إعادة تموضع ورفض سياسة القطب الواحد… رسائل تحملها القمة العربية الصينية في السعودية

6
إعادة تموضع ورفض سياسة القطب الواحد... رسائل تحملها القمة العربية الصينية في السعودية
إعادة تموضع ورفض سياسة القطب الواحد... رسائل تحملها القمة العربية الصينية في السعودية

أفريقيا برس – أرض الصومال. في وقت أدركت فيه الدول العربية والخليجية أن القبول بسياسة القطب الواحد لم يعد ممكنا، لا سيما وأن أمريكا ومن خلفها ‏الغرب كانوا السبب الرئيسي في إضاعة وتعطيل القضايا العربية المهمة كالقضية الفلسطينية، بدأت هذه الدول الاتجاه نحو الشرق في إعادة تموضع ‏يحقق لها مكاسب سياسية واقتصادية جمة.‏

وخلال الأيام المقبلة، يزور الرئيس الصيني، شي جين بينغ، المملكة العربية السعودية، لحضور القمة العربية الصينية، بحضور زعماء الدول العربية والخليجية، في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية السعودية توترا بسبب ملف أسعار الطاقة.

وقال مراقبون إن القمة تعكس الاهتمام المتزايد للصين والدول العربية والخليجية لزيادة التعاون فيما بينها، لا سيما من الجانب الاقتصادي، ويأتي للتعبير عن رفض الهيمنة الأمريكية والقطبية الأحادية على العالم، وضرورة الانفتاح على باقي الدول الكبرى، مؤكدين أن القمة ستسبب إزعاجا كبيرا لواشنطن.

نظام دولي جديد

قالت الأكاديمية المصرية والخبيرة في الشؤون السياسية الصينية، الدكتورة نادية حلمي، إن “المنطقة ستشهد عقد ثلاث قمم استراتيجية خليجية عربية صينية، والتي تعد هي الأولى من نوعها في التاريخ الصيني الخليجي العربي المعاصر، وذلك من حيث ضخامة الحدث والشراكة، والتي تمثل علامة في مسيرة الشراكة الاستراتيجية بين كافة الأطراف المشاركة فيها، إذ تعقد القمة الأولى بين الرئيس الصيني وملك السعودية، والثانية مع ملوك وأمراء الخليج العربي، والقمة الثالثة مع رؤساء وزعماء الدول العربية”.

وقالت حلمي: فإن “هناك أهمية كبيرة لتلك القمم الثلاث مع الصين، ولا سيما في ظل حالة التموضع الجيوسياسي لدول الخليج والدول العربية التي تقع في قلب العالم، ومصلحة الصين تكمن في الحفاظ على علاقات قوية مع هذا التكتل الدولي لإنجاح مبادرة (طريق الحرير الصينية)، لأن الدول العربية والخليجية تمتلك الجانب الجيوسياسي المهم من المبادرة عبر القارة الأفريقية بإطلالها على البحر الأحمر والبحر المتوسط وقناة السويس، بالإضافة إلى حوض الخليج العربي”.

وترى الدكتورة نادية حلمي أن “أهمية هذه القمة تنبع من الأزمة الروسية الأوكرانية، وما له من تداعيات على الشرق الأوسط، إذ يتفق عدد كبير من الأطراف العربية مع الصين في رفض الهيمنة الأمريكية والقطبية الأحادية على العالم، والاتفاق على أن العقوبات الغربية على روسيا تعسفية، مع التشديد الصيني على أهمية المنطقة العربية والخليجية وأهمية تقديم الدعم لقياداتها وشعوبها، لذلك فإن هذا التعاون المشترك، يعد خيارًا استراتيجيًامن كافة أطرافه الصينية الخليجية والعربية”.

ولفتت إلى أن “الجديد في الأمر هو دفع الصين خلال الفترة المقبلة لعقد مؤتمر سلام دولي على نطاق واسع، بغية إيجاد حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية، إذ تجد بكين بأنه بات من الملح بناء منظومة الأمن الجماعي بالتعاون مع المنطقة العربية ودول الخليج، فالسعي نحو الأمن المطلق، أو الانفراد بالأمن سيؤدى إلى طريق مسدود من وجهة النظر الصينية الخليجية العربية المشتركة، لذلك فإن دولة الصين تدعو إلى بناء (منصة متعددة الأطراف للحوار) في المنطقة، مع تبنى الصين لأجندة خاصة في تحقيق التقارب الخليجي الإيراني، ودفع عجلة التصالح بين الطرفين برعاية صينية”.

وبحسب حلمي، “تتفق الصين مع كافة الدول العربية والخليجية بأن (الديمقراطية وحقوق الإنسان) تعتبران من القيم المشتركة للبشرية جمعاء، وليستا من براءات الاختراع الخاصة ببعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب، لذا فإن عقد تلك القمم الثلاثة الصينية الخليجية العربية، يأتي تأكيدا على نظام الشورى في العالم الإسلامي والديمقراطية الشعبية بكامل عملياتها في الصين، تعد من الثروات الحقيقية للحضارة السياسية العالمية”.

وأشارت إلى أن “الصين خلال القمة ستسعى لبذل الجهود المشتركة مع دول الشرق الأوسط، للدفع بتسوية الخلافات عبر الحوار وتخفيف حدة الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وإعطاء الأولوية لمواجهة التحديات الملحة في مجالات الطاقة والغذاء والمالية، من أجل استيعاب وتجنب الآثار السلبية الناجمة عن العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب”.

وعن آفاق التعاون المشترك، ذكرت الدكتور نادية حلمي أن “القمة تهدف إلى بحث وإيجاد سبل تعزيز التنمية المشتركة وتكامل استراتيجياتها في إطار (المبادرة العالمية للتنمية)، والتي أطلقتها الصين بعد مبادرة “الحزام والطريق”، وهي تلك المبادرة التي تُعنى بقضية التنمية، كما ينتظر البحث في زيادة فرص التبادل التجاري والاستثماري بين الطرفين، خاصة وأن الصين تُعد هي الشريك التجاري الأكبر للأقطار العربية، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما نحو 330 مليار دولار في العام الماضي 2021”.

وأوضحت الخبيرة في الشأن الصيني أن “القمة ترسخ للتعاون الاقتصادي والتنموي العربي الصيني، وتفتح آفاق تنموية كبيرة في ظل الظروف والأزمات الراهنة، وتدعو لبذل المزيد من الجهود من كل الأطراف لرسم استراتيجية تعاونية تؤسس لمستقبل جديد للعلاقات العربية الصينية، وتساهم في صناعة المستقبل الدولي الجديد بأقطاب متعددة، وبنظام دولي جديد يتأسس على قيم الحرية والعدالة، بعدما عجز النظام الدولي القائم الآن الذي تهيمن عليه أمريكا والغرب عن تأسيس ركائزه على هاتين القيمتين”.

وختمت حديثها قائلة: “نحن مقبلون على عالم جديد متعدد الأقطاب والمسارات والتوازنات، وسوف يتغير فيه شكل الصراعات والنزاعات وإعادة رسم خريطة العلاقات الدولية، لتبرز قوى واتجاهات جديدة، دون تلاشي قوى أخرى بما لها من مصادر قوة”.

توازن اقتصادي وسياسي

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السعودي، سعد عبد الله الحامد، إن “القمة المرتقبة بين الصين والسعودية وزعماء العرب، تأتي في ظل علاقات قوية وقديمة بين بكين والرياض، قائمة على الشراكات الاستراتيجية والمصالح المشتركة والتي ساهمت في ترسيخ تلك العلاقات، لدفع عجلة التنمية بين البلدين والدول الخليجية والعربية، كما أن المملكة لديها استثمارات ورؤوس أموال ضخمة في الصين، والزيارة تعزز هذا الجانب الاقتصادي والاستثماري”.

وقال: فإن “الزيارة تأتي في ظل ظروف استثنائية بسبب الأزمة الأوكرانية لتعزيز جوانب عدة بين الصين والمملكة وتنعكس على الدول الخليجية والعربية، في ظل تصاعد القوى الاقتصادية الصينية، وما أحدثته من تكامل كبير بسبب الانكفاء الأمريكي وعدم فاعلية الدور الأمريكي في المنطقة”.

ولفت إلى أن “المملكة احتلت المركز الأول كواجهة للاستثمارات الخارجية الصينية في النصف الأول من عام 2022، لتصبح الصين من أهم شركاء المملكة التجاريين، إذ وصل حجم التبادل التجاري في 2020 إلى 67 مليار دولارـ وفي عام 2021 وصل إلى 87.3 مليار دولار”، مشيرا إلى أن “القمة ستناقش جوانب أخرى مثل الاستثمار في الطاقة النظيفة والتوافق حول تعزيز قضايا مكافحة التغير المناخي، وكذلك المجالات الأمنية والعسكرية ومكافحة الإرهاب”.

وأوضح أن “هناك توافقا بين المملكة العربية السعودية والصين في عدة قضايا أهمها القضية الفلسطينية، وضرورة إنهاء الحروب في المنطقة العربية، وحل أزمات اليمن وتأمين الملاحة البحرية وحرية التجارة الدولية، ومواجهة أسلحة الدمار الشامل ومنع انتشارها في المنطقة، لا سيما وأن السعودية تدعم موقف وحدة الصين وعدم تسييس حقوق الإنسان في بكين”.

ويرى الحامد أن “القمة مهمة في ظل مساعي المملكة لتحقيق التوازن في أسواق الطاقة العالمية، وبناء شراكات فعالة وبناءة مع الصين تسهم في تحقيق مثل هذا التوازن”، مشددا على “إمكانية الاستفادة السعودية والخليجية والعربية مما تملكه الصين من إمكانيات ضخمة، وسعيها لحل قضايا المنطقة عبر الحوار والوساطات، لا سيما قضية اليمن”.

ويرى أن “وجود علاقات مع الصين لا يمكن أن تؤثر على شراكات المملكة بالولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الغربية”، نافيا أن يكون هناك أزمة بين الرياض وواشنطن، بينما وصفها بـ”اختلاف وجهات النظر”، موضحا أن “السعودية تملك موقفا ثابتا ينطلق من حرصها على استقرار أسواق النفط والطاقة، وعدم التدخل في شؤونها، فيما تتبع واشنطن منذ تولي الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الحكم سياسة مزدوجة المعايير كانت واضحة في الكثير من المواقف”.

واستطرد: “المواقف المتتالية من الإدارة الأمريكية خلقت فجوة وجفاء بينها وبين الدول الخليجية، لكن من المتوقع أن يكون هناك موقف مغاير بعد الانتخابات النصفية”، موضحا أن “زيارة الرئيس الصيني لا يعني تنازل المملكة عن باقي الشراكات الاستراتيجية، بل تعني تنويعا في الاقتصاد، وزيادة الاستثمارات لتعزيز الدخول غير النفطية وتحقيق “رؤية المملكة 2030″، وهو ما وضح من زيارات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الأخيرة لإندونيسيا وكوريا”.

إعادة تموضع

بدوره، اعتبر نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور مختار غباشي، أن “العالم العربي الآن في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية في حالة تموضع جديد، إذ أصبح هناك فكرة بضرورة الانفتاح على القوى الصاعدة الجديدة على رأسها روسيا والصين، وبدأ العالم العربي يتوجه ناحية الصين، باعتبارها القطب الاقتصادي الصاعد والمهم حول العالم”.

وقال غباشي: “تتواجد الصين داخل الساحة الأفريقية بقوة، وبحجم استثمارات ضخم تخطى 210 مليار دولار، و250 من كبريات الشركات الصينية تعمل داخل الساحة الأفريقية، وبدأت بعض الدول العربية الكبيرة تعزز من نطاق علاقاتها مع الصين تحديدا، ومن هنا كان مقترح أو فكرة أن يكون هناك قمة عربية صينية تعقد داخل المملكة العربية السعودية، وتأتي بمبادرة مشتركة بين الرياض وبكين بالتشاور مع بعض الدول العربية الرئيسية”.

ويرى غباشي أن “القمة ستكون مزعجة لأمريكا، التي ترى في نفسها حق الوصاية والولاية على النفط والمال الخليجي والعربي، لا سيما وأن حجم الاستثمار العربي داخل الولايات المتحدة الأمريكية ضخم، ما بين ودائع واستثمارات تخطت ترليون و400 مليار دولار، وبلغت سندات الدين وأذون الخزانة حصلت عليها 11 دولة عربية أكثر من 252 مليار دولار، وكذلك في العالم الغربي نفسه تخطت ترليون و488 مليار دولار، وهي استثمارات ضخمة تعتمد عليها أمريكا والغرب، وتعتمد على علاقاتها مع الخليج لا سيما السعوديةلضبط أسعار سوق النفط”.

وتابع: “منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بدأ حكام المملكة العربية السعودية في إعادة صياغة جديدة للعلاقات، والحديث عن ضرورة فتح أبواب جديدة ناحية الشرق، في ظل العلاقات المتوترة مع واشنطن وقتها”، مشيرا إلى أن “انفتاح العالم العربي والخليجي وتحديدا السعودية على الصين يسبب إزعاجا لواشنطن”.

ولفت إلى أن “العالم العربي بدأ في موائمة مصالحته وتكتلاته، إذ كان طوال العقود السابقة في ركاب أمريكا ولم يستفد منها، بل ضاعت بعض قضاياه مثل فلسطين، وباقي القضايا العربية لا تزال معطلة، وأمريكا والغرب يلعبان دورًا أساسيًا في ضياع وتعطيل هذه القضايا العربية”.

وكان القنصل الصيني في الإمارات، لي شيوي هانغ، أكد على انعقاد القمة الصينية العربية الأولى في المملكة العربية السعودية في أوائل شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وتحديدا خلال الأيام العشرة الأولى من الشهر.

وفي تصريحات متلفزة، كشف وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، عن انعقاد قمة سعودية صينية، وقمة خليجية صينية، وقمة عربية صينية.

كما قال في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، إنه من المرتقب أن يقوم الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بزيارة إلى المملكة العربية السعودية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس