أفريقيا برس – أرض الصومال. مع تزايد التنافس الدولي على موارد القارة الأفريقية، برزت ألمانيا كلاعب هادئ بعيدًا عن الأنظار، مستغلة سياستها المتحفظة للتمدد في القارة السمراء بعيدًا عن تسليط الأضواء.
ورغم التاريخ الطويل لوجود قوى كبرى مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والصين وروسيا في أفريقيا، فإن الدور الألماني لم يحظ باهتمام كافٍ حتى الآن، لكنه يلوح في الأفق بصفته استراتيجية طموحة ذات طابع اقتصادي وأمني يهدف لاستغلال موارد القارة، خاصة في مجال الطاقة.
برلين: كيف أخفت تحركاتها السياسية في إفريقيا؟
بمرور الأعوام، اتبعت ألمانيا أساليب متنوعة لإخفاء حضورها في إفريقيا، مظهرةً نفسها على أنها شريك اقتصادي فقط، مع تجنب أي دلالات على تدخلات سياسية أو طموحات توسعية.
في هذا السياق أوضح الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الإفريقية، عطاف محمد مختار، ” أن برلين سعت، من خلال استراتيجية شاملة، إلى التواجد في إفريقيا بأساليب غير مباشرة، مستخدمةً الشركات الألمانية العابرة للحدود والمنظمات الإنسانية كغطاء لأنشطتها.
ويؤكد مختار أن ألمانيا قد اعتمدت على القمم والمؤتمرات والمبادرات الاقتصادية لتكوين صورة تعاونية، فعلى سبيل المثال، شهدت القارة الإفريقية مؤتمرات اقتصادية ألمانية بارزة، مثل مؤتمري التعاون الألماني الإفريقي في عامي 2021 و2022، التي تناولت القضايا الإفريقية كوسيلة لتعزيز الحضور الألماني، دون الكشف عن طموحات سياسية.
الأسباب وراء تخفي ألمانيا بشأن مشاريعها في إفريقيا
أشار الباحث عاصم محمد عبد السلام، المتخصص في العلاقات الأوروبية الإفريقية في تصريح، إلى أن السرية التي تعتمدها برلين في مشروعاتها تعود لعدة أسباب، أولاً، رغبتها في تجنب إثارة قلق المنافسين التقليديين في إفريقيا، وعلى رأسهم فرنسا، التي تعد المنافس الرئيسي لألمانيا في إطار الاتحاد الأوروبي، وكذلك إيطاليا وتركيا، والدول الكبرى الأخرى التي تسعى لترسيخ نفوذها، ثانيًا، تحرص برلين على عدم لفت الأنظار الداخلية في ألمانيا نفسها، حيث ترغب في تجنب الحاجة إلى التنسيق المكثف في صنع القرار، لتتمكن من التحرك بحرية أكبر في سياستها الخارجية، بعيداً عن النقاشات العامة.
ويضيف “عاصم ” انه رغم ادعاءاتها بأن علاقاتها الإفريقية تهدف لدعم التنمية الاقتصادية، إلا أن الأهداف الألمانية تتجاوز الجانب الاقتصادي بكثير، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، التي دفعت ألمانيا لإعادة النظر في مصادر الطاقة لديها، مشيراً إلى أن نتيجة لذلك، بدأت برلين في وضع خطط استراتيجية تعتمد على تأمين مصادر جديدة للطاقة، والتوسع في الاستثمار بمجال الطاقة المتجددة والهيدروجين في إفريقيا.
التعاون الألماني-الإيطالي تنسيق من أجل الطاقة ومنافسة غير معلنة
يوضح المتخصص في العلاقات الأوروبية الإفريقية انه في ظل الحاجة المتزايدة للطاقة، شهدت ألمانيا وإيطاليا تعاونا ملحوظاً في إفريقيا، لهذا قامت ألمانيا بالتنسيق مع الحكومة الإيطالية لبناء خط أنابيب لنقل الغاز والهيدروجين بين البلدين.
ويتابع الباحث “عاصم محمد عبد السلام” أن في 2024، وقع كل من ألمانيا، إيطاليا، وسويسرا اتفاقية للتعاون في تطوير شبكة لنقل الهيدروجين من شمال إفريقيا إلى أوروبا، كجزء من استراتيجية مشتركة للاستفادة من موارد الطاقة الإفريقية.
ويضيف “عاصم ” أن هذا التعاون بين روما وبرلين يعتبر محاولة لتأمين موارد جديدة للطاقة، لكن رغم ذلك، يعكس أيضاً تنافساً خفياً بين الدولتين للسيطرة على مصادر الطاقة الحيوية، لافتاً إلى أن هذا التعاون قد يظهر كتحالف من أجل الطاقة، لكنه في الحقيقة تنافس صامت يسعى كل طرف فيه إلى تعزيز موقعه في إفريقيا على حساب الآخر.
برلين وتركيا تعاون مشوب بالتوترات الظاهرية
ويشرح المتخصص في العلاقات الأوروبية الإفريقية انه من جهة أخرى، ورغم التوترات السياسية الظاهرية بين ألمانيا وتركيا، إلا أن برلين تبدي مرونة في التنسيق مع أنقرة، خاصة في ظل التغيرات الجذرية التي شهدتها منطقة الساحل الإفريقي بعد انسحاب الوحدات العسكرية الفرنسية من دول كمالي والنيجر وبوركينا فاسو.
ويضيف ” عاصم” أن في هذا الفراغ الذي تركته فرنسا، تسعى تركيا بفاعلية لدعم الحكومات الإفريقية وتأمين احتياجاتها من الأسلحة، ما يجعلها طرفاً رئيسياً في المنافسة على النفوذ الإقليمي، متابعاً ان بالنسبة لألمانيا، تعتبر توسعات تركيا في إفريقيا فرصة لتقليص نفوذ فرنسا، التي طالما كانت منافساً رئيسياً لألمانيا في الاتحاد الأوروبي، خاصة في الملفات الإفريقية.
هل يمكن أن يستمر التعاون بين المتنافسين؟
حول مستقبل التعاون بين الدول الكبرى المتنافسة في إفريقيا، يرى الباحث سامي عبد الحميد أن التنافس على أشده، وأنه، حتى لو تم التعاون بين بعض الدول، فإن هذا التعاون سرعان ما سيتوقف أمام التحديات الاقتصادية والسياسية التي تتفاوت بين الأطراف المتعاونة.
يؤكد عبد الحميد في تصريح، أن السياسة الألمانية الحالية قد تواجه مقاومة مستقبلاً من جانب فرنسا وإيطاليا وتركيا، ما سيزيد من حدة التوترات ويعود بالضرر على الدول الإفريقية ذاتها.
وبحسب قوله، فإن الشعوب الإفريقية تدرك الآثار السلبية لهذا الصراع ولن تقبل بأن تدفع ثمن صراعات القوى الكبرى على حساب رفاهيتها ومستقبلها.
المصدر: المستقبل
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس