تحركات عسكرية مصرية وتنسيق مع تركيا في القرن الأفريقي

3
تحركات عسكرية مصرية وتنسيق مع تركيا في القرن الأفريقي
تحركات عسكرية مصرية وتنسيق مع تركيا في القرن الأفريقي

أفريقيا برس – أرض الصومال. بينما تسرّع إثيوبيا إجراءاتها بشأن الانتقال من مرحلة بناء سد النهضة إلى مرحلة التشغيل، بدأت القاهرة في اتخاذ خطوات في القرن الأفريقي للضغط على أديس أبابا في مناطق المصالح المباشرة للأخيرة. وأظهرت مشاهد فيديو، وصول طائرتين عسكريتين مصريتين من طراز (C-130)، إلى مطار مقديشو، الثلاثاء الماضي، محملتين بأسلحة وذخيرة. مقابل ذلك، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، في بيان الثلاثاء الماضي، إن إثيوبيا “تراقب عن كثب التطورات في منطقة القرن الأفريقي التي قد تهدد أمنها القومي”. وذكر البيان أن إثيوبيا “تعرب عن قلقها من تحول بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) إلى بعثة دعم سلام جديدة، محفوفة بالمخاطر على المنطقة”، مضيفاً أن إثيوبيا “ستتجاهل التصريحات العدائية. ولا يمكن لإثيوبيا أن تقف مكتوفة الأيدي بينما تتخذ جهات فاعلة أخرى تدابير لزعزعة استقرار المنطقة”.

وأشار البيان إلى “مشاركة إثيوبيا أيضاً في مناقشات حل الخلافات مع حكومة الصومال”. وأكد أن “تقدماً ملموساً قد تحقق في هذه المحادثات، وبدلاً من مواصلة هذه الجهود من أجل السلام، تتواطأ حكومة الصومال مع جهات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة”، مشدداً على أن “القوى التي تحاول تأجيج التوتر لتحقيق أهدافها قصيرة الأمد وغير المجدية، يجب أن تتحمل العواقب الوخيمة”، ومؤكداً أن إثيوبيا “لا يمكنها التسامح مع هذه الأعمال التي تعرض المكاسب التي تحققت ضد الجماعات الإرهابية الإقليمية والدولية للخطر”.

وأعلنت إثيوبيا، الأحد الماضي تشغيل توربينين جديدين وفتح قنوات أخرى في سد النهضة، ما يمنحها تحكماً شبه كامل في كمية المياه المتدفقة إلى السودان ومصر. وقال رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد: “بدأنا تشغيل التوربينين الثالث والرابع لسد النهضة الإثيوبي الكبير، أما باقي الوحدات فتسير وفقًا للخطة”. وأشار أبي أحمد، عبر موقع إكس، إلى فتح قنوات السد، ما أدى إلى إطلاق 2800 متر مكعب إضافي من المياه في الثانية.

اقتراب من مصالح إثيوبيا في القرن الأفريقي

وتوفرت معلومات تفيد بأن القاهرة أقدمت خلال الأيام القليلة الماضية على خطوات عملية تقترب من مناطق المصالح الإثيوبية في القرن الأفريقي إذ دخل إلى حيز التنفيذ، البروتوكول العسكري المصري الصومالي الذي تم توقيعه منتصف أغسطس/آب الحالي بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود. وبحسب المعلومات فإنه بالإضافة إلى الطائرتين العسكريتين المصريتين المحملتين بالأسلحة والذخائر، اللتين وصلتا إلى العاصمة الصومالية مقديشو، فإن “قطعاً بحرية عسكرية تركية، وصلت إلى السواحل المصرية مطلع الأسبوع الحالي، تمهيداً إلى توجهها نحو السواحل الصومالية برفقة قطع بحرية مصرية مقاتلة خلال أيام قليلة في إطار التنسيق العسكري بين القاهرة وأنقرة التي تضطلع بمهام عسكرية واسعة في الصومال”. وتعد الخطوة أول تنسيق عسكري بين القاهرة وأنقرة منذ استعادة العلاقات بين البلدين بعد قطيعة استمرت 10 سنوات في أعقاب الانقلاب العسكري في مصر عام 2013. ولعبت أنقرة مؤخراً دور الوسيط حيث نقلت رسائل متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا ضمن محاولات إيجاد حل لأزمة سد النهضة.

وتأتي الخطوة الجديدة بالتنسيق العسكري بين مصر وتركيا في القرن الأفريقي في وقت من المقرر أن يتوجه فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة خلال الأسبوع الأول من سبتمبر/أيلول المقبل لعقد قمة مصرية تركية مع الرئيس رجب طيب أردوغان، وهي القمة التي تأجلت سابقاً بسبب تطورات الأوضاع في الإقليم. ومن المقرر أن يترأس السيسي وأردوغان اجتماعاً لمجلس التعاون الاستراتيجي الذي تم تدشينه بين تركيا ومصر خلال زيارة الرئيس التركي للقاهرة في فبراير/شباط الماضي. وخلال زيارة قام بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للقاهرة في 14 أغسطس الحالي، جرى توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين البلدين. ويأتي ذلك في ظل محاولات إثيوبية لإنشاء قاعدة بحرية في إقليم أرض الصومال. وخلال لقاء جمع بين شيخ محمود والسيسي أكد الأخير موقف مصر الداعم لوحدة وسيادة الصومال على أراضيه، والرافض لأي تدخل في شؤونه الداخلية.

رسائل تحرك مصر نحو القرن الأفريقي

ويحمل التحرك المصري العسكري نحو منطقة القرن الأفريقي رسائل متعددة لأكثر من طرف، يأتي في مقدمتها إثيوبيا التي لا تزال تتبنى موقفاً متعنتاً من المطالب المصرية السودانية بشأن ضرورة توقيع اتفاق قانوني ملزم وشامل خاص بتشغيل وإدارة سد النهضة ورفض التحركات الأحادية من جانب أديس أبابا في هذا الصدد. كما يتضمن أيضاً رسالة إلى دولة الإمارات التي أبرمت مطلع العام اتفاقاً بموجبه تنفذ إثيوبيا “الحبيسة” إلى البحر الأحمر.

وحول التأثير المحتمل للتنسيق المصري التركي على ملف الأزمة بين مصر وإثيوبيا، قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة إسطنبول أيدن، الدكتور عمار فايد: “أعتقد أنه لا يزال من المبكر الجزم بمستوى التنسيق المصري التركي في الصومال، فلدى الجانبين مصلحة مشتركة في الدفاع عن وحدة الصومال ورفض خطط الانفصال. من جانب تركيا فهي ملزمة بذلك وفق اتفاقيتها مع الصومال مؤخراً والتي تجعل لها السيادة البحرية على مياه الصومال الإقليمية وتلتزم فيها بأمنها… إلخ. ومن جانب مصر فإن هدفها الأساسي هو منع إثيوبيا من الحصول على موطئ قدم عسكري بحري على القرن الأفريقي بما يجعلها قادرة على التأثير في أمن الملاحة في البحر الأحمر”. وأضاف أنه “حتى الآن، تركيا تميل للوساطة بين إثيوبيا والصومال، كونها حليفة للجانبين، وقد استضافت بالفعل جولتي مفاوضات، لكن يبدو أنه لا تقدم في الأفق. أما مصر فخيارها هو التصدي مباشرة وتعزيز قدرات مقديشو لمقاومة خطط إثيوبيا التوسعية، وبالإضافة لذلك، لدى مصر وتركيا مصلحة في دعم جهود مقديشو لمكافحة جماعة الشباب”.

بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عصام عبد الشافي: “لا أعتقد ذلك، لأن الأزمة بين مصر وإثيوبيا مرتبطة بمشروع السد، وإثيوبيا أعلنت رسمياً أن الانتهاء بشكل كامل من السد سيكون في ديسمبر/كانون الأول القادم، وبالتالي موضوع السد أصبح محسوماً بنسبة 100% من جانب إثيوبيا، ولا أعتقد أن الإدارة المصرية تفكر في استهداف هذا السد”. وأضاف أن “الأمر الآخر، هو أن تركيا ترتبط بعلاقات استراتيجية من الناحية التجارية والاقتصادية مع إثيوبيا، ولن تدخل على خط الأزمة في الملف الإثيوبي، وإن تدخلت سيكون في إطار السعي نحو توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي بين مصر وإثيوبيا للاستفادة من مخرجات السد، وليس ما يفكر فيه النظام المصري من استهداف إثيوبيا في هذه المرحلة، خاصة أن تركيا دخلت على خط الوساطة بين إثيوبيا والصومال، وعقدت عدة لقاءات مشتركة بين الطرفين”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس