المؤشّر العربي 2022؛ الاقتصاد أسوأ ولا ديمقراطية

6
المؤشّر العربي 2022؛ الاقتصاد أسوأ ولا ديمقراطية
المؤشّر العربي 2022؛ الاقتصاد أسوأ ولا ديمقراطية

حسين عبد العزيز

أفريقيا برس – أرض الصومال. المؤشّر العربي، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، منجز بالغ الأهمية على صعيد معرفة اتجاهات الرأي العام العربي معرفة علمية نحو مواضيع اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة، بما في ذلك اتجاهاته نحو قضايا الديمقراطية، وقيم المواطنة والمساواة، والمشاركة المدنية والسياسية، والمتغيرات التي تمر بها البلدان التي شهدت ثورات منذ عام 2011. وبالتالي يعتبر المؤشّر مادة علمية موثوقة للمهتمين في معرفة آراء الجمهور العربي تجاه القضايا السياسية والاقتصادية الراهنة، بما يسمح لهم بتعيين مستوى الوعي الجمعي العربي تجاه هذه القضايا، وإدراك المتغيرات الحاصلة في الوعي الجمعي بشكل مستمر.

ما يميز المؤشّر العربي، وأشرف عليه المدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، محمد المصري، في نسخته الثامنة لعام 2022 أنه أولا، حصل في 14 بلدا عربيا (موريتانيا، المغرب، تونس، ليبيا، مصر، السودان، الجزائر، فلسطين، لبنان، الأردن، العراق، السعودية، الكويت، قطر)، أي أن المجتمعات التي نفّذ فيها الاستطلاع تعادل نحو 85% من عدد السكان الإجمالي لمجتمعات المنطقة العربية. وثانيا، اعتماده الأسلوب الميداني المباشر في طرح الأسئلة. وثالثا في عدد المستجيبين للاستطلاع الذي بلغ أكثر من 33 ألف مستجيب ومستجيبة. ورابعا، في اعتماده العينة العنقودية الطبقية (في المستويات) متعدّدة المراحل، المنتظمة والموزونة ذاتيا والمتلائمة مع الحجم، في جميع الاستطلاعات التي نُفذت في البلدان المشمولة بالاستطلاع. وخامسا أنه شمل 472 متغيرا في عملية الاستطلاع. وقد استبعد السوريين، سواء داخل المناطق المحررة من سورية أو خارجه لصعوبات عملية الاستطلاع، حيث ينتشر السوريون في بلدان عديدة.

ينقسم المؤشّر العربي إلى ستة أقسام: تقييم الأوضاع العامة، الثقة بالمؤسسات الرئيسية، الرأي العام والديمقراطية، المشاركة السياسية والمدنية، دور الدين في الحياة العامة والحياة السياسية، اتجاهات الرأي العام العربي نحو محيطه. ولم تكشف المعطيات الميدانية للمؤشر العربي حالة الانقسام في العينة المستجيبة حيال القضايا المطروحة فحسب، بل والأهم غياب الوعي لدى عينة ليست قليلة حيال أسباب حالة التردّي السياسية والاقتصادية في العالم العربي، وفق ما ظهر في ملف الأوضاع العامة، والمؤسّسات الحاكمة، والديمقراطية.

ولذلك، تهتم هذه المطالعة بالمجالين السياسي والاقتصادي، بوصفهما المسبّبين للثورات العربية من جهة، وبوصفهما المجالين الرئيسيين اللذين يعاني منهما المواطن العربي.

تقييم الأوضاع العامة

ينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة أقسام: الوضع الأمني، الاقتصادي، السياسي. وستهمل السطور التالية الوضع الأمني، لأن معظم المستطلعة آراؤهم أشاروا بالإيجاب إلى حالة الأمان التي يعيشونها، وهذا طبيعي في ظل تحقق الاستقرار الأمني في البلدان التي جرى فيها الاستطلاع.

فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي، أفادت المسوحات الميدانية بأن 17% قيموا الوضع الاقتصادي بأنه جيد جدا، و49 % قيموه بالجيد، فيما قيم 22 % الوضع الاقتصادي بالسيئ، و12% بالسيئ جدا. وإذا استثنيا دول الخليج العربي التي جرت فيها المسوحات (السعودية، الكويت، قطر)، قيم 35% من المصريين أوضاعهم الاقتصادية بالسيئ والسيئ جدا، ثم العراق بنسبة 37%، وموريتانيا والمغرب بنسبة 40%، وفلسطين بنسبة 41%، والأردن بنسبة 52%، وتونس بنسبة 54%، ولبنان بنسبة 68%، وأخيرا السودان بنسبة 60%. وتبين النتائج أن 25% من مستجيبي البلدان المُستطلعة يرون أن دخل أسرهم يؤمن احتياجاتهم الأساسية على نحو جيد، وأنهم يستطيعوا الادّخار (الوفر)، في حين أن 42% أفادوا بأن دخل أسرهم يفي باحتياجاتهم ولا يستطيعون الادّخار (كفاف). أما 28% فقد قالوا إن دخل أسرهم لا يغطي نفقات احتياجاتهم (عوز)، وحالة العوز الأخيرة هذه كانت بنسبة 51% في تونس، و56% في لبنان، و59% في الأردن، و35% في إقليم وادي النيل. ولا توضح هذه النسب في ذاتها إلا أمرا واحدا، وهو استمرار تردّي الأوضاع الاقتصادية في جميع البلدان العربية المُستطلعة، باستثناء دول الخليج العربي الثلاث.

في عام 2011، كانت نسبة الذين وصفوا مستوى أسرهم المعيشي (أسر الوفر) 15%، وتبدو هذه النسبة الأقرب إلى الواقع مقارنة باستطلاع المؤشّر لأعوام 2019 ـ 2020 و2022، بسبب انضمام الكويت والسعودية وقطر في هذه الأعوام للاستطلاع. وانخفضت نسبة الذين أفادوا أن مستوى أسرهم المعيشي في حالة كفاف أو حالة عوز، من 83% في استطلاع عام 2011 إلى 70% في استطلاع عام 2022. وسبب هذا الانخفاض ضم ثلاث دول خليجية ذات وضعية اقتصادية مختلفة تماما عن البلدان العربية الأخرى خارج منطقة الخليج العربي، إلى الاستطلاع.

على صعيد سير الأمور بصفة عامة، هناك انقسام في التقييم، فقد أفاد 52% بأن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ في بلدانهم، بينما يراها 42% في الاتجاه الصحيح. ومردّ هذا الانقسام إلى اختلاف الأوضاع بين بلدان الخليج الثلاثة وباقي البلدان، ولكن إذا أمعنا النظر في النتائج في غير دول الخليج، سنجد أيضا تباينا في التقييم: في موريتانيا أجاب 52% أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، بينما قال 45% إن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ، وفي مصر 49% مقابل 45%، والمغرب 46% مقابل 46%، وتونس 37% مقابل 56%، والجزائر 45% مقابل 19%، أما في لبنان والسودان وفلسطين والعراق والأردن وليبيا، فهناك إجماع على أن الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ. وما يلفت الانتباه في هذه النتائج وجود نسبة ليست قليلة من الذين قالوا إن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح (42%)، ومردّ ذلك إلى العامل الاقتصادي لا السياسي، ففي جميع هذه الدول أو معظمها، لا وجود لديمقراطية حقيقية، ولا لحوكمة رشيدة إلا في الحدود الدنيا، أي أن الوضع الاقتصادي للمستجيبين هو العامل الحاسم في تقييمهم سير الأمور بصفة عامة. ويمكن وضع عامل الأمان بعد سنوات من عدم الاستقرار، لكن العامل السياسي يبدو أنه ضعيف في توجيه مواقفهم. ويلاحظ ذلك أيضا في البلدان التي أجمع فيها المستجيبون على أن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ، ففي لبنان والسودان وفلسطين والعراق والأردن وليبيا، ثمّة وضع اقتصادي صعب، وجميع أو هذه البلدان أو غالبيتها لم تحقق المعايير الديمقراطية الجدّية، ولا الحدود المقبولة من الحكم الرشيد وحوكمة المؤسسات.

يؤكّد ذلك نتائج المسوحات، فقد بلغت نسبة الذين اعتبروا أن الوضع الاقتصادي هو السبب في سير الأمور بالاتجاه الخاطئ 40%، في حين أرجع 14% ذلك إلى أسباب سياسية. ومن مؤشرات ذلك أن الوعي السياسي لدى الجمهور العربي ما يزال في حدوده الدنيا، على الرغم من مرور أكثر من عشرة أعوام على الثورات المنادية بإسقاط الأنظمة الاستبدادية وإحلال الديمقراطية حلا رئيسا لمشكلات البلدان العربية. وفيما يتعلق بالوضع السياسي، انقسمت الآراء بين الجيد جدا والجيد والسيئ والسيئ جدّا، وفيما كان التقييم جيد جدا في بلدان الخليج العربي الثلاثة، أفاد 55% من المصريين و50% من الأردنيين بأن الوضع السياسي في بلدانهم يتراوح بين الجيد والجيد جدا، مقابل أغلبية المستجيبين في البلدان الأخرى الذين قيّموا الوضع السياسي بالسيئ والسيئ جدا: العراق 86%، لبنان 84%، السودان 83%، فلسطين 80%، تونس 63%.

وفيما يتعلق بأولويات المواطنين، فقد انحصرت في ثلاثة محاور: اقتصادي، حيث أورد نحو 60% أن المشكلات الرئيسية تتعلق بالبطالة وارتفاع الأسعار والفقر. وأمني، إذ أورد 12% مشكلات الأمن والأمان وخطر الإرهاب والانقسام الجهوي والإثني وعدم الاستقرار السياسي. وفي المحور الثالث، أورد 16% أن المشكلات الأساسية تكمن في الخدمات العامة والفساد الإداري والحكم وسياساته والانتقال الديمقراطي. وتفيد نتائج الاستطلاعات بضعف الثقافة الديمقراطية في العالم العربي، وعدم إدراك الجزء الأكبر من الجمهور أن المشكلة الرئيسية للبلدان العربية هي الأنظمة الاستبدادية وغياب الديمقراطية نظاما يلعب دورا رئيسا في تجاوز المشكلات الاقتصادية والإدارية والسياسية.

تقييم مؤسسات الدول

هناك شبه إجماع بين مواطني البلدان المستطلعة على الثقة بمؤسسة الجيش، باستثناء السودان وليبيا، حيث أفاد 42% من السودانيين وثلث الليبيين المُستطلعة آراؤهم أنهم لا يثقون بالجيش، ومرد ذلك إلى عدم تسليم الجيش السلطة للقوى السياسية في السودان، وحالة الانقسام في ليبيا. وفيما يتعلق بأجهزة أمن الدولة (المخابرات، المباحث، الاستخبارات)، فقد عبر 67% عن ثقتهم بهذه المؤسسات في السعودية والكويت وقطر وليبيا، في حين انخفضت النسبة إلى 45% في فلسطين والسودان. وربما يمكن تفسير النسبة العالية للثقة بالجيش إلى الاستقرار الأمني الذي تشهده معظم البلدان المُدرجة في المؤشّر. وبالانتقال إلى أداء الحكومات، بيّنت نتائج الاستطلاع ثقة الغالبية بالأداء الحكومي، إذ عبّر 55% عن ثقتهم بمؤسسة الحكومة، مقابل 43% عدم ثقتهم بها.

وتجدر الإشارة إلى التفاوت الملحوظ بين البلدان العربية، ففي السعودية والكويت وقطر والجزائر ومصر، كانت نسبة الثقة بالحكومة تتجاوز الثلثين بالمئة، تليها تونس بأكثر من نصف المستجيبين. أما لبنان والعراق، فكانت نسبة الثقة بالحكومة منخفضة، 24% و22% على التوالي، فيما كانت نسبة انعدام الثقة مرتفعة في هذين البلدين، 75% و77% على التوالي. وفي السودان والأردن كانت نسبة عدم الثقة بالحكومة تبلغ 60%، وفي المغرب 59%، وفي فلسطين 53%، وفي ليبيا 52%، وفي موريتانيا 51%. تلفت الانتباه في هذه النتائج حالتا الجزائر ومصر، ففي الأولى كانت نتائج الاستطلاع في كل المجالات إيجابية، وهذا استثناء عربيا، وفي الثانية، يبدو تفسير هذه الثقة أمرا صعبا.

وبالانتقال إلى الثقة بالمجالس التشريعية، تأتي النتائج على غير المتوقع، فقد كانت نسبة الثقة بالمجالس التشريعية عالية في بعض البلدان: قطر 92%، السعودية 82%، الكويت 79%، الجزائر 75%، مصر 58%، ولا يظهر في المؤشر الأسباب الدافعة لهذه الثقة. وبلغت نسبة عدم الثقة بالمجالس التشريعية مستوى عاليا في العراق 82%، وتونس والأردن 80%، ولبنان 78%، وليبيا 64%، وموريتانيا 54%، والمغرب 53%. وتبدو هذه النسب طبيعية ومعبرة عن الواقع السياسي والمؤسساتي في هذه البلدان.

اتجاهات الرأي العام نحو الديمقراطية

من أهداف المؤشّر العربي التعرف على مفهوم المواطنين العرب للديمقراطية، وخلصت النتائج إلى أن الأغلبية العظمى قادرة على تقديم تعريف ذي دلالة لمفهوم الديمقراطية، إذ قدم 85% من المستجيبين إجابة ذات محتوى ودلالة. ووفقا لنتائج الاستطلاع، اعتبر 34% أن ضمان الحريات والحقوق المدنية والسياسية هي شروط الديمقراطية، فيما اعتبر 20% أن العدل والمساواة هو أساس الديمقراطية. وعن اعتبار العامل الاقتصادي وتحسينه شرطا للديمقراطية، أجاب 5% بنعم، في حين اعتبر 6% أن الأمن هو شرط الديمقراطية.

تدل الشروط التي أوردها المستجيبون بوصفها شروطا يجب توفرها في بلدٍ ما ليعد ديمقراطيا، على عدم وجود اختلافاتٍ بين مواطني المنطقة في تعريفهم وفهمهم للديمقراطية، ويعني هذا التطابق في الفهم وجود تماثل في الإطار المعرفي للمواطنين العرب نحو مفهوم الديمقراطية، وتشابه واقعهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

ومع ذلك، تظهر التباينات الطفيفة بين المستجيبين باختلاف البلدان، ففي الأردن وقطر ولبنان والسودان والكويت والعراق والجزائر وفلسطين، جرى التركيز على الحقوق والحريات المدنية بوصفها شروطا للديمقراطية، وكانت هذه النسب أقلّ في تونس والمغرب وليبيا. ومرد ذلك أن هذه البلدان الثلاثة تشهد مستوى حريات عاليا إلى حد ما، بسبب المناخ الديمقراطي السائد منذ عام 2011 (تونس)، وبسبب الديمقراطية والليبرالية المستقرّة المقبولة (المغرب)، وبسبب حالة الفلتان وغياب مؤسسات الدولة والانقسام السياسي الحاد (ليبيا). وفيما يتعلق بالعدل والمساواة شرطين للديمقراطية، فقد عبر 46% من الموريتانيين عن هذا الشرط، يليهم مستجيبو تونس ومصر. وفيما يتعلق بالأمن والاستقرار، شرطا الديمقراطية، كانت النتائج: العراق 19%، فلسطين 13%، السودان 12%، ليبيا 10%.

أما شرط تحسين الأوضاع الاقتصادية، فقد كانت نسبتها عالية في تونس ومصر والمغرب.

وهنا يُلاحظ، بناء على هذه المعطيات، أن تركيز إقليمي الخليج العربي والمشرق وإقليم وادي النيل كان على ضمان الحريات المدنية والسياسية، في حين ركّز مستجيبو إقليم المغرب العربي على شرطي المساواة والعدل، وكان مستجيبو المشرق العربي أكثر تركيزا على شرط توافر الأمن والاستقرار.

وفيما يتعلق بالموقف من الديمقراطية، هدف المؤشّر العربي إلى التعرف على قبول المواطنين للنظام السياسي الديمقراطي، لإظهار مدى حقيقة مقولة إن الديمقراطية لا تتلاءم مع قيم المجتمعات العربية وثقافتها. وقد استخدم عبارات معينة لمعرفة موقف المستجيبين من النظام الديمقراطي: الأداء الاقتصادي يسير بصورة سيئة في النظام الديمقراطي، النظام الديمقراطي يتسم بأنه غير حاسم وحافل بالمشاحنات، النظام الديمقراطي غير جيد في الحفاظ على النظام العام، النظام الديمقراطي يتعارض مع الإسلام، مجتمعنا غير مهيأ لممارسة النظام الديمقراطي. وعارض 58% من المستجيبين مقولة إن الأداء الاقتصادي يسير بطريقة خاطئة في النظام الديمقراطي، مقابل موافقة 33%، في حين عارض 56% مقولة إن النظام الديمقراطي غير جيد في الحفاظ على النظام، مقابل موافقة 35% عليها، وعارض 49% مقولة إن النظام الديمقراطي يتسم بأنه غير حاسم وحافل بالمشاحنات، مقابل موافقة 41% عليها، وعارض 66% مقولة إن النظام الديمقراطي يتعارض مع الإسلام، مقابل موافقة 24% عليها. وعلى صعيد موقف المستجيبين من مقولة إن مجتمعاتهم غير مهيأة لممارسة النظام الديمقراطي، أظهرت النتائج انقساما في الرأي العام العربي، إذ عارض هذه العبارة ما نسبته 45%، مقابل موافقة 47% عليها.

وما يلفت الانتباه في نتائج عام 2022، أن نسبة المعارضين لمقولة “إن الأداء الاقتصادي يسير بصورة سيئة في النظام الديمقراطي” بلغت 58% في الأردن والسودان والعراق وتونس ولبنان وموريتانيا وفلسطين، وهي النسبة الأقل منذ عام 2012، كما أن النسبة التي وافقت على هذه المقولة في عام 2022 هي الأعلى مقارنة بالاستطلاعات السابقة. وتظهر هذه النتائج أن المواطن العربي ينظر بإيجابية إلى الديمقراطية باعتبارها نظام الحكم السليم، ولكن عند الوقوف على أولويات المواطن العربي، يظهر أن الوضع الاقتصادي يحتل المرتبة الأولى. ويفيد ذلك بأنه، وعلى الرغم من أهمية الديمقراطية في تأسيس نظام الحكم السليم، إلا أن ثقل الضغوط الاقتصادية ما تزال الشاغل لمعظم العينة المستجيبة للاستطلاع.

وبالنسبة إلى مقولة “إن النظام الديمقراطي غير جيد في الحفاظ على النظام العام”، كانت النتائج ملفتة في العراق وتونس، حيث وافق 64% على ذلك في العراق و58% في تونس، ومؤشّر ذلك أن الديمقراطية غير المستقرة في البلدين أدّت إلى تدهور في أداء مؤسسات الدولة. وحقق الاستطلاع في العراق وتونس النسبة الأقل لجهة رفض مقولة “إن النظام الديمقراطي يتسم بأنه غير حاسم وحافل بالمشاحنات، فجاءت النسب متدنية، 27% في العراق و29% في تونس، في حين كانت النسب المعارضة لهذه المقولة أعلى في باقي البلدان. وفيما يتعلق بمقولة “إن مجتمعنا غير مهيأ لممارسة النظام الديمقراطي”، انقسم الرأي العربي، وجاءت النسب الأكثر رفضا لهذه المقولة في الجزائر 77%، المغرب 65%، موريتانيا 64%، الكويت 59%، مصر 52%، بينما أيدت هذه المقولة الأغلبية في العراق 73%، تونس 68%، ليبيا 62%، فلسطين 58%، الأردن 55%، لبنان 54%، السودان 52%. ولم يكن مستغربا أن تكون النسب المؤيدة لمقولة “إن مجتمعنا غير مهيأ لممارسة النظام الديمقراطي”، كانت في العراق وتونس وليبيا وفلسطين والأردن ولبنان والسودان، فباستثناء الأردن، تعاني كل البلدان الأخرى انقساما سياسيا حادّا بسبب الديمقراطية الوليدة أو المشوّهة.

لم يقتصر المؤشّر العربي على المقولات الخمس الماضية لمعرفة تأييد الجمهور العربي الديمقراطية فحسب، بل لجأ إلى استخدام معايير تقيس تأييد المواطنين النظام الديمقراطي. وأظهر أن توجهات الرأي نحو مقولة “إن النظام الديمقراطي وإن كانت له مشكلاته، فهو أفضل من غيره من الأنظمة”، إيجابية، حيث صوت 72% بنعم في كل البلدان مع اختلاف بسيط في النسب. ومع مقارنة هذه النتيجة بنتيجة استطلاع عام 2011، يظهر أن استطلاع عام 2022 أعلى بست نقاط مئوية عن عام 2011. ومن المهم الإشارة إلى أن القبول ببعض المقولات السلبية حول الديمقراطية في تونس والعراق، لم يترجم إلى رفض للنظام الديمقراطي.

تغيّرت مواقف الرأي العام العربي نحو مدى ملاءمة النظام السياسي السلطوي عند مقارنتها باستطلاعات السنوات السابقة، فقد ارتفعت نسبة الذين أفادوا بعدم ملاءمة هذا النظام من 62% في استطلاع 2012 ـ 2013 إلى 68% في استطلاع 2022، وانخفضت نسبة الذين أفادوا أنه ملائم من 25% في استطلاع 2012 ـ 2013 إلى 22% في استطلاع 2022.

الدين والحياة السياسية

جرى اختبار أثر الدين في الحياة السياسية، من خلال قياس اتجاهات الرأي العام نحو ستة مؤشرات، هي مدى قبول أو معارضة: أن يؤثر رجال الدين في تصويت الناخبين، أن يؤثر رجال الدين في قرارات الحكومة، أن تستخدم الحكومة الدين للحصول على تأييد الناس لسياستها، أن يحق لمرشحي الانتخابات استخدام الدين من أجل كسب أصوات الناخبين، أن يتولى المتدينون المناصب العامة، أن يجري فصل الدين عن السياسة.

ينحاز الرأي العام إلى مقولة إنه “يجب ألا يؤثر رجال الدين في كيفية تصويت الناخبين بنسبة 75% مقابل 19%. وعلى صعيد اتجاهات الرأي نحو مقولة “لا يحق للحكومة استخدام الدين للحصول على تأييد الناس لسياستها”، الرأي العام شبه متوافق على رفض استخدام الدين للحصول على تأييد المواطنين سياستها بنسبة 72%، مقابل 22% أيدوا ذلك.

وأيضا ترفض أكثرية الرأي العام العربي مقولة “استخدام مرشّحي الانتخابات الدين من أجل كسب أصوات الناخبين” بنسبة 73% مقابل موافقة 23%. وعلى صعيد اتجاهات المواطنين نحو تولي المتدينين مناصب حكومية، فقد انقسم الرأي العام نحو مقولة إنه “من الأفضل أن يتولّى المتدينون مناصب عامة في الدولة”، إذ وافق 46%، مقابل معارضة 48%.

وفيما يتعلق بمقولة “فصل الدين عن السياسة”، انقسمت الآراء على نحو متقارب، بين مؤيد للفصل 47%، ومعارض 48%. وتفيد النتائج بأن أكثرية الرأي العام، اللبناني والعراقي والمصري والتونسي والكويتي، توافق على أنه من الأفضل فصل الدين عن السياسة، بنسب تتراوح بين 52% ـ 80%. وفي المقابل، أكثرية الأردنيين والسودانيين والمغربيين والفلسطينيين والموريتانيين والقطريين والسعوديين، تعارض مقولة فصل الدين عن السياسة.

تُظهر النتائج السابقة أن الرأي العام العربي متحفظ نحو عملية الفصل بين الدين والسياسة، لكنه معارض في غالبيته لتأثير رجال الدين، سواء في كيفية تصويت الناخبين أو التأثير في القرارات الحكومية، خصوصا في البلدان التي تشهد موزاييكا طائفيا أو ديمقراطية ناشئة.

خاتمة

انطلق المؤشّر العربي من أن لدى المواطن العربي رأيا وموقفا من القضايا التي يعيشها. وبالتالي، من المهم سبر آراء المواطنين للتعرّف عليها، ومعرفة المزاج الشعبي تجاه القضايا الرئيسية الراهنة، ومن هنا أهمية استطلاع الآراء بشكل دوري. وتتمثل أهمية استطلاعات الرأي في أنها تمكّن الباحث من التنبؤ بما سيحدُث في المستقبل من خلال إجراء اختبارات على فئة معينة من جمهور معين. ومع أن الاستفادة من المؤشّر العربي لا تزال محصورة في النخب الفكرية، إلا أن من شأن الاستمرار في هذا المؤشّر أن يوسّع دائرة الاهتمام باستطلاعات الرأي، خصوصا لدى النخب الحاكمة، ثم إلى الجمهور العربي ذاته، فلأول مرة يوجد مؤشّر عربي لاستطلاع الرأي مستمر منذ نحو عشر سنوات.

يشكّل المؤشّر العربي أداة مهمة، ليس فقط من أجل التعرّف على مختلف القيم السائدة في المجتمعات، وتطوير تلك القيم ومعرفة مستقبلها، بل والأهم من ذلك، من أجل وضع خطط أو استراتيجيات بديلة للتعامل مع القضايا والأزمات وتعديل السلوك بخصوصها.

كما لا تقتصر أهمية المؤشّر العربي على استطلاعات الرأي فحسب، بل أيضا على تطوير الخبرة الميدانية التي ما تزال ضعيفة عربيا في عمليات الاستقصاء.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس