حمدي

أفريقيا برس – أرض الصومال. شخصنة السلطة مفارقة في المجتمعات السياسية الأفريقية المعاصرة. وفي اللحظة نفسها التي تصبح فيها ممارسة السلطة أكثر تعقيدا، عندما تمتد إلى جميع المجالات، فإننا عندما نعهد إلى رجل واحد بالمهمة الهائلة المتمثلة في إدارة الدولة، ونضع جانبا تقسيم المهام التي يقوم بها مختلف الأشخاص والمؤسسات المُنسِّقة نكون قد فتحنا الباب أمام الأنظمة التسلطية والانتقال من السلطة المؤسسية إلى السلطة الفردية.

غالبًا ما يتم طرح النزعة الأبوية والاحتكار المفرط للسلطة على أنها الأسس التأسيسية للدولة الأفريقية ما بعد الاستعمار. في الواقع، نلاحظ في المجتمعات الأفريقية “تعايش سفاح القربى” بين المشيخة التقليدية والسلطة الحديثة، حيث تتكون الدولة الأفريقية من عناصر حديثة موروثة من الاستعمار من جهة، وعناصر مرتبطة بالتقاليد من جهة أخرى، وتظهر كملكية شخصية خاصة، وأن صاحب السيادة يدير مجاله السياسي بالطريقة نفسها التي يدير بها أملاكه الخاصة.

هذا هو الخيال السياسي الذي ورثه الزعماء الأفارقة زمن الاستقلال، يستوي في ذلك الحبيب بورقيبة وليوبولد سيدار سنغور وروبرت موغابي، ولن تكون هناك قطيعة حقيقية مع الأنماط الاستعمارية لإدارة السلطة. وقد فتح هذا التصور الطريق أمام نمطين من السلوك، هما: شخصنة الخدمات التي تقدمها الدولة بنسبتها إلى الزعيم وتأميم استبداد سلطة الدولة، والتي ستشكل في ما بعد “دعامة الاستبداد الأفريقي”.

هذا التوصيف لبنية السلطة مهم لفهم أشكال الأنظمة الأفريقية ما بعد الاستعمار، لأنها تتيح لنا أن نفهم لماذا سلكت بعض البلدان، مباشرة بعد الاستقلال، طريق الاستبداد. في الواقع، توجد علاقة قوية بين أسلوب إنهاء الاستعمار وطبيعة الأنظمة التي تم تنصيبها على الفور، ويمكن هنا وضع نوعين فرعيين من الأنظمة على أساس هذا المعيار. ففي الحالات التي سبقت إنهاء الاستعمار حرب تحرير وطنية، كما هو الحال في الجزائر وأنغولا وموزمبيق والرأس الأخضر وغينيا بيساو، فإن الأنظمة التي ظهرت عمومًا أسستها الجماعة المسلحة التي تمكنت من تقديم نفسها على أنها الخصم الرئيسي للاستعمار. وبعدما توجت هذه “الشرعية التاريخية” الممنوحة لها بحمل السلاح، أنشأت هذه المجموعة عمومًا نظامًا استبداديًا منذ البداية. وتكشف جبهة التحرير الوطني في الجزائر، والحركة الشعبية لتحرير أنغولا (MPLA)، وجبهة تحرير موزمبيق (FRELIMO)، هذا المسار بوضوح. وعندما لم تكن هذه الحركات هي الوحيدة التي تناضل من أجل الاستقلال، كما في الحالة الأنغولية، كان من الممكن أن تندلع حرب أهلية، وترفض الحركات المتنافسة الأخرى الاعتراف بأسياد البلاد الجدد، ما عزز النزعة الاستبدادية.

وحيثما جاء الاستقلال على نمط إنهاء الاستعمار بشكل “شبه ودّي” لم تخضع البلدان للاستبداد إلا في وقت لاحق، بعد فترة قصيرة من التجربة التعددية، وكان هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة للمستعمرات الفرنسية والبريطانية السابقة. في هاتين الحالتين تم التفاوض على إنهاء الاستعمار وتنفيذه بشكل عام على مراحل، وحاولت القوتان الاستعماريتان توريث نموذجهما في الإدارة المحلية إلى مستعمراتهما السابقة.

إن المؤسسات الرسمية التي انتقلت إلى الأفارقة بعد الاستقلال كانت سلطوية بطبيعتها، ومصممة لضمان الهيمنة ولم تهتم كثيرًا بالشرعية الشعبية. وفي معظم الحالات، تقوم النخب الحاكمة بسرعة بقمع التعددية الحزبية وتأسيس أنظمة استبدادية شخصية، ويقوم بعض هؤلاء المستبدين بإنشاء أحزاب تحتكر الحكم وفي حالات أخرى، بدءاً بحالة مصر ثم الكونغو وتوغو، اقتحم الجيش المشهد للاستيلاء على السلطة.

وفي غياب الشرعية، اتسمت الأنظمة الأفريقية بالميل نحو الاستبداد لأنه في غياب احترام الدستور، عمد الحكام في كثير من الأحيان إلى استخدام القمع، الذي أصبح أساسا للحفاظ على السلطة. لقد أضعفوا عمدا المؤسسات ــ الجيش والإدارة ــ والمجتمع المدني، وقاموا ببناء مؤسسات غير رسمية موازية تقوم على منطق الولاء الشخصي للزعيم. لتتضخّم صلاحيات القائد، وتتزايد شخصنة السلطة التي غالبا ما تؤدي إلى عبادة الشخصية، حيث يظهر الحاكم بمظهر صانع المعجزات (زين العابدين بن علي كان يسمى صانع التحول، والقذافي الزعيم الأممي، والسيسي تم إضفاء صفات النبوة عليه، ووصلت إلى ذروتها في حالة توغو إياديما، الذي سُمي المنقذ الإلهي مثلا). ولهذا السبب، كانت معظم الأنظمة الأفريقية التي سلكت طريق الاستبداد، تبدو دكتاتوريات شخصية، بغض النظر عن خلافاتها.

كما نعلم، على الأقل منذ مكيافيللي، فإن السياسة موجهة بشكل أساسي نحو تطوير استراتيجيات الغزو والحفاظ على السلطة. وفي النظام الديمقراطي، يتم الفوز بالسلطة وممارستها بهدف تنفيذ برنامج سياسي، ولكننا نعلم أيضًا أن هذا ليس هو الحال دائمًا. في الأنظمة الأبوية الجديدة الأفريقية يكون النشاط السياسي، أكثر من أي مكان آخر، تحكمه الرغبة في البقاء في السلطة بسبب شعور الحاكم بنقص شرعيته، وهو ما يجعله يُقدم على تزوير الانتخابات أو منع معارضيه من الترشّح واتهامهم بالتآمر، فهو لا يفكر في المصلحة العامة بقدر ما يشغله هاجس البحث في تطوير استراتيجيات للحفاظ على السلطة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس