انتخابات تركية وتفاعلات عربية

4
انتخابات تركية وتفاعلات عربية
انتخابات تركية وتفاعلات عربية

أسامة الرشيدي

أفريقيا برس – أرض الصومال. كشف التفاعل العربي مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي جرى التصويت في جولتها الأولى في تركيا منتصف مايو/ أيار الحالي، عن حسرة كبير لدى الجماهير، بسبب حرمانها من الاشتراك في مصير بلدانها. ورغم إيجابيات كثيرة تضمّنها هذا التفاعل، إلا أنه كشف عن أوجه قصور في الذهنية العربية التي استُبعدت عقودا من ممارسة السياسة. فمنذ ما قبل الانتخابات بأشهر، تعامل بعضهم معها باعتبارها المعركة الفاصلة، والضربة القاصمة، التي إما ستقضي على المعارضة التركية، أو ستضيّع تركيا إذا خسر الرئيس رجب طيب أردوغان، وهو ما تحدّث عنه مؤثّرون عرب على مواقع التواصل. وهو تصوّر لا علاقة له بالممارسة السياسية، لأن العمل السياسي لا يتضمّن معارك فاصلة وانتصارات نهائية، كما أن المعارضة لن تختفي في حال خسارتها، بل ستستمرّ مثل ما استمرّت طوال العقود الماضية رغم خسارتها عشرات الاستحقاقات الانتخابية.

في يوم الانتخابات، كتب كثيرون على مواقع التواصل، وسمع كاتب هذه السطور بنفسه أشخاصا يتوقعون فوزا ساحقا للرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية، ولحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية، وهو تصوّر متأثر بشدة بالتراث الانتخابي العربي، الذي يكتسح فيه الزعيم الأوحد الانتخابات والاستفتاءات بنسب تصل إلى 99.9%، لكنه تصوّر طفولي وغير واقعي، لأن الانتخابات الديمقراطية تُحسم بنسب أقلّ من ذلك بكثير، والرئيس أردوغان نفسه دائما ما يفوز بنسب تفوق 50% بقليل. وحتى في مصر، ظهرت هذه السمة واضحة في أثناء الانتخابات الرئاسية النزيهة الوحيدة التي شهدتها البلاد في تاريخها، عندما فاز الرئيس الراحل محمد مرسي بنسبة 51.73% فقط.

أما عن التخويف من “ضياع تركيا” في حال فازت المعارضة، فيبدو أن من يردّدون ذلك كانوا غائبين عن متابعة المشهد التركي خلال السنوات السابقة، لأنهم بذلك يستهينون بالتغيرات التي حدثت للدولة والمجتمع في تركيا، ويقلّلون من الأهمية التي باتت تشغلها تركيا في السياسة الدولية، فتركيا لم تعد تلك الدولة الضعيفة، ذات الاقتصاد الهشّ، التي تتطلع إلى تقليد الغرب واللحاق بركبه في كل شيء، بل باتت أقوى بكثير، وانحسر التأثير الغربي في سياستها الداخلية والخارجية بوضوح، حتى لو كانت هناك سلبيات عديدة يمكن الحديث عنها في السياسة الخارجية التركية على وجه التحديد، والتي اتّخذت مواقف عدائية في ملفات عدة، قبل أن تضطر للتراجع أخيرا والتموضع بشكل مختلف. كما استطاع الأتراك تجاوز عقود من الاستبداد والانقلابات العسكرية، من دون أن تتعرّض بلادهم للضياع مثل ما يروّج بعضهم.

مفارقة أخرى شهدها التفاعل العربي، ازدراء بعض العرب الانتخابات في تركيا، وزعمهم أنها بلد غير ديمقراطي، رغم أن هؤلاء يعيشون في دولٍ لا تتمتّع بالحد الأدنى من الديمقراطية أو الشفافية، ولا يستطيعون الكلام بحرفٍ واحدٍ تجاه الأنظمة التي تحكمهم بقبضة حديدية، ولا تحقّ لهم المشاركة في اتخاذ قرار حتى بشأن الشارع الذي يسكنون فيه، أو البيت الذي يؤويهم، أو حتى مقابر عائلاتهم، تتعرّض للإزالة والهدم وهم عاجزون عن التفوّه ببنت شفة!

وتمثل التفاعل الأكثر إثارة للسخرية في تفاخر أحدهم بأن بلده غير ديمقراطي، وأن “ولاة الأمر” في وطنه هم من يتكفلون باتخاذ القرارات، وأن كل ما عليه هو أن يطيع الأوامر فقط. مبديا ازدراءه السياسيين الأتراك الذين يتطلعون دائما إلى نيل رضا مواطنيهم، أي أنه يتفاخر بعبوديته حرفيا!

وأخيرا، وبعد ظهور نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وجدنا بعض العرب يبدون استياءهم لأسباب مختلفة، ويحاسبون الشعب التركي على اختياراته! فبعضٌ أبدى غضبه من عدم تمكّن الرئيس أردوغان من حسم الانتخابات، واضطراره لخوض جولة إعادة، متهمين الأتراك بالخذلان ونكران الجميل والجحود تجاه ما قدّمه لهم أردوغان طوال 20 عاما. بينما غضب آخرون لسببٍ مختلف، إذ رأوا أن الشعب التركي جاهلٌ ولا يستحقّ الديمقراطية، لأنه ينتخب أردوغان وحزب العدالة والتنمية طوال العقدين الماضيين، من دون أن يبدي رغبة في التغيير! تبقى كذلك دروسٌ كثيرة يمكن استخلاصها من تلك الانتخابات، سواء في مواقف المعارضة التركية، أو في التعامل الغربي معها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس