أفريقيا برس – أرض الصومال. بينما تتجمع وفود رؤساء الدول الأفريقية في عاصمة الصين لحضور قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي التي بدأت أعمالها الأربعاء وتستمر ثلاثة أيام، يثار السؤال عن ماذا تريد بكين من أفريقيا، القارة التي تنعم بالموارد الطبيعية، ولكنها تغرق في النزاعات العسكرية والحروب القبلية والمخاطر الجيوسياسية، وبالتالي عدم الاستقرار السياسي.
وفي كلمته أمس، تعهد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بزيادة دعم الصين للقارة الأفريقية الأسرع نموا في العالم بتمويل يبلغ نحو 51 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، ودعم المزيد من مبادرات البنية الأساسية، وتعهد بخلق ما لا يقل عن مليون فرصة عمل. وفي العام الماضي، وافقت الصين على قروض بقيمة 4.61 مليارات دولار لأفريقيا، في أول زيادة سنوية منذ عام 2016. وقال شي، في كلمته في قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي لوفود أكثر من 50 دولة أفريقية، إن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ستنفذ 30 مشروعا للبنية التحتية الأساسية في أنحاء القارة الغنية بالموارد، وستقدم مساعدات مالية بقيمة 360 مليار يوان (50.70 مليار دولار).
ويتوزع التمويل الصيني الجديد ما بين 210 مليارات يوان (29.6 مليار دولار) سيتم صرفها من خلال القروض المباشرة وخطوط الائتمان، وضخ استثمارات جديدة بقيمة 70 مليار يوان (10 مليارات دولار) على الأقل ستنفذها شركات صينية مع توفير مبالغ أصغر في صورة مساعدات عسكرية ومشروعات أخرى. وشدد شي في كلمته للقادة الأفارقة على أن بكين “مستعدة لتعزيز التعاون مع أفريقيا في مجالات الصناعة والزراعة والبنية التحتية والتجارة والاستثمار”. ودعا إلى “شبكة بين الصين وأفريقيا تتضمن روابط برية وبحرية وتطويرا منسقا”، وطلب من الشركات الصينية العودة إلى القارة بعد رفع قيود كوفيد-19 التي عطلت خططها.
وتدور الاجتماعات والصفقات النهائية في المنتدى الذي يعقد كل ثلاث سنوات حول موضوعات التصنيع، والتقدم الزراعي، والأمن، والتعاون في ما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو مشروع ضخم يهدف إلى ربط عدة قارات بالصين بالبنية التحتية لمساعدة الصين على التمدد التجاري وتسويق منتجاتها المصنعة، وذلك وفق البيانات الرسمية الصينية.
ومع انطلاق القمة يرى محللون أن الصين تركز في علاقاتها مع الدول الأفريقية على تحقيق أربعة أهداف رئيسية، وهي:
– أولاً: الحصول على المواد الخام، خاصة المعادن الاستراتيجية للصناعة والمال والطاقة مثل الذهب، المعدن المهم للاحتياطات البنكية، واليورانيوم والليثيوم والكوبالت المهمة للطاقة النظيفة وصناعة السيارات الكهربائية، وتقنيات المستقبل.
– ثانياً: المحاصيل الزراعية التي تؤمن حاجة الصين الغذائية التي تواجه معركة شرسة مع الولايات المتحدة وربما تحرمها من بعض الواردات الزراعية. ووقعت شركات صينية اتفاقية للتعاون الزراعي مع السودان يوم الأربعاء.
– ثالثاً: تحتاج الصين لأفريقيا والاستثمار في تنميتها لإنشاء سوق بديل للدول الغربية لصادراتها الصناعية في وقت تواجه فيه عقوبات شرسة وتعريفات جمركية تراوح بين 60% في أميركا وأوروبا و100% في كندا وربما أعلى من 60% في حال فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني.
– رابعاً: تسعى الصين وراء القارة لدعمها في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها وكذلك في البنك وصندوق النقد الدوليين. ومعروف أن بكين تعمل مع موسكو على بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بديلاً للنظام العالمي الحالي آحادي القطب الذي بنته الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وتديره واشنطن منفردة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبالتالي فبكين بحاجة ماسة إلى أصوات الدول الأفريقية في المنظمات الأممية لتمرير أجندتها الدولية بسهولة.
على صعيد الاستثمارات الصينية في القارة الأفريقية، ووفق بيانات حديثة نشرتها جامعة جونز هوبكنز الأميركية، ارتفعت التدفقات السنوية للاستثمار الأجنبي المباشر الصيني إلى أفريقيا، والمعروفة أيضاً باسم “الاستثمار الأجنبي المباشر في الخارج” وتتزايد بشكل مضطرد منذ العام 2003. ووفق التقرير، ارتفعت التدفقات من 75 مليون دولار في عام 2003 إلى 5 مليارات دولار في عام 2021، ثم انخفضت إلى 1.8 مليار دولار في عام 2022. وبلغت ذروتها في عام 2008 عند 5.5 مليارات دولار بسبب شراء الصين حصة 20% من أسهم مصرف “ستاندرد بنك أوف ساوث أفريكا”.
ويقول تقرير “جونز هوبكنز”، “تجاوزت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني إلى أفريقيا تلك القادمة من الولايات المتحدة منذ العام 2013، حيث انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الأميركي بشكل عام منذ العام 2010”. وكانت الوجهات الخمس الأفريقية الأولى للاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في عام 2022 هي جنوب أفريقيا والنيجر والكونغو ومصر وكوت ديفوار. وبالنسبة للاستثمارات الأميركية، كانت الوجهات الرئيسية، مصر وجنوب أفريقيا، وليبيا وغينيا الاستوائية وأنغولا.
في ذات الشأن يقول تقرير مبادرة الأبحاث الصينية – الإفريقية التابع لجامعة جونز هوبكنز، إنه بين عامي 2000 و2019، وقع الممولون الصينيون على 1141 التزام قرض بقيمة 153 مليار دولار مع الحكومات الأفريقية والشركات المملوكة للدولة.
يذكر أن بكين وقعت في منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك)، وهو أول منتدى في عام 2000، “شراكة استراتيجية” مع 44 حكومة أفريقية. وتُعقد المنتديات كل ثلاث سنوات منذ ذلك الحين. وفي منتدى العام 2018، تعهدت بكين بمبلغ 60 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية، وهو ما يتوافق مع التعهد السابق في عام 2015. كما تعهدت الصين بمبلغ 40 مليار دولار خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي لعام 2021. وفي حين تم تقليص بعض الالتزامات عن السنوات السابقة، وعدت الصين بتقديم دعم إضافي لمكافحة مرض فيروس كورونا في العام 2019 وأعلنت عن هدف زيادة وارداتها من أفريقيا إلى إجمالي 300 مليار دولار في السنوات الثلاث التي تلت جائحة كورونا.
ويلاحظ أن كلا من العملاقين الصين وأميركا يستهدفان الهيمنة على موارد القارة الأفريقية، إلا أن الوسائل والأهداف تختلف بشكل كبير، حيث تعمل بكين على تنمية القارة واستقرارها لتحقيق تحويلها إلى سوق لمنتجاتها الصناعية، بينما تعمل أميركا على الهيمنة السياسية عبر إدارة النزاعات القبلية والإثنية واستخدام مخالبها مثل إسرائيل وبعض المليشيات في تحقيق الهيمنة. وهذا ما جعل بكين تكسب أفريقيا على حساب واشنطن والدول الأوروبية.
الشراكة التجارية بين الصين وأفريقيا
على الصعيد التجاري، تعد الصين الآن أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يتجاوز حجم التجارة الصينية الأفريقية 200 مليار دولار سنوياً. ووفق بيانات لجنة العلاقات الخارجية الأميركية الصادرة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2022، تعمل حالياً أكثر من عشرة آلاف شركة صينية في مختلف أنحاء القارة الأفريقية، وتبلغ قيمة الأعمال الصينية في أفريقيا منذ العام 2005، أكثر من تريليوني دولار، مع استثمارات حالية تبلغ 300 مليار دولار. كما تجاوزت أفريقيا آسيا كأكبر سوق لمشاريع البناء الصينية في الخارج.
ووفقا لقاعدة بيانات القروض الصينية لأفريقيا، التي نشرها موقع ” لجنة العلاقات الخارجية الأميركية”، وقع الممولون الصينيون على 1188 التزام قروض بقيمة 160 مليار دولار مع الحكومات الأفريقية ومؤسساتها المملوكة للدولة بين عامي 2000 و2020، معظمها في مجالات النقل، وتوليد الطاقة، والتعدين، والاتصالات. وكانت الدول المتلقية للقروض على مدى السنوات العشرين الماضية هي أنغولا، وزامبيا، وإثيوبيا، وكينيا، ونيجيريا، والكاميرون، ومؤخرا كانت أكبر الدول المتلقية للقروض غانا، وجنوب أفريقيا، وساحل العاج. ولدى الصين أيضًا ما يقدر بنحو 53 سفارة في أفريقيا، وهو عدد أكبر من عدد سفارات الولايات المتحدة، وقد وقعت 52 دولة أفريقية على اتفاقية تجارية أو مذكرة تفاهم مع مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
السوق المشتركة بين الصين وأفريقيا
وفق تقرير بالمنتدى الاقتصادي العالمي في يناير/ كانون الثاني الماضي، في العقد المقبل، من المرجح أن يقود القطاع الخاص في الصين، وليس الشركات التي تديرها الدولة، التجارة والاستثمار في أفريقيا. ومن بين 3000 شركة صينية تستثمر في أفريقيا، أكثر من 70% منها هي شركات تابعة للقطاع الخاص. ومن المرجح أن تعمل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) على تسريع هذا الاتجاه من خلال تعزيز نمو سلاسل القيمة الإقليمية، مما يتيح للشركات الصينية الوصول إلى سوق أفريقية موحدة أكبر. وقد تحققت نتيجة مماثلة مع السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، حيث أصبحت الصين الآن أكبر شريك استيراد خارجي للاتحاد الأوروبي.
وتم إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية رسميًا في عام 2021، وتخلق سوقًا واحدة من المتوقع أن تنمو إلى 1.7 مليار شخص و6.7 تريليونات دولار من الإنفاق الاستهلاكي والتجاري بحلول عام 2030. وستعمل اتفاقية التجارة التفضيلية على زيادة الصادرات الدولية والتجارة البينية الأفريقية، لا سيما في مجال الزراعة ومعادن التكنولوجيا الخضراء. ويرى تحليل المنتدى الاقتصادي العالمي، أن منطقة التجارة الحرة ستفتح الفرص للشركات المحلية والعالمية للدخول والتوسع في أسواق جديدة عبر القارة الأفريقية. وتم إطلاق أول خطة عمل للقطاع الخاص لمنطقة التجارة الحرة الأفريقية في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في يناير 2024.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس