وسط تصاعُد التوتُّرات الإقليمية: ماذا عن الانتخابات الرئاسية في أرض الصومال ونتائجها؟

6
وسط تصاعُد التوتُّرات الإقليمية: ماذا عن الانتخابات الرئاسية في أرض الصومال ونتائجها؟
وسط تصاعُد التوتُّرات الإقليمية: ماذا عن الانتخابات الرئاسية في أرض الصومال ونتائجها؟

منة صلاح، باحثة في وحدة الشؤون الأفريقية

أفريقيا برس – أرض الصومال. أجرى إقليمُ أرضِ الصومالِ انتخاباتٍ رئاسيةً، في ظِلِّ تساؤُلاتٍ متزايدةٍ حول تأثير نتائجها على التوتُّرات في منطقة القرن الأفريقي، خاصَّةً النِّزَاع القائم بين الصومال وإثيوبيا، بشأن سعْي أديس أبابا للحصول على ميناء بحري في الإقليم، مقابل الاعتراف باستقلاله عن مقديشو، وتُعدُّ هذه الانتخابات الرابعة مُنْذُ إعلان الإقليم انفصاله عن الصومال عام 1991م، وكانت مُقرَّرةً في عام 2022م، ولكن تمَّ تأجيلها إلى نوفمبر الحالي؛ ما أدَّى إلى تمديد ولاية الرئيس الحالي الذي يشْغَلُ المنصب مُنْذُ عام 2017م، وما يُميِّزُ هذه الانتخابات، أن جميع برامج مرشحيها تستهدف الحصول على اعترافٍ دوليٍّ بانفصال الإقليم.

السياق الرَّاهن للانتخابات

جاءت الانتخابات في أرض الصومال، في ظِلِّ توتُّراتٍ إقليميةٍ متزايدةٍ وآمالٍ كبيرةٍ في نيْل الاعتراف الدولي بعد أكثر من 30 عامًا من الحُكْمِ الذاتيِّ الفِعْلِيِّ، وفي وقتٍ يتصاعد فيه الجدل حول مذكرة التفاهُم مع إثيوبيا، وتولِّي دونالد ترامب فترةً رئاسيةً ثانيةً، عبَّر المرشحون عن أملهم في أن تكون هذه الانتخابات خطوةً حاسمةً نحْو تحقيق الاعتراف الدولي بأرض الصومال، ويأتي ذلك في وقتٍ تسعى فيه المنطقة لتعزيز مكانتها السياسية والدولية، بعْد عقودٍ من الاستقلال الفِعْلِيِّ الذي لم يُعترفْ به على الصعيد العالمي.

ويُعدُّ الحفاظ على استقلال أرض الصومال ونيْلها الاعتراف الدولي مسألةً حاضرةً ومِحْوَرِيَّةً في حملات المتنافسين الثلاثة على منصب الرئاسة في الانتخابات؛ إذ قد يُوفِّرُ الاعترافُ صوتًا للإقليم في المِنَصَّة السياسة الدولية، إضافةً إلى إمكانية التواصُل مع النظام المالي للدولي؛ ما يتيحُ فُرَص الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية، ولكن على الرَّغْم من مرور أكثر من رُبْع قَرْنٍ على إعلان انفصالها، لم تنجح أرض الصومال في الحصول على اعترافٍ رسميٍّ من أيِّ دولةٍ أُخرى؛ ما دفع المرشحين في الانتخابات إلى جعْل مسألة الاعتراف الدولي جُزْءًا أساسيًّا من برامجهم السياسية[1].

المرشحون للرئاسة في الانتخابات

هناك ثلاثة مرشحين يتنافسون على الرئاسة في أرض الصومال، ومن بينهم الرئيس الحالي موسى بيهي عبدي زعيم حزب السلام والوحدة والتنمية، المعروف أيضًا باسم “كولميه”، ويسعى إلى الفوْز بفترة ولايةٍ ثانيةٍ بعْد سبْع سنوات في منصبه، ويُركِّزُ في حملته على تعزيز الديمقراطية والنمو الاقتصادي، إضافةً إلى الحصول على الاعتراف الدولي، وينافسه الرئيس المنتهية ولايته عبد الرحمن محمد عبد الله، المعروف باسم “إيرو” من حزب وداني، الذي قام بحملةٍ على أساس برنامجٍ من الإصلاحات الديمقراطية والتماسُك الاجتماعي، أمَّا فيصل علي ورابي من حزب العدالة والتنمية “UCID”، فقد دعا إلى تشكيلِ حكومةِ وحدةٍ وطنيةٍ.

وتجدر الإشارة إلى اختلاف المرشحين بشأن القضايا الداخلية، إلَّا أن جميعهم يؤيدون مذكرة التفاهُم مع إثيوبيا، فعلى الرَّغْم من ضرورة تعليق تلك المذكرة لتحسين علاقات أرض الصومال مع الصومال، إلَّا أنَّ ذلك لا يبدو مرجحًا؛ حيث يسعى جميع المرشحين إلى استخدام هذه الورقة كأداةٍ سياسيةٍ، وعلى رأسهم الرئيس الحالي، ولم ينتقدْ معارضوه الاتفاق، ولكنهم انتقدوا منافسهم والرئيس الحالي، فبعد أن أرجأ الانتخابات لمُدَّة عاميْن لأسبابٍ فنيةٍ وماليةٍ، قام بقمْع الاحتجاجات التي اندلعت ضِدَّ هذا التأجيل؛ ما أدَّى إلى تفاقُم الانقسامات بين العشائر[2].

نتائج الانتخابات “خريطة سياسية جديدة في أرض الصومال”

تمَّ تسجيل حوالي 1.2 مليون ناخبٍ للتصويت في انتخاباتٍ نالتْ إشادةً واسعةً من المراقبين الدوليِّين، باعتبارها مثالًا على الديمقراطية السِّلْمية في أرض الصومال، وأعلنت اللجنة الانتخابية، فوْز زعيم المعارضة عبد الرحمن محمد عبد الله، المعروف بـ”إيرو”؛ حيث حصل على 63.92% من إجمالي الأصوات، وجاء الرئيس “موسى بيهي عبدي” في المركز الثاني بنسبة 34.81% من الأصوات، بينما حصل فيصل علي وارابي على 0.74% فقط من الأصوات.

وقد شغل “إيرو” منصب سفير الصومال لدى الاتحاد السوفيتي وفنلندا في الثمانينات، وكان رئيسًا لبرلمان أرض الصومال عام 2005م، وتعهَّد بأن يكون شخصيةً أكثرَ قُدْرةً على جمْع الصفوف، مقارنةً بالرئيس موسى بيهي عبدي، الذي يتهمُهُ بإثارة الانقسامات العشائرية، ويرى “إيرو” أن الرئيس بيهي فشل في معالجة الانقسامات في الإقليم؛ ما أدَّى إلى فُقْدانِ منطقة سول في عام 2023م، بعد انسحاب قوات أرض الصومال من المنطقة، إثْرَ صراعٍ طويلٍ مع ميليشيات موالية للحكومة الفيدرالية في مقديشو[3].

التحديات التي قد تواجه الحكومة الجديدة

على الرَّغْم من مرور أكثر من ثلاثة عقودٍ على إعلان إقليم أرض الصومال انفصاله من جانبٍ واحدٍ، وإلغاء قانون الاتحاد مع حكومة الصومال، إلَّا أن الإقليم لا يزال يواجه العديدَ من التحدِّيات التي تعرقل سعْيه نحْو الاستقلال الكامل، والحصول على الاعتراف الدولي، وهو ما قد يواجه الحكومة الجديدة، وسنتطرَّقُ إلى أبْرز تلك التحدِّيَات كما يلي:

تصاعُد النزاعات الحدودية

لا تزال الحدود السياسية لإقليم أرض الصومال غير مستقرةٍ؛ حيث تظلُّ مدينة لاسعانود – عاصمة منطقة سول شمال الصومال – بُؤْرَةَ نزاعٍ مستمرٍ بين قوات هرجيسا والميليشيات العشائرية التابعة لحكومة مقديشو، والجدير بالذكر أن لاسعانود تتمتع بأهميةٍ جيوسياسيةٍ وأمنيةٍ بالغةٍ؛ نظرًا لموقعها الإستراتيجي الذي يفصل بين حدود ولاية بونتلاند وأرض الصومال؛ ما جعلها نقطة صراعٍ سياسيٍّ وعسكريٍّ على مدار العقديْن الماضييْن، وقد يؤدي استمرار هذه النِّزَاعات الحدودية إلى تفاقُم الأوضاع الداخلية في الإقليم؛ بما يُشكِّلُ تهديدًا لجهود الحكومة في تقديم نفسها كنموذجٍ للاستقرار في منطقة القرن الأفريقي.

مسار التفاوُض مع حكومة الصومال الفيدرالية

تعتبرُ المفاوضات بين سلطات إقليم أرض الصومال وحكومة الصومال الفيدرالية أحد أبرز التحدِّيات على الصعيد الخارجي؛ إذ يسعى كُلُّ طَرَفٍ إلى تحديد ملامح علاقته بالآخر، والتوصُّل إلى تسويةٍ شاملةٍ للنِّزَاعات الحدودية والقضايا العالقة بينهما، وقد انطلقت أُولى جولات المفاوضات في عام 2012م، تلتها جولاتٌ أُخرى، تحت رعاية بعض الأطراف الإقليمية، أمَّا آخر جولة من المفاوضات، فقد استضافتها جيبوتي في أواخر عام 2023م، وتمخَّضَ البيانُ الختاميُّ لهذه الجولة عن دعوةٍ لاستئناف الاتفاقات المُوقَّعة مُنْذُ عام 2012م، إلَّا أن توقيع مذكرة التفاهُم بين حكومة أرض الصومال وإثيوبيا في يناير 2024م، قد تؤدي إلى انتكاسةٍ كُبْرَى في المسار التفاوضي[4].

البطالة والتضخُّم

يواجهُ الإقليمُ تحدِّياتٍ اقتصاديةً جسيمةً، مِثْل الجوع وارتفاع مُعدَّلات التضخُّم؛ ما يزيدُ من صعوبة الوضْع بالنِّسْبة للحكومةِ الجديدةِ، وعلى الرئيس أن يتصدَّى بشكلٍ عاجلٍ لمستويات البطالة والتضخُّم المرتفعة، وتضُمُّ المنطقة نحو 1.2 مليون ناخبٍ، ويأمل معظمُهُم في رُؤْية تحسُّنٍ اقتصاديٍّ ملموسٍ، إلَّا أن أرض الصومال تفتقر إلى القُدْرة على الوصول المباشر إلى التمويل العالمي أو المساعدات الإنسانية والتنموية[5].

ماذا عن احتمالية اعتراف إدارة “ترامب” بسيادة أرض الصومال؟

قد تعمل إدارة ترامب على إحداث تغييراتٍ في سياساتها؛ من أجل تحقيق المصالح الأمريكية، عبْر تعزيز تواجُدِها في إقليم أرض الصومال؛ بهدف مواجهة السياسات الصينية؛ حيث تزايُد التواجُد العسكري والتجاري للصين في جيبوتي، وقد يؤدي إقليم أرض الصومال إلى إحياء التواجُد الأمريكي في القارة، لا سيما أنه يحْظَى بأهميةٍ جيوسياسيةٍ، ويتمتع بموقعٍ إستراتيجيٍّ على خليج عدن ومضيق باب المندب؛ لذا تسعى الولايات المتحدة للحصول على قاعدةٍ بحريةٍ جديدةٍ في الإقليم، ومن ثمَّ قد تعمل إدارة ترامب على تعزيز علاقاتها مع الإقليم في الفترة القادمة، مع الحَدِّ من تقديم المساعدات للصومال[6].

وتتمتع أرض الصومال بتفاؤُلٍ كبيرٍ بشأن إمكانية تغيير موقف إدارة ترامب من الاعتراف بسيادة مقديشو على أرض الصومال؛ حيث عبَّر كبارُ المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية، الذين كانوا جُزْءًا من صياغة السياسة تجاه أفريقيا خلال ولاية ترامب الأُولى، عن دعْمِهم القويّ للاعتراف بأرض الصومال، فقد تتخذُّ الإدارةُ الجديدةُ خطوةً جريئةً بتحدِّي السياسات الأمريكية التقليدية، والجدير بالذكر أنه خلال الفترة الرئاسية الأُولى لترامب، تمَّ الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية، في مقابل تطبيع الرباط علاقاتها مع إسرائيل، ومن ثمَّ قد يعترف في ولايته الثانية بأرض الصومال، لا سيما أن العديد من المحافظين يحثُّهُ على الاعتراف[7].

وتأمل الحكومة في العاصمة “هرجيسا” في إتمام الاتفاقِ الأوَّلِيِّ الذي وقَّعَتْه مع إثيوبيا في يناير الماضي، والذي من شأنه أن يمنح أديس أبابا أراضي ساحليةً مقابل الاعتراف الدبلوماسي، كما تأمل أن يحْظَى موقفُها بتأييدٍ من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فعلى الرَّغْم من معارضة الليبراليِّين العالميِّين لمذكرة التفاهُم، إلَّا أن إدارة ترامب قد تعمل على إضفاء الطابع الرسمي عليها؛ بما يتوافق مع المصالح الأمريكية، ولكن يتوقف تعزيز التواجُد الأمريكي في إقليم أرض الصومال، وإضفاء الشرعية على مذكرة التفاهُم، على عِدَّة عوامل، من أبرزها المفاوضات الثنائية والضغوط الدولية والاستقرار السياسي والأوضاع الأمنية في كُلٍّ من “الصومال، وإثيوبيا”.

ختامًا: تُمثِّلُ هذه الانتخاباتُ تحوُّلًا سياسيًّا كبيرًا في إقليم أرض الصومال؛ حيث جاءت النتائج بعد عملية تصويتٍ سِلْمِيَّةٍ، تمَّتْ متابعتُها عن كَثَبٍ كمُؤَشِّرٍ على المناخ السياسي في الإقليمِ المستقلِّ المُعْلَنِ من جانبٍ واحدٍ، كما تعتبرُ خُطْوَةً مُهمَّةً في الطريق الطويل إلى نيْل الاعترافِ الدُّوليِّ، وبشكلٍ عامٍ.

لقد تمكَّنَتْ أرض الصومال التي انفصلت عن الصومال في عام 1991م، خلال تفاقُم الصراعات، من إقامة نظامٍ حكوميٍّ مستقرٍّ ومستقلٍّ، رغْم افتقارها إلى الاعتراف الدولي، وعلى مدار العقود الماضية، نجحت المنطقة في بناء مؤسساتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ قويَّةٍ، متفوقةً بذلك على الفوْضَى والصِّرَاعات المستمرة التي تجتاح باقي الأراضي الصومالية.

المصادر:

[1] علي حلني، {أرض الصومال}… رحلة البحث عن الاعتراف، صحيفة الشرق الأوسط، 25 نوفمبر 2017م.

[2] Nikolas Fischer, Somaliland: What elections mean for regional power dynamics, Deutsche Welle, 11/12/2024November 12, 2024.

[3] Somaliland Opposition Leader Wins Presidential Election, Agence France Presse, November 19, 2024.

[4] هشام قدري أحمد، إقليم “صوماليلاند” الانفصالي: قراءة في مسوّغات الانفصال وتحدّياته بعد ثلاثة عقود، قراءات أفريقية، أكتوبر 13, 2024.

[5] Nikolas Fischer, Somaliland: What elections mean for regional power dynamics, Deutsche Welle, 11/12/2024.

[6] عبير مجدي، ما التداعيات المُحتملة لفوز “دونالد ترامب” على الصومال؟، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 14 نوفمبر، 2024.

[7] Abdi Sheikh and Sonia Rao, As breakaway Somaliland votes, its leaders spy international recognition, Reuters, November 13, 2024.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس