محمد المطيري
أفريقيا برس – أرض الصومال. دلالات وتداعيات سياسية وعسكرية مهمة ستترك بصماتها المؤثرة حملها إعلان الصومال بدء وصول معدات ووفود عسكرية مصرية الى العاصمة مقديشو في نقلة نوعية في استراتيجية القاهرة ازاء التعاطي مع بواعث القلق المتعلقة بأوضاع القارة الأفريقية خصوصا في القرن الافريقي الذي يعيش وضعا غير مستقر منذ عقود عديدة.
الاعلان الذي صرح به سفير الصومال بالقاهرة ومندوبه الدائم لدى جامعة الدول العربية علي عبدي اواري فتح أيضا آفاقا بشأن مآلات الوضع بالإقليم والدول الواقعة فيه لاسيما اثيوبيا وما يتعلق بمشاريعها المائية المثيرة للجدل في ضوء إصرار مصر والسودان على “اتفاق ملزم” معها حول ملء وتشغيل (سد النهضة) لضمان استمرار تدفق حصتيهما المائية من نهر النيل.
وتأتي الخطوة المصرية في أعقاب بروتوكول تعاون عسكري وقعته مصر والصومال خلال زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الى مصر منتصف الشهر الماضي وهو اتفاق لم يرق لبعض الاطراف في القرن الافريقي خصوصا اثيوبيا.
وربما تدل هذه الخطوة على رغبة القاهرة في توجيه رسالة واضحة إلى جميع الأطراف المعنية تؤكد فيها دعمها الثابت لوحدة وسيادة الصومال على أراضيها التي مازال فيها جزءا في الشمال متمردا يسمى بجمهورية ارض الصومال غير معترف به فيما تعتبر اثيوبيا الدولة الوحيدة التي تقيم علاقات معه.
واظهرت ايضا وجود تقييم مشترك بين القاهرة ومقديشو? حول التهديدات المحتملة التي تواجه وحدة الصومال لاسيما التهديدات التي تشكلها الجماعات المسلحة الداخلية أو “التدخلات الخارجية”.
وبحسب الخبير الاستراتيجي اللواء سمير فرج فان ارسال القاهرة معدات وجنود الى مقديشو ليس موجها ضد أحد وانما هو تنفيذ لبروتوكول التعاون العسكري ولا صلة له بالخلاف المصري الاثيوبي حول سد النهضة.
وتابع فرج الذي كان مسؤولا عن الشؤون المعنوية في الجيش المصري انه بموجب البروتوكول فان الجيش المصري مسؤول عن اعادة تسليح وتدريب القوات الصومالية ومساعدتها على تحقيق الامن القومي الصومالي والقضاء على مليشيات الشباب المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة واستعادة الجزء الشمالي المتمرد.
واوضح ان التعاون العسكري المصري الصومالي من شأنه تأمين منطقة القرن الإفريقي التي تعتبر مدخلا لمضيق باب المندب الشريان الحيوي المؤدي الى قناة السويس مشيرا الى الاثار السلبية التي خلفتها الهجمات الحوثية الاخيرة على السفن العابرة للبحر الاحمر على حركة النقل البحري في القناة.
وكشف عن ان مصر سبق لها ان قامت بتقديم التدريب والدعم الفني لكوادر عسكرية وامنية صومالية في السنوات الماضية مضيفا ان الدعم العسكري المصري في الصومال يندرج في نطاق قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي (اوسوم) التي ستحل محل بعثة الاتحاد الافريقي الانتقالية (اتميس) بحلول يناير 2025.
وقال فرج “وان كانت القوة المصرية هي اولى طلائع قوة (اوسوم) في الوصول فان مشاركتها ستكون في اطار اوسوم ولن تخرج عن هذا الاطار”.
ورغم ان القاهرة لم تدل حتى الان باي تصريحات رسمية بخصوص تحركها الجديد نحو الصومال فإنها اظهرت تغييرا في منهجية التعامل مع تحدياتها وتجاوز الاطر التقليدية في معالجتها خصوصا فيما يتعلق بالانعكاسات الناجمة عنها واثارها على ملفات الامن القومي لمصر.
وما كان تحرك مصر العسكري خارج حدودها الى مسافة 3500 كيلو متر الا تعبير عن انتقال من سياسة رد الفعل الى المبادرة لاسيما في منطقة القرن الافريقي الذي يشهد تنافسا دوليا شديدا من داخل القارة الافريقية ومن خارجها.
وعلى هذا اكد الباحث في مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية الدكتور بشير عبد الفتاح ان بروتوكول التعاون العسكري ليس الغرض منه الاعتداء على اي طرف أو الانتقاص من حق دولة أخرى مشددا على ان القانون الدولي يكفل الحق لأي دولة بطلب المساعدة العسكرية.
واضاف ان الصومال يواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بالعمليات الإرهابية التي تشكل ضغطا امنيا على الدولة الصومالية التي تعاني في التعاطي مع هذا التحدي وبالتالي” فان الدعم المصري سواء في عمليات التدريب أو التسليح سيسهم في تقويض حركة الشباب التي طالما أرقت الصوماليين ونالت من وحدة الصومال وسيادتها”.
ويرى عبدالفتاح ان القلق الإثيوبي من هذه التحركات “أمر طبيعي لاعتباره ان الجيش الصومالي ليس مدربا التدريب الكافي وان المساعدة المصرية ستعينه على بسط سيطرته على الأراضي الانفصالية “ما يعني ان الوجود الإثيوبي في ارض الصومال سيكون غير قانوني “.
ولعل ذلك ما فاجأ اثيوبيا من حيث سرعة التنفيذ اذ حمل في طياته نقلة نوعية في السياسة العسكرية المصرية ومؤشرا على تبني نهج جديد يعتمد على المبادرة والتحرك السريع ليس فقط دبلوماسيا بل افعال على الارض من اجل حماية المصالح المصرية الاستراتيجية الحيوية والامنية.
هذا التحرك اوجد قلقا لدى اثيوبيا ودفعها الى اعلان انها “لن تقف مكتوفة الأيدي” ازاء التحرك المصري ويبدو ان تصريح رئيس وزراء اثيوبيا ابي احمد الخميس الماضي بشأن اكتمال انجاز السد على النيل الازرق يندرج في هذا السياق.
كما أرسلت إثيوبيا الجمعة الماضية مندوبا جديدا بدرجة سفير إلى أرض الصومال وذلك لأول مرة منذ بدء العلاقات بين أديس أبابا والإقليم.
وكانت إثيوبيا افتتحت عام 1996 مكتب اتصال لها في أرض الصومال يتولى شؤون التعاون الاقتصادي والسياسي ولم يكن يحمل المكتب الصفة الدبلوماسية الكاملة التي تحملها سفارات الدول حيث لم تكن إثيوبيا تعترف حينها باستقلال الإقليم الانفصالي.
وفي الأول من يناير الماضي، أبرمت إثيوبيا الدولة الحبيسة اتفاقا لتأمين الوصول إلى البحر الأحمر من خلال منفذ ساحلي عبر أرض الصومال.
وأدى الاتفاق إلى تأجيج التوترات حيث طرد الصومال السفير الإثيوبي وأغلق قنصلياته واستدعى مبعوثه من أديس أبابا وهدد بمعاقبة الشركات التي تعامل أرض الصومال كدولة مستقلة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس