أسعار الفائدة بين الخطر القائم فعلا والخطر المحتمل

10
أسعار الفائدة بين الخطر القائم فعلا والخطر المحتمل
أسعار الفائدة بين الخطر القائم فعلا والخطر المحتمل

ابراهيم نوار

أفريقيا برس – أرض الصومال. وضع مجلس الاحتياطي الفيدرالي العالم على حافة الركود والانكماش بعد قرار زيادة أسعار الفائدة بنسبة 0.75 إلى 4 في المئة الأسبوع الماضي. هذا يعني أن سعر الفائدة الأساسي على الدولار تضاعف بمقدار 16 مرة، منذ ما قبل حرب حرب أوكرانيا (0.25 في المئة) بما يضع العملة الأمريكية في مكانة تنافسية قوية جدا مقابل العملات الرئيسية الأخرى، ويجعل نسبة الزيادة في تكلفة التمويل أكبر بكثير عن الزيادة في تكلفة الطاقة أو أسعار الغذاء. الزيادة السنوية في أسعار الطاقة في الوقت الحاضر تبلغ 14.4 في المئة بالنسبة للنفط، حيث بلغ سعر البرميل من خام برنت 94.6 دولار في الأسبوع الماضي مقابل 82.7 دولار في الأسبوع المقابل من العام الماضي. في حين بلغ سعر الغاز المسال في مركز التجارة الرئيسي في هولندا 36.6 دولار للمليون وحدة حرارية، مقابل 24.8 دولار خلال الفترة نفسها، بنسبة زيادة تبلغ 47 في المئة. أما متوسط الزيادة في أسعار الغذاء فتدور حول 9.5 إلى 10.5 في المئة فقط حسب تقديرات وزارة الزراعة الأمريكية.

وتوقعات اتجاهات الأسعار في الأجل القصير محدودة، بإستثناء تأثير التقلبات لأسباب جيوسياسية، فأوروبا قد انتهت تقريبا من بناء مخزوناتها من النفط والغاز لفصل الشتاء، بينما اتفاق مرور مبيعات القمح والحبوب الغذائية من روسيا وأوكرانيا إلى العالم عبر البحر الأسود يعمل بكفاءة، إلا في حالات تهديد سلامة السفن.

وعلى الرغم من أن محركات التضخم التقليدية مثل الأجور وتكاليف الإنتاج لا تبدو أنها المسؤولة عن الارتفاع الصارخ في معدلات التضخم، خصوصا في الدول الصناعية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث وصل التضخم إلى أعلى مستوى له في أربعين عاما، فإن جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يعتبر أن التضخم هو التضخم، بصرف النظر عن الأسباب، وأن التصدي له يجب أن يكون من خلال سياسة نقدية متشددة. وجهة نظر باول هذه تتفق مع رأي المفكر الاقتصادي ميلتون فريدمان، الذي يعتبر أن التضخم في جوهره هو ظاهرة نقدية يتم علاجها بأدوات السياسة النقدية.

وتلقى وجهة نظر باول انتقادات كثيرة حول العالم، تنبه إلى خطورة عوامل أخرى، فأشارت بينيلوبي غولدبرغ، أستاذة الغقتصاد في جامعة ييل الأمريكية، إلى خطورة السياسة الحمائية وضرورة مكافحتها. وأشار الاقتصادي الألماني أوتمار إيسّنج، رئيس مركز الدراسات المالية في جامعة غوته إلى خطورة ارتفاع مستوى الديون العالمية، وأنه يجب اتخاذ إجراءات للتصدي لها، والتقليل من الإفراط في الاعتماد على السياسة النقدية في مكافحة التضخم الحالي.

التشدد المالي وأهداف النمو

مع إنه لا يمكن إغفال تأثير ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والأجور أو تكاليف الإنتاج عموما على معدل التضخم، فإن الزيادات المستمرة في أسعار الفائدة على الدولار، من شأنها أن تزيد تعقيدات التمويل في الدول المدينة، وكذلك بالنسبة للشركات والقطاع العائلي؛ ففي الدول يزيد عبء سداد الدين الخارجي، أما بالنسبة للشركات والأفراد؛ فهو يزيد احتمالات العجز عن التكيف مع أسعار الفائدة المرتفعة، ومن ثم انتشار الإفلاسات. وكان صندوق النقد الدولي قد نشر توقعاته للنمو في العالم قبل قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة، ومن ثم فإن الأثر الصافي لرفع سعر الفائدة على الدولار، لم يظهر بالقدر الكافي في تلك التوقعات، التي تشير إلى أن الاقتصاد العالمي سينمو في العام الحالي بمعدل 3.2 في المئة، ثم ينخفض إلى 2.7 في المئة في العام القادم، مقابل 6 في المئة في العام الماضي.

وتظهر توقعات الصندوق تباينا في معدلات النمو بين مناطق العالم الاقتصادية المختلفة. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المئة هذا العام، مقابل 4.1 في المئة في العام الماضي، ثم يتباطأ إلى 3.6 في المئة عام 2023. ويقدر الصندوق أن معدل التضخم سيصل إلى 12.1 في المئة على مستوى المنطقة ككل في العام الحالي، ثم ينخفض إلى 11.2 في المئة في العام المقبل. وتظهر جداول توزيع التضخم أيضا تباينا كبيرا بين الدول النفطية الغنية مثل السعودية، والدول غير النفطية كثيفة السكان مثل مصر. ففي شهر ايلول/سبتمبر الماضي بلغ معدل التضخم في السعودية حوالي 3 في المئة، في حين ارتفع في مصر إلى خمسة أمثال هذا المعدل.

وعلى صعيد التوازن المالي فإن الدول المصدّرة للنفط ستحقق مكاسب استثنائية، يمكن أن تصل إلى تريليون دولار على مدى الفترة من 2022 إلى 2026. ويتوقع الصندوق أن تحقق دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء البحرين، إضافة إلى ليبيا والعراق فوائض مالية كبيرة هذا العام تصل إلى أكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي في ليبيا، في حين أن بقية الدول العربية ستعاني من عجز مالي كبير يزيد عن 11 في المئة من الناتج في الجزائر، وأكثر من 7 في المئة في مصر.

النمو والاستقرار المالي مقارنة بين السعودية ومصر

ترتبط السياسة النقدية السعودية بالدولار، حيث يربط البنك المركزي (مؤسسة النقد السعودي) قيمة الريال بالدولار. ويعود الربط بين العملتين إلى حقيقة أن النفط يشكل حاليا 46 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية. وحيث أن الدولار هو العملة الرئيسية لتسوية المدفوعات في تجارة النفط العالمية، فإن تحقيق الاستقرار المالي يستلزم إبقاء الريال في ظروف متكافئة مع الدولار، لضمان استقرار سعر الصرف المحدد بواسطة البنك المركزي (3.76 ريال للدولار). ولهذا فقد أعلنت مؤسسة النقد السعودي رفع معدل العائد الأساسي على الريال بمقدار 75 نقطة أساس، إلى ما يتراوح بين 4 إلى 4.5 في المئة. وذلك لضمان الاستقرار المالي بعد قرار المركزي الأمريكي. لكن تحقيق الاستقرار المالي يتطلب في الوقت نفسه ضرورة التوافق بين السياستين المالية والنقدية، لمواجهة الظروف الطارئة، مثل التقلبات الحادة في أسعار النفط، وضمان استقرار السياسة السعرية، خصوصا في ظل الإعتماد على استيراد نسبة مهمة من الاحتياجات الغذائية ومستلزمات الإنتاج.

وقد حققت السعودية في العام الحالي واحدا من أعلى معدلات النمو في العالم. ومن المتوقع أن تواصل النمو في العام القادم، ولكن بمعدل أقل. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد السعودي بنهاية العام الحالي نموا بمعدل سنوي يبلغ 7.6 في المئة، بما يزيد عن ضعف معدل النمو المحقق في العام الماضي الذي بلغ 3.2 في المئة. ومع استمرار أسعار النفط عند مستويات مرتفعة، فإن هناك تقديرات أكثر تفاؤلا، تشير إلى أن السعودية تتربع على قمة جدول النمو عالميا في العام الحالي بمعدل 9.9 في المئة حسب تقدير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتظهر بيانات الميزانية السعودية أن معدل النمو المتوقع في العام المقبل سينخفض إلى 3.1 في المئة، وأن معدل التضخم سيصل إلى 3.3 في المئة. ومع تقدير سعر النفط المتوسط في الميزانية على أساس 55 دولارا للبرميل، فإن المستوى الحالي للأسعار في السوق العالمية يضمن استقرار الأداء الاقتصادي بدون خوف من التعرض لخطر الإنكماش، على الرغم من الضغوط المتولدة عن ارتفاع أسعار الدولار.

وفيما يتعلق بالاقتصاد المصري، فإن مركز المشكلة الاقتصادية في الوقت الحالي يتعلق بإدارة الدين العام المحلي والخارجي. ومن ثم فإن السياسة النقدية يجب أن تلعب دورا مهما في تحقيق التوازن والاستقرار المالي، ضمن حزمة السياسات الاقتصادية. وقد لجأ البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة ثلاث مرات منذ بداية العام الحالي، الأولى في اذار/مارس بمقدار نقطة مئوية واحدة إلى 9.25 في المئة، والثانية في ايار/مايو بمقدار نقطتين إلى 11.25 في المئة، والثالثة في تشرين الأول/أكتوبر بمقدار نقطتين أيضا إلى 13.25 في المئة، بما رفع تكلفة السيولة بمقدار خمس نقاط مئوية خلال الأشهر السبعة الأخيرة. ويتوقع البنك الدولي أن يتراجع معدل النمو في السنة المالية الحالية إلى 4.8 في المئة، خلافا لتقدير الحكومة التي تتوقع نموا بنسبة 5.5 في المئة مقابل 6.6 في المئة في السنة المالية الأخيرة.

ويرتبط الجنيه المصري بالدولار الأمريكي، نظرا لأن الولايات المتحدة هي أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لمصر، وأحد أهم مقدمي المساعدات لها. وتقع مصر نقديا من الناحية العملية داخل منطقة الدولار، لأن النسبة الأعظم من معاملاتها التجارية التي تتم خارج منطقة اليورو، يتم تسويتها بالدولار، بما في ذلك التجارة مع الصين أكبر شركائها التجاريين، التي بلغت قيمتها حوالي 14 مليار دولار عام 2020 منها صادرات من الصين لمصر بقيمة 13.3 مليار، وصادرات من مصر للصين بقيمة 754 مليون دولار. ويتم تمويل بعض المعاملات جزئيا طبقا لاتفاقية مبادلة بين الجنيه المصري واليوان بقيمة 18 مليار يوان صيني (حوالي 2.8 مليار دولار حاليا) تم توقيعها عام 2016 واتفق البلدان على تجديدها في اذار/مارس الماضي. وبمقتضى هذه الاتفاقية يتم تسوية معاملات الصينيين العاملين في مصر أو الزائرين الذين يستخدمون بطاقات الائتمان المصرفي الصينية.

وبالنظر إلى توقعات النمو وظروف الأسواق العالمية، فإن المخاوف من تأثير ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية على فرص النمو الاقتصادي في مصر تبدو محدودة حتى الآن. ومع أن النمو في منطقة اليورو سيتراجع في العام المقبل، إلا أنه ليس من المتوقع أن يترك ذلك أثرا سلبيا على الصادرات المصرية، نظرا لزيادة الطلب الأوروبي على صادرات مصر من الغاز المسال والأسمدة والسلع الزراعية والبتروكيماويات. لكن ارتفاع قيمة الدولار سيترك بلا شك أثرا كبيرا على أسعار الواردات، وزيادة معدل التضخم، إضافة إلى إضعاف قيمة الجنيه المصري.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس