أفريقيا برس – أرض الصومال. يشهد القرن الأفريقي تطورات متسارعة وتحركات دبلوماسية مكثفة تعكس سعي دول المنطقة لتعزيز مصالحها في ظل بيئة إقليمية معقدة ومتشابكة. ووسط هذه الديناميكية، تبرز مصر لاعباً رئيسياً يعمل على حماية مصالحه الاستراتيجية، خصوصاً في مواجهة قوى إقليمية مثل تركيا، التي تقود وساطات مؤثرة، كان آخرها رعاية اتفاق مصالحة بين الصومال وإثيوبيا.
وبرزت زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى أديس أبابا، التي تمت تلبية لدعوة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، في أعقاب توقيع البلدين اتفاقاً لإعادة العلاقات الثنائية بوساطة تركية. وشهد الاتفاق التزاماً باستئناف التمثيل الدبلوماسي الكامل بين الصومال وإثيوبيا، بعد عام من التوتر الناجم عن خطة إثيوبيا لإنشاء قاعدة بحرية في إقليم أرض الصومال غير المعترف به دولياً (صوماليلاند)، وهو الأمر الذي أثار استياء مقديشو حينها.
مصر تصعّد نشاطها في القرن الأفريقي
وبالتزامن مع هذه التطورات، صعّدت مصر نشاطها الدبلوماسي في المنطقة، فقد استضافت القاهرة، السبت الماضي، لقاءً هاماً جمع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره الإريتري عثمان صالح، حيث تم بحث العديد من الملفات الحيوية، بما فيها التوترات في البحر الأحمر، والأزمة المستمرة في السودان، بالإضافة إلى تداعيات التحركات الإقليمية على أمن البحر الأحمر ومصالح مصر الاستراتيجية.
ويُعدّ اللقاء المصري ـ الإريتري جزءاً من استراتيجية أوسع للقاهرة تهدف إلى تعزيز التعاون مع دول الجوار الأفريقي، خصوصاً في ظل التحديات المائية المرتبطة بسد النهضة الإثيوبي، وتنامي النفوذين التركي والإيراني في المنطقة. كما تسعى مصر إلى التأكيد على أهمية الحفاظ على أمن البحر الأحمر باعتباره طريقاً حيوياً للتجارة الدولية، فضلاً عن دوره المحوري في ضمان الأمن القومي المصري.
وتمكنت تركيا، التي تسعى لتعزيز وجودها في المنطقة من خلال الوساطات الدبلوماسية، من تقليص الفجوة بين إثيوبيا والصومال، في حين تظل مصر تراقب عن كثب تلك التحركات لضمان ألا تؤثر على مصالحها الاستراتيجية.
توترات متزايدة وتحالفات متشابكة
أكدت الخبيرة في الشؤون الأفريقية، الدكتورة نجلاء مرعي، أن منطقة القرن الأفريقي تعيش على صفيح ساخن نتيجة التوترات المتزايدة والتحالفات الإقليمية المتشابكة. وأضافت أن “القرن الأفريقي بات ميداناً لصراعات دولية وإقليمية على النفوذ، حيث تسعى كل دولة إلى حماية مصالحها من خلال اتفاقيات وتحالفات متسارعة”. وأشارت مرعي إلى أن دور تركيا في الوساطات الإقليمية، مثل حل الخلافات بين الصومال وإثيوبيا، يعكس تزايد النفوذ التركي في المنطقة، وهو ما يساهم في تقليل حدة الصراعات ويدفع بالتنمية الاقتصادية والتعاون الإقليمي، لكن في الوقت نفسه، تستفيد الدول المتدخلة في المقام الأول من هذه الاتفاقيات لتحقيق مصالحها الاستراتيجية.
وتطرقت مرعي إلى العلاقات المصرية – الإريترية، مؤكدة أن البلدين تجمعهما رؤية مشتركة تجاه سلوك إثيوبيا الأحادي الذي يهدد استقرار القرن الأفريقي. وأوضحت أن إريتريا، التي كانت تعتمد إثيوبيا على موانئها في مدينتي عصب ومصوع للوصول إلى البحر الأحمر قبل استقلالها، أصبحت تواجه تحديات كبيرة مع توجّه إثيوبيا لاستخدام موانئ بديلة، مثل ميناء بربرة في إقليم صوماليلاند. وأضافت: “هذا الوضع يفقد إريتريا أوراقاً مهمة في علاقتها مع إثيوبيا، ويهدد أمنها القومي واقتصادها”. وتابعت: “هناك تنسيق وثيق بين مصر وإريتريا لمواجهة التحركات الإثيوبية، التي تتسم بالتفرد وتزعزع استقرار المنطقة”.
وحول التدخّلات الدولية، أشارت مرعي إلى أن هناك تعاملاً سرياً من قِبل الولايات المتحدة وبريطانيا مع إقليم صوماليلاند بصفته دولة مستقلة، وهو ما يعزز موقف الإقليم ويساعده في الاقتراب من الاستقلال التام. وأكدت مرعي أن هذا التطور يدفع بمزيد من التحديات أمام إريتريا، خصوصاً مع زيادة الوجود الإماراتي المتماهي مع إثيوبيا في البحر الأحمر، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن الإريتري.
على صعيد التحركات المصرية، أكدت مرعي أن مصر تعمل بفعالية على تعزيز وجودها في القرن الأفريقي من خلال اتفاقيات أمنية وسياسية مع إريتريا، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون العسكري لحماية مسارات التجارة في البحر الأحمر. وأشارت إلى زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أسمرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، والتي كانت نقطة تحوّل مهمة في العلاقات بين البلدين، حيث تم توقيع اتفاقيات لتعزيز التعاون الأمني والتجاري. كما لفتت إلى أن مصر أرسلت قوات إلى الصومال في إطار دعم الاستقرار والمشاركة في بعثة “إتميس” لحفظ السلام. وأضافت أن هذا الدور يعكس رؤية مصر الاستراتيجية لتعزيز التضامن الأفريقي ومواجهة التحديات المشتركة.
وفي ما يتعلق بالمناصب الدولية، أوضحت مرعي أن مصر تركز على تعزيز وجودها في المنظمات الدولية والإقليمية. وقالت: “هناك جهود حثيثة من الدول الأفريقية لدعم فكرة إصلاح مجلس الأمن وتوسيع تمثيل القارة. ومن المعروف أن الولايات المتحدة قدمت وعداً بدعم حصول أفريقيا على مقاعد دائمة في المجلس”.
المصدر: العربي الجديد
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس