إبراهيم نوار
أفريقيا برس – أرض الصومال. على الرغم من وجود مشاريع ثنائية أو متعددة الأطراف لربط شبكات الكهرباء بين الدول العربية وبعضها البعض، وبينها وبين العالم، فإن موجة الحر الأخيرة التي واجهتها المنطقة، أكدت ضرورة الإسراع في ربط تلك الشبكات، حتى بالنسبة للدول التي تتوفر لديها طاقة إنتاج كهربائي كانت تعتقد إنها كافية. الكويت على سبيل المثال تعرضت في بداية الشهر الجاري لضغط شديد على محطات الإنتاج وشبكات التوزيع، حيث سجلت الأحمال الكهربائية أعلى رقم قياسي في تاريخ البلاد، وصل إلى 16500 ميغاوات وقت الظهر. وهو أعلى من الرقم القياسي السابق الذي تم تسجيله في الشهر السابق الذي بلغ 16370 ميغاواط. وكانت درجات الحرارة قد تجاوزت 52 درجة مئوية. ونظرا لأن الكويت تعتمد بنسبة كبيرة في استهلاك المياه على تحلية مياه البحر، فإن الحاجة إلى استمرار توليد الكهرباء بأقصى طاقة، اعتمادا على المحطات والشبكات المحلية ينطوي على مخاطر كبيرة، بسبب ارتفاع احتمالات انقطاع التيار الكهربائي، أو الحاجة إلى إعادة توزيع الأحمال، كما حدث في مصر، التي ارتفعت فيها درجات الحرارة إلى حوالي 45 درجة مئوية.
وقد تعرضت مصر التي تتمتع بفائض في إنتاج الكهرباء إلى اضطراب في الإمدادات، وعجزت محطات إنتاج الكهرباء وشبكات التوزيع المحلية عن إتاحة القدر الكافي للاستهلاك لكل أنحاء البلاد في وقت واحد، بسبب الزيادة الكبيرة غير المتوقعة في استهلاك الكهرباء، نتيجة لموجة الحر الشديدة التي تعرضت لها البلاد. واضطرت إلى إعادة توزيع الأحمال على الشبكات المختلفة، بحيث يتم قطع التيار الكهربائي عن قطاعات جغرافية معينة، لتوفير أحمال كافية للتوزيع إلى قطاعات أخرى، بما ينطوي عليه ذلك من خسائر اقتصادية. وفي دول عربية أخرى مثل العراق والأردن والسودان وليبيا واليمن، تزداد الحاجة إلى ربط شبكات الكهرباء مع الدول المجاورة لتوفير بدائل عملية لضمان تغطية احتياجات الاستهلاك في أوقات الطوارئ، من خلال تبادل الأحمال حتى لو كان ذلك لساعات قليلة خلال اليوم، خصوصا إذا كان وقت ذروة الاستهلاك يختلف من بلد إلى آخر، فذلك من شأنه أن يحقق درجة أعلى من المرونة في إدارة محطات الإنتاج والمحولات وشبكات التوزيع .
كذلك فإن موجة الحر، والارتفاع المفاجئ في استهلاك الكهرباء، أدى أيضا إلى إدراك أهمية استخدام مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء، ومنها ضوء الشمس، لتخفيف الضغط على الموارد المحلية من الوقود التقليدي، وعدم الوقوع في مشكلة تحويل موارد كانت مخصصة للتصدير إلى السوق المحلي، من أجل زيادة إنتاج الكهرباء. وقد التقطت إسرائيل طرف الخيط في هذا السياق من ناحيتين، الأولى أنها عرضت على مصر، التي تعاني من انخفاض إمدادات الغاز تزويدها بكميات إضافية من الغاز الإسرائيلي لرفع طاقة الإنتاج في محطات الكهرباء، وتجنب قطع التيار الكهربائي محليا. الناحية الثانية تمثلت في عقد اتفاق مع إحدى شركات تكنولوجيا الطاقة المتجددة في السعودية، للدخول في مشروع مشترك، لتقديم حلول تكنولوجية تزيد توظيف الطاقة الشمسية في إنتاج الكهرباء، لغرض الاستهلاك المحلي في البلدين، والمشاركة في إمداد شركات الكهرباء في دول المنطقة بالطاقة النظيفة.
وتشير التطورات الراهنة في مجالات الربط الكهربائي، وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة إقليميًا إلى الدور المركزي الذي تلعبه منطقة شمال البحر الأحمر وسيناء. فالربط الكهربائي بين مصر والأردن يمر عبر خط في سيناء. والربط الكهربائي بين مصر والسعودية يمر عبر كابل بحري يتم مده تحت مياه شمال البحر الأحمر، كما أن خط الكهرباء من مصر إلى الأردن يمتد إلى لبنان عبر سوريا، ويمكن أن يمتد أيضا عبر الأردن شرقا إلى العراق. وتطمح إسرائيل في مد خط كهربائي يربطها بالسعودية ودول الخليج في حال الاتفاق على تطبيع العلاقات معها. وفي هذا السياق أيضا فإن ربط شبكات الكهرباء في الخليج والشرق الأوسط مع شبكات الكهرباء في أوروبا، يمكن أن يتم عبر شبكة الربط المشترك مع تركيا، أو عبر كابلات بحرية، يجرى الحوار بشأنها حاليا بين إسرائيل ومصر ودول الاتحاد الأوروبي. وفي هذه الحالة فإن دول الشرق الأوسط يمكن أن تتوسع في طاقات الإنتاج الكهربائي، مع القدرة على تصريف جزء مهم من الإنتاج إلى أوروبا. موجة الحر الشديدة في الشرق الأوسط وأوروبا، أظهرت بالتالي بعدا جديدا من أبعاد دمج سياسات الطاقة الأورومتوسطية، ليس من خلال زيادة صادرات النفط والغاز فقط، ولكن من خلال زيادة إنتاج الكهرباء والتوسع في ربط شبكات مناطق الخليج وشرق البحر المتوسط وأوروبا معا في نظام مشترك، وزيادة الاعتماد على الطاقة الخضراء.
مصر والسعودية
من المتوقع إتمام عملية مد الكابل البحري الذي يربط بين مصر والسعودية في نهاية العام الحالي، ثم استكمال أعمال الربط في الشبكات الداخلية لكل من البلدين في العام التالي، لتدخل عملية تبادل الأحمال بين البلدين حيز التشغيل الفعلي في العام 2025. ومع أن لدى كل من البلدين مشروعات طموحة للربط الكهربائي مع الدول المجاورة، فإن الربط الكهربائي بين مصر والسعودية من شأنه أن يعزز إقامة سوق إقليمية لتجارة الكهرباء، على غرار السوق الموجودة داخل الاتحاد الأوروبي. وعند إتمام الربط وبدء التشغيل الفعلي، فإن دولا كثيرة على طرفي حدود كل من البلدين، مثل العراق، والسودان، وليبيا، يمكن أن تستفيد لتعويض النقص في إنتاجها من الكهرباء. ومن المعروف أن العراق يعتمد إلى حد كبير على إيران للحصول على الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، كما أن السودان يعاني من النقص الشديد في إنتاج الكهرباء محليا، بسبب نقص الوقود، وتبني ليبيا محطات كهرباء تقليدية وشبكات عالية التكلفة، توجه لخدمة المجتمعات الحضرية، بينما تتعرض التجمعات غير الحضرية المتناثرة على مسافات بعيدة في الصحراء للحرمان من الكهرباء، وهو ما يمكن التغلب عليه بإنشاء محطات طاقة شمسية ملائمة.
وتقدر التكلفة الاستثمارية للربط الكهربائي بين مصر والسعودية بحوالي 1.8 مليار دولار، ويتم تنفيذ المشروع على مرحلتين، الأولى تكتمل في حزيران/يونيو 2025 بقدرة 1500 ميغاواط، والثانية في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه بقدرة 1500 ميغاواط أيضاً. أما تكلفة الكابل البحري الذي تجري الاستعدادات لمده لتبادل الكهرباء، فتبلغ تكلفته حوالي 221.6 مليون يورو، نصيب السعودية منها حوالي 114.3 مليون يورو، في حين يبلغ نصيب مصر 107.3 مليون يورو. ويتحمل كل من الطرفين منفردا تكلفة أعمال الربط الداخلي في بلده. وتتولى مجموعة «بريزميان» الإيطالية تصنيع الكابل ومده. وطبقا لتقارير التنفيذ فإن الأعمال تجري بدون معوقات مالية أو تكنولوجية أو بيئية. وبعد الانتهاء من مد الخط، المتوقع في كانون الأول/ديسمبر من العام الحالي، والانتهاء من أعمال ربط الشبكات، فإنه من المقرر بدء التشغيل التجريبي قبل نهاية شهر ايار/مايو 2025 على أن يبدأ التشغيل الرسمي للمشروع في الشهر التالي. وسوف يفتح إتمام الربط الكهربائي بين مصر والسعودية آفاقاً لتصدير الكهرباء إلى آسيا وأوروبا، بالإضافة إلى التوسع في الربط مع الدول المجاورة. ويتيح الربط تبادل 3 آلاف ميغاوات في أوقات الذروة بين البلدين، التي تختلف بفارق 3 ساعات. كما تسمح الاتفاقية للسعودية ببيع الطاقة لدول الخليج من خلال هذا الخط.
إسرائيل والسعودية
تنتقل استراتيجية الطاقة في إسرائيل حاليا إلى توسيع البنية الأساسية القائمة، بما يساعد على زيادة اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة المستوردة من شرق المتوسط، على حساب الطاقة المستوردة من روسيا. كما تنتقل الاستراتيجية أيضا إلى زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وأهمها الطاقة الشمسية، مع استثمار موارد الطاقة التقليدية، ومنها غاز شرق البحر المتوسط، بأعلى قدر ممكن من الكفاءة. وقد تحولت إسرائيل بعد اكتشاف حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، مثل ليفياثان وتمار، إلى دولة مصدرة للطاقة إلى كل من الأردن ومصر. وتناقش في الوقت الراهن خطة لمد خط أنابيب للغاز ومحطة إسالة في قبرص، ومنها إلى أوروبا، ومد كابل كهرباء بحري إلى إيطاليا، يربط شبكة الكهرباء الإسرائيلية بالشبكة الأوروبية الموحدة للكهرباء. وفي هذا السياق فإن إسرائيل لا تريد الاعتماد على الغاز فقط، وإنما تريد التوسع في استثمارات الطاقة الشمسية، بما يرفع إنتاجها من الطاقة المتجددة، ويفتح لها مجالات للتعاون مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، بهدف تقليل اعتمادها على النفط والغاز لتوليد الطاقة.
وفي هذا السياق فإن شركة تكنولوجيا الطاقة الشمسية الإسرائيلية «سولار إيدج تكنولويز» أعلنت في بداية الشهر الحالي أنها توصلت إلى اتفاق مع مجموعة «عجلان وإخوانه» القابضة السعودية، يهدف إلى نشر استخدامات تكنولوجيا الطاقة الشمسية في السعودية. ووفقا للبيان الصادر عن الشركة الإسرائيلية، فإنها ستقدم للجانب السعودي خدمات تكنولوجيا توليد الطاقة الشمسية وتخزينها وتوزيعها. ومن الملاحظ أنه تم إعلان الاتفاق بعد يوم واحد من محادثات دارت بين وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، والمبعوث الأمريكي الخاص للتطبيع السفير دان شابيرو الذي كان شغل سابقا منصب السفير الأمريكي لدى إسرائيل. مهمة شابيرو على وجه الحصر هي تحقيق الاندماج السياسي والاقتصادي والعسكري بين إسرائيل والدول العربية، خصوصا السعودية. ومن المرجح أن يلعب التعاون في مجالات الطاقة دورا مهما في التقارب بين كل من إسرائيل والسعودية، وخلق التطبيع كحقيقة واقعة على الأرض، قبل أن يتحول إلى صيغة رسمية للعلاقات المشتركة.
لكن إسرائيل لا تتوقف عند حدود التعاون الثنائي مع السعودية في مجال الطاقة، فهي تريد تعاونا متعدد الأطراف مع السعودية وأطراف أخرى عربية مثل مصر والأردن، وأطراف غير عربية أيضا مثل إيطاليا واليونان وقبرص، وربما تركيا أيضا. وطبقا لما ذكره الرئيس التنفيذي لشركة سولار إيدج زئيفي لاندو فإن مجال النشاط الرئيسي لشركته التي نشأت حديثا هو مساعدة الصناعات السعودية تكنولوجيا على التحول من الطاقة التقليدية إلى الطاقة النظيفة الجديدة والمتجددة والذكية. هذا النشاط يعني أن «سولار إيدج» ستصبح وسيطا تكنولوجيا بين الصناعة السعودية والطاقة الجديدة، وستفتح أبوابا أوسع للتعاون الاقتصادي بين الطرفين.
وتخطط إسرائيل لمد كابل بحري لنقل الكهرباء يربط عن طريقها شبكات الكهرباء في الخليج وأوروبا. ويبلغ طول المرحلة الأولى من الكابل المقترح 150 كم، يمتد في عمق البحر المتوسط موازيا للساحل الإسرائيلي من ميناء عسقلان في الجنوب، إلى ميناء حيفا في الشمال، لنقل الكهرباء من محطات الطاقة الشمسية في النقب. وطبقا لرؤية وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس، فإن هذه المرحلة سوف تربط فيما بعد شبكات الكهرباء الخليجية مع الشبكة الإسرائيلية عن طريق مصر والأردن. وبعد ذلك يتم ربط الشبكة شمالا من حيفا إلى اليونان وقبرص، حيث تجري محادثات بين البلدان الثلاثة لإنشاء كابل بحري، لنقل الكهرباء إلى أوروبا. وعلى التوازي مع ذلك تردد أن إيطاليا قدمت عرضا إلى مصر في كانون الثاني/يناير الماضي لمد كابل بحري لنقل الكهرباء بطاقة تتراوح بين 2500 إلى 3000 ميغاوات، تبلغ تكلفته الاستثمارية حوالي 2.8 مليار دولار. ومن المنطقي أن تتبلور هذه العروض لربط شبكات الكهرباء الأورومتوسطية والخليجية في نهاية الأمر في مشروع واحد كبير.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس