أرض الصومال… هل من يردع جموح نتنياهو؟

4
أرض الصومال... هل من يردع جموح نتنياهو؟
أرض الصومال... هل من يردع جموح نتنياهو؟

جيرار ديب

أفريقيا برس – أرض الصومال. أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان له (26 ديسمبر/ كانون الأول)، الاعترافَ بأرض الصومال “دولةً مستقلّةً ذات سيادة”. ومنذ 1991 لم تنل “أرض الصومال” أيَّ اعتراف من أي دولة، بعدما تشكّلت كياناً مستقلّاً أعلن انفصالَه عن جمهورية الصومال عقب انهيار الحكومة المركزية، وأضاف البيان أنّ “توقيع الاتفاق مع أرض الصومال جاء للاعتراف المتبادل”، وأن إسرائيل تعتزم توسيع علاقاتها فوراً مع “الجمهورية” المُعلَنة من جانب واحد.

أتى هذا الاعتراف الإسرائيلي وسط مشهدية ضبابية تسيطر على الشرق الأوسط والقرن الأفريقي؛ إذ استغلّت تل أبيب نتائج الانتخابات الرئاسية (نوفمبر/ تشرين الثاني 2024) في أرض الصومال، التي أحدثت تحوّلاً في أعلى مستويات القيادة، ما أتاح تغييراً في توجّهات السياسة الخارجية السابقة. وقد شهدت الانتخابات فوز المُعارِض عبد الرحمن محمّد عبد الله (عرّو)، زعيم حزب الوداني، الذي عمل في السلك الدبلوماسي الصومالي قبل انهيار الدولة.

ورغم موجة الإدانات، لم تتراجع إسرائيل عن قرارها الذي وقّع عليه (إضافة إلى نتنياهو والرئيس الإسرائيلي) وزير الخارجية جدعون ساعر، الذي كتب في “إكس” أن “الاتفاقية تشمل أيضاً إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، بما يتضمّن فتح سفارتَين وتعيين سفيرَين”.

وقد أثار الإعلان الإسرائيلي ردّات فعل رافضة؛ إذ سارعت مصر إلى التنديد بهذه الخطوة، واعتبرت السعوديةُ الخطوةَ تكريساً لإجراءات أحادية انفصالية، مؤكّدةً تمسّكها بالوحدة والسيادة الصوماليتَين، كما رفض مجلسُ التعاون الخليجي الاعتراف، معتبراً ذلك تجاوزاً خطيراً لمبادئ القانون الدولي وانتهاكاً صريحاً لسيادة الصومال. ولم تقتصر الإدانة على الدول العربية؛ إذ اعتبرت وزارة الخارجية التركية، في بيان لها، “هذه الخطوة من إسرائيل، التي تواصل سياساتها التوسّعية تدخّلاً سافراً في الشؤون الداخلية الصومالية”. ومثل تركيا، رفضت مفوضية الاتحاد الأفريقي أيَّ خطوة تهدف إلى الاعتراف بأرض الصومال كياناً مستقلّاً. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى احترام سيادة الصومال، وقال الناطق باسم الشؤون الخارجية أنور العنوني إنّ احترام وحدة أراضي الصومال الفيدرالية وسيادتها وسلامتها، وفقاً لدستورها، “أمر أساسيّ من أجل السلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي برمّتها”.

هذا مسار للتوسّع الإسرائيلي المُستجِدّ في القرن الأفريقي؛ إذ توصف “أرض الصومال” بأنها بوابة باب المندب، وتطلّ على خليج عدن، وتكتسب عاصمتها هرجيسا أهميتها من ميناء بربرة، وهو أكبر موانئ خليج عدن. ولا نقاش بشأن الأحلام الإسرائيلية التوسّعية في منطقة القرن الأفريقي خصوصاً، وفي القارة السمراء عامةً، التي تشهد أرضُها حراكاً دولياً بخلفيات تستند إلى تقاسم النفوذ واستغلال الخيرات والموارد الطبيعية. قد لا تكون أرض الصومال أرضَ الخيرات والموارد، لكن (وفق المنظور الإسرائيلي) يشكّل الاعتراف تطوّراً استراتيجياً ذا بعد جيوسياسي، والأهم أنه جاء برضىً أميركي واضح.

لا يقتصر التعاون الذي تحدّث عنه ساعر على فتح سفارتَين، بل يقوم على توثيق التعاون في مختلف المجالات، سيّما التي تهم تل أبيب، وفي مقدمتها المجالان العسكري والاستخباراتي. إذ قرأت إسرائيل في “التوسّع الإيراني” عند باب المندب، والإطلالة على البحر الأحمر، ممرّاً للمساهمة في إيصال حركات يمنية موالية لإيران (تحديداً الحوثيين) الذين أحكموا سيطرتهم على المضيق، وما الحصار الذي فرضه الحوثي خلال إسناده غزّة إلا دلالة على حضور المشروع الإيراني في المنطقة.

ومن هذا الحضور، انطلق الإسرائيلي في عملية “التفافيّة” لتطويق المدّ الإيراني. وهذا ما أكّدته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، إذ قالت إن الحكومة الإسرائيلية “أعربت عن اهتمامها باستخدام أراضي الصومال لمهاجمة الحوثيين في اليمن، نظراً إلى القرب الجغرافي بينهما”.

وجاء الاعتراف في وقت بدأت ترتفع فيه التقارير عن استعدادات إسرائيلية لتنفيذ ضربة جديدة على إيران، بعد تجمّد المفاوضات النووية مع واشنطن، ومع مسعىً إيران إلى تطوير منظوماتها الصاروخية الباليستية، وسعيها إلى إعادة تموضع وكلائها، تحديداً في الجنوب السوري الذي يشهد غلياناً في وجهة النظام الجديد في سورية، وصولاً إلى حزب الله في لبنان.

ويبدو الرضى الأميركي على قرار إسرائيل واضحاً، فهو يخدم مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في غزّة، بخصوص “نقل” الأكثرية الغزّية لإعادة توطينهم. فقد أفادت وكالة أسوشييتد برس (مارس/ آذار 2025) أن الولايات المتحدة وإسرائيل عرضتا على مسؤولين في ثلاث دول أفريقية توطين فلسطينيين من قطاع غزّة في أراضيها. وذكرت الوكالة، نقلاً عن مصادرها، أن التواصل شمل مسؤولين من السودان والصومال ومنطقة أرض الصومال الانفصالية بشأن المقترح الذي يبدو أن هذه الأطراف تتمهّل في دراسته.

ومنذ توليه السلطة في أرض الصومال، عمد عرّو إلى انتهاج استراتيجية حازمة تهدف إلى إنهاء عزلة أرض الصومال الدولية التي دامت عقوداً. وقد هيّأ تحوّله في السياسة الخارجية الظروف لإجراء مفاوضات سرّية مع إسرائيل، توّجت، في نهاية المطاف، بالاعتراف الرسمي. وليس هذا فحسب، بل ذهب الرجل بعيداً في خياراته الاستراتيجية، إذ زار سرّاً (وفق ما يتردّد) تل أبيب في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لانخراط “جمهوريته” في اتفاقية أبراهام للسلام برعاية أميركية.

“التشاطر” الإسرائيلي بالسير إلى الاعتراف بأرض الصومال ليس من أجل تحقيق المكاسب فحسب، بل لتسجيل النقاط الاستفزازية على أكثر من مستوى، وفي مقدمتها “إضاعة” البوصلة عن الاعتراف بدولة فلسطين، وحرف الأنظار والاهتمامات عمّا تستمرّ في فعله في غزّة والضفة من قضم متعمّد للأراضي الفلسطينية بهدف التهجير القسري. ولا تكفي المواقفُ المُدينة؛ فهي لا تردع إسرائيل في مشروعها وضعَ المنطقة تحت سيطرة “العصر الإسرائيلي”. لذلك يجب التحرّك سريعاً لردع جموح نتنياهو بتشكيل تحالفات عربية وإقليمية جديدة، وتفعيل حركة اللوبيات الضاغطة في مراكز القرار الدولية، وإلّا سيبقى نتنياهو يتحكّم بالمشهديَّتَيْن العامّة والخاصّة للمنطقة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس