العلاقات الأميركية الأفريقية في مفترق طرق وعود بايدن المؤجلة وشبح عودة ترامب

2
العلاقات الأميركية الأفريقية في مفترق طرق وعود بايدن المؤجلة وشبح عودة ترامب
العلاقات الأميركية الأفريقية في مفترق طرق وعود بايدن المؤجلة وشبح عودة ترامب

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – أرض الصومال. هل أفريقيا مستعدة لعودة دونالد ترامب”؟، بدا هذا السؤال، الذي عنون به الكاتب ديفيد توماس مقاله الصادر في العدد الأخير لمجلة “أفريكان بينزس” (يناير 2024)، لافتا، خاصة وأنه تزامن مع جولة أفريقية جديدة يقوم بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بليكن إلى مجموعة من الدول الأفريقية.

شملت جولة بلنكن أربع دول على ساحل المحيط الأطلسي هي الرأس الأخضر وساحل العاج ونيجيريا وأنغولا. وقد شدّد المسؤول الأميركي في تصريحات متعاقبة خلال جولته على أن “الولايات المتحدة ملتزمة بتعميق العلاقات مع إفريقيا على الرغم من الأزمات العالمية”.

وكتب المحلل في صحيفة ينوروك تايمز مايكل كراولي، الذي رافق بلنكن في جولته الأفريقية، في مراسلته قائلا: “وصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى سلسلة جزر أفريقية نائية قبل أن يتوجه إلى ساحل العاج الاثنين (24 يناير 2024)، في مستهل جولة تشمل أربع دول عبر القارة تهدف إلى إظهار اهتمام إدارة بايدن المستمر بإفريقيا وسط الصراعات الكبرى في أفريقيا، الشرق الأوسط وأوروبا”.

وخلال جولة في ميناء برايا، عاصمة الرأس الأخضر، “أشار بلينكن إلى أن المنشأة هناك قد تم توسيعها وتحديثها بما يقرب من 55 مليون دولار من المساعدات الأمريكية، مما يجعلها “بوابة أقوى بكثير إلى أفريقيا لنا وللعديد من الدول الأخرى”. وأضاف أن “هذا المشروع اكتمل قبل أكثر من عقد من الزمن، لكن المزيد من أموال التنمية الأمريكية في الطريق””، وفق تغطية مايكل كراولي.

تنافس القوى

تنزّل جلّ التحليلات هذه الزيارة ضمن السياق العالمي العام الذي يشهد تزايد نفوذ الصين وروسيا في أفريقيا مقابل “فتور” العلاقات الأفريقية مع المستعمر الأوروبي القديم (الحليف الأميركي) وتصاعد التهديدات الأمنية والاضطرابات السياسية والانقلابات التي يعارض بعضها تواجد القواعد الأميركية في المنطقة الأفريقية.

تستشعر الإدارة الأميركية تراجع الحظوظ الأميركية في القارة الأفريقية، وتسعى جاهدة في ظل تراجع النظام العالمي الذي سيطرت عليه لعقود، إلى الحفاظ على مكتسباتها فهي تعلم حتى وإن ظلّت القوة العظمى فإنها لم تعد “تحكم” وحدها وأن العملاق الصيني يحفر جيدا في العمق الأفريقي وهي منطقة تشكل محورا رئيسيا في مباردة الحزام والطريق الصينية.

وهنا، نعود إلى تساؤل ديفيد توماس ماذا لو تكرر سيناريو انتخابات 2016، وعاد دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة حاملا معه شعار “أميركا أولا” وتصريحاته المستفزة وهو الذي وصف من قبل بعض دول القارة بأنها “دول قذرة”. وتسببت سياسته حول الهجرة في تصاعد العنف ضد الأفارقة في الولايات المتحدة.

في ظل هذ ا التاريخ المتوتر، يعتبر ديفيد توماس أن الأخبار عن فوز ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولايتي أيوا ونيوهامبشاير وحديث منظمو استطلاعات الرأي عن حملة قوية للوصول إلى البيت الأبيض ىمجددا، أخبارا “محبطة”، لإدارة جو بايدن التي تسعى إلى إعادة بناء الجسور مع القارة، واعتبار “أفريقيا أولوية” على حد تعبير بلنكن.

ضرورة ولكن

على مدى سنوات طويلة كانت القارة الأفريقية الملعب الخلفي للولايات المتحددة وقاعدة عسكرية متينة. وكانت واشنطن تعتمد بشكل كبير على “قوة” حلفاءها الأوروبيين، خاصة في فرنسا، وسيطرتهم التقليدية هناك. لكن، مع الانقلاب الحاصل في ميزان القوى العالمية ومع دخول الصين الناعم، ثم فرض روسيا لنفسها لاعبا وازنا في أفريقيا لم تعد الأرض الأفريقية صلبة تحت أقدام الأميركيين.

وزاد الطين بلة سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي ولئن لم ينكر أن الساحة الأفريقية ملعب رئيسي للمنافسة مع الصين، إلا أن ديبلوماسيته لم تكن متينة وفتحت ثغرات كثيرة نفد منها الصينيون والروس والأتراك والإيرانيون وإن بحظوظ وسيطرة متفاوتة.

زيارة أنتوني بلكن الأفريقية الأخيرة، ليست الأولى، فقد سبقتها جولات أخرى لرئيس الدبلوماسية الأميركية ولمسؤولون كبار في إدارته، لكن المثير للاهتمام هو توقيتها الذي يأتي مع صعود نجم ترامب مجدد وإثر الانقلاب الحاصل في النيجر في نهاية 2023، وانتشار تقارير تتحدث عن خطة الكرملين لاستبدال عناصر مرتزقة فاغنر بـ”فيلق أفريقيا”، ما يعني تعزيز الحضور العسكري الروسي، بعد تسجيل توافق سياسي كبير خلال القمة الروسية الأفريقية.

وكانت التقارير تحدثت عن أن “الفيلق الروسي الأفريقي” سينتشر في خمس دول منها ليبيا ومالي وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى بالإضافة إلى النيجر”، وقد كانت هذه الأخيرة محطة رئيسية في جولة أفريقية سابقة لبلنكن، في مارس 2023، جاءت لدعم رئيس النيجر المنتخب محمد بازوم، لكن في يوليو 2023 تمت الإطاحة به إثر انقلاب قاده الجيش وتولة بموجبه الجنرال عبد الرحمن تياني السلطة.

وكان من أبرز التحركات التي سجلها تياني إثر توليه السلطة زيارته إلى موسكو وإلى مالي، وهذه الأخيرة من الدول المذكورة في قائمة “فيلق أفريقيا” بالإضافة إلى أنها مركز رئيسي للقوة الفرنسية في أفريقيا بالإضافة إلى النيجر وبوركينا فاسو، وقد أعلنت هذه الدول الثلاث عن تشكيل “تحالف دول الساحل”، واعتبر هذا التحالف انعكاسا لتراجع نفوذ باريس على حساب موسكو وتراجعا في ميزان القوة الأميركية في تلك المنطقة.

ويتمركز في النيجر نحو 1100 جندي أميركي موزعين على القاعدتين الجويتين وسفارة واشنطن في نيامي، فيما ذكر تقرير لمجلة انترسبت الأميركية (في عدد سبتمبر 2023) أن “قوات الأفريكوم متمددة في مما لا يقل عن 18 موقعا استيطانيا، بالإضافة إلى معسكر ليمونير وجزيرة أسنسيون، وفقا للمعلومات الواردة من خطة وضع مسرح أفريكوم السرية لعام 2022”.

وفي موازاة جولة بلينكن، قامت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، بجولة في ثلاث دول أخرى في غرب إفريقيا هي غينيا بيساو وسيراليون وليبيريا حيث حضرت انتقالًا سلميًا للسلطة في البلد المضطرب.

إيران على الخط

لم يكن ينقص صداع الإدارة الأميركية في أفريقيا، إلا تصريحات المسؤولين الإيرانيين باستعداد بلادهم كسر الحصار الذي فرض على النيجر إثر الانقلاب. وتخضع النيجر لعقوبات اقتصادية ومالية شديدة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بعد الانقلاب العسكري.

وخلال لقاء مع رئيس وزراء النيجر، في 24 يناير 2024، قال محمد مخبر النائب للرئيس الإيراني، إن بلاده تدين “العقوبات القاسية التي يفرضها نظام الهيمنة”، معربا عن استعداد طهران لمساعدة النيجر في التغلب على العقوبات الدولية. ووقع البلدان العديد من الاتفاقيات في مجالات مختلفة، بما في ذلك الطاقة والصحة والمالية.

ودعمت طهران الانقلاب التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو والنيجر. وأشاد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في سبتمبر بـما اعتبره “مقاومة هذه الدول الأفريقية” في مواجهة “السياسات الأوروبية المهيمنة والاستعمار”.

نهضة أفريقيا

خلف الصورة النمطية لأفريقيا، قارة الانقلابات والتهديدات الأمنية والصراعات السياسية، تكمن صورة أخرى لدول أفريقية في طور النمو وتحقيق المعجزات الاقتصادية، وتصاعد في مؤشرات التنمية، بالإضافة إلى ظهور ملموس للاتحاد الأفريقي مقارنة بالماضي، من ذلك عضويته الجديدة في مجموعة العشرين ذات الاقتصادات الرائدة، وهي كلها مؤشرات تظهر أن التغيير قد حان في سياسات التعامل مع “نهضة أفريقيا”.

في بداية ولايته روّج جو بايدن لأجندة طموحة للسياسة الخارجية الأمريكية، ومن نقاطها تطوير العلاقات الأميركية الأفريقية. لكن، الرئيس الأميركي ورغم ما كل ما أشاد به عن العلاقات الأميركية الأفريقية لم يسجل في العام 2023 أية زيارة افريقية.

وقد جعلت الفوضى التي خلّفتها سياسة ترامب الأولويات الأميركية تضع أفريقيا على درجة ثانية من الاهتمام مقارنة بالشرق الأوسط وإيران والحرب في أوكرانيا والعودة إلى اتفاقيات باريس للمناخ والآن دخلت على الخط الحرب في غزة والاستفزازات الاسرائيلية التي زادت الطين بلة بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية.

وقد علقت مجلة “World Political Review” في تحليلها للسياسة الأميركية الأفريقية، على خلفية جولة بلنكن، لافتة إلى أنه “الرغم من التقدم الرمزي الذي أحرزته هذه الجولة، فإن جوهر سياسة واشنطن تجاه أفريقيا لا يزال يمثل مشكلة. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن دوافع البيت الأبيض للتعامل مع الدول الأفريقية تعتمد بشكل واضح على المنافسة مع الصين، حتى مع محاولة المسؤولين الأمريكيين تجنب ذكر بكين صراحة خلال الزيارات”.

وتضيف الدراسة إلى أن هذه السياسة لا تتوافق مع ما تطلع إليه الحكومات الأفريقية في الشريك الأميركي، فقد أعرب معظمها عن رغبتها في الحفاظ على مجموعة من الخيارات، ولا تريد الانحياز إلى أحد الجانبين، ولا تريد أن تُستخدم كبيادق في منافسة القوى العظمى”.

وبالتالي، فقد بات الأمر يتطلب أكثر من مجرد تلطيف في اللهجة وتكرار الحديث عن أهمية العلاقات الأميركية الأفريقية والتركيز على النهج الأمني لإعادة ترسيخ مكانة الولايات المتحدة كشريك رئيسي في القارة وأيضا لإقناع القادة الأفارقة بذلك.

تخلص أغلب التحليلات والدراسات إلى أنه كان هناك بلا شك تقدم في سياسة الولايات المتحدة تجاه إفريقيا في ظل إدارة بايدن، لكن واشنطن مستمرة في تكرار أخطاء سياستها السابقة في أفريقيا. ولكي تكون شريكا أكثر جاذبية مع وجود منافسين أقوياء يتعين على واشنطن أن لا تكتفي بالزيارات بل عليها أن تعيد تصور ما تحاول تحقيقه في أفريقيا وما يمكن أن تقدمه للدول الأفريقية على قاعدة بما يقدمه المنافسون وما يطلبه الأفارقة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس