تحركات “دول المغرب العربي” في أفريقيا… تعزيز علاقات أم استقطاب ومحاور

14
تحركات
تحركات "دول المغرب العربي" في أفريقيا... تعزيز علاقات أم استقطاب ومحاور

أفريقيا برس – أرض الصومال. تشهد الساحة الأفريقية زيارات وتحركات بوتيرة أكبر خلال الأشهر الأخيرة بين دول المغرب العربي (شمال أفريقيا)، والعديد من دول القارة الأفريقية، في إطار تنافسي لتحقيق أهداف متباينة بين دول المنطقة المغاربية.

في المدى القريب، يقوم رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، بزيارة دولة إلى الجزائر، حسب بيان لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج.

وحسب البيان ذاته، قام وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج الجزائري، رمطان لعمامرة، بزيارة عمل إلى بريتوريا، بدعوة من نظيرته من جمهورية جنوب أفريقيا، ناليدي باندور.

وبحسب الخبراء، فإن توطيد العلاقات بين جنوب أفريقيا والجزائر يشمل ملف انضمام الأخيرة لـ”بريكس”، إلى جانب ملفات ثنائية، لكنه ليس بعيدا عن حالة التنافس مع المغرب، في إطار التموقع ورفع أعداد الحلفاء في القارة، اتصالا بقضية “الصحراء” التي تمثل الأزمة الكبرى بين البلدين.

في المقابل، نجحت التحركات المغربية خلال السنوات الماضية في افتتاح نحو 27 قنصلية في مدينتي العيون والداخلة، بعد توطيد العلاقات مع العديد من الدول الأفريقية، من بينها “كوت ديفوار، وجزر القمر، والغابون، وساو تومي وبرنسيبي، وأفريقيا الوسطى، وبورندي، وزامبيا، وإسوتين، ومالاوي، وغامبيا، وغينيا، وجيبوتي، وليبيريا، وبوركينا فاسو، وغينيا بيساو، وغينيا الاستوائية، وهايتي، والكونغو الديمقراطية، والسنغال، وسيراليون، وسورينام، ومنظمة دول شرق البحر الكاريبي، وتوغو، والرأس الأخضر”.

ويرى الخبراء أن التحركات المغاربية تجاه دول قارتها الأفريقية ربما تأخرت، رغم أنها بدأت منذ أكثر من 10 سنوات، لكن وتيرتها زادت بدرجة كبيرة مؤخرا.

ورغم ما تفرضه الجغرافيا والمصالح المشتركة، فإن التقاربات بين الدول المغاربية لا تخلو من التنافس، ومحاولات التأثير الفردي فيما يتعلق بمصلحة كل دولة، وقد يتعارض مع الأخرى، فيما ألقى التنافس الدولي وعزم واشنطن فرض وجودها بصورة أكبر في القارة العديد من المتغيرات على الأرض، حسب الخبراء.

يقول البرلماني الجزائري، شريف بن حمو، إن “الملفات المطروحة خلال الزيارة تتمثل في توطيد التعاون الافريقي بين الجزائر وجنوب أفريقيا، وأن الملف الأبرز يتمثل في سعي الجزائر للانضمام إلى تجمع “بريكس”، خاصة أن تصويت جنوب أفريقيا لصالح الجزائر يرجح كفتها في ظل ترحيب الصين وروسيا بانضمام الجزائر”.

وإلى جانب ملف الانضمام إلى “بريكس”، تسعى الجزائر لتعزيز التعاون على المستويات الأمنية والاقتصادية، خاصة فيما يرتبط بمجال الطاقة.

و”تمثل جنوب أفريقيا سوقا مهما للصادرات الجزائرية، وتسعى الأخيرة لتوطيد العلاقة معها بشكل أكبر، وهو نفس الرهان الذي تسعى إليه ليبيا وتونس والمغرب مع البلدان الأفريقية الأخرى”، حسب بن حمو.

الأسواق الافريقية

تعد الأسواق الأفريقية فرصة كبيرة للاستثمار، وهو ما يجعلها محل تنافس على المستوى المغاربي والدولي، ففي الشق الأول تسعى الدول المغاربية لتحقيق العديد من الأهداف من خلال تعزيز حضورها في دول المحيط، بحسب تشغل المساحات التي يمكن أن تجدها القوى العالمية متاحة، ومن جانب آخر، فإن كل دولة تسعى لرفع عدد الحلفاء في المنطقة في ظل توتر بين بعض دول المغرب العربي، حسب الخبراء.

يقول الأكاديمي التشادي، إسماعيل محمد طاهر، إن “ثمة تنافس بين الدول المغاربية تجاه الدول الأفريقية”.

عمليات استقطاب

وأضاف أن “المغرب والجزائر يتنافسان في استقطاب العديد من الدول الأفريقية لبناء علاقات معها، اتصالا ببعض القضايا بين البلدين، وخاصة قضية “الصحراء”، وهي القضية التي تؤثر في مسار العلاقات بين البلدين والدول الأفريقية”.

تطور العلاقة في الفترة الأخيرة بين مالي والجزائر، أبرز الاهتمام الكبير بالتوجه المغاربي بين نحو الدول الأفريقية، إذ يبرز حضور المغرب والجزائر في المقدمة، فيما يظل الحضور الليبي محدودا والتونسي غير مؤثر في ظل انشغالها بالوضع الداخلي.

تحالفات وأهداف فردية

يقول محمد طاهر إن “تطور العلاقات بين دول المغرب العربي يأتي في إطار الاستفادة من هذه الدول في التصويت في المحافل الدولية أو على مستوى الاتحاد الأفريقي، فيما يتصل بالخلاف القائم بين البلدين، وكذلك في إطار كسب شغل المساحة التي كانت تشغلها فرنسا في هذه الدول، أو التأثير عليها عبر مزاحمتها في هذه الدول”.

ترتبط بعض الحركات الدينية المتصوفة في دول جنوب أفريقيا بشكل كبير بالمغرب، وهو ما يعد ضمن أوراق النفوذ في المنطقة بالنسبة للمغرب، الذي يسعى لاستقطاب العديد من الدول التي تحاول الخروج من الدائرة الفرنسية، وهو الدور نفسه الذي تلعبه الجزائر بقوة مؤخرا، في دول غرب أفريقيا والعديد من الدول في الوسط.

تحديات كبرى بالمنطقة

يقول مدير مركز رصد الصراعات في الساحل الأفريقي، الدكتور محمد علي كيلاني، إن “مساعي دول شمال أفريقيا في توطيد علاقاتها الثنائية بدول أفريقيا جنوب الصحراء، هو نتائج التحديات الكبيرة التي تواجهها الأخيرة عقب الاضطرابات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط”.

تتسم الأوضاع في دول شمال أفريقيا بالاستقرار، وهو ما يدفعها لتوطيد علاقتها بالمحيط الأفريقي لمواجهة التحديات في المحيط والمنطقة، وعلى الصعيد الدولي.

ويرى الكيلاني أن “المغرب لعب دورا محوريا في توطيد علاقاته الأفريقية، والتي توّجت بزيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى عدة دول أفريقية، وكللت جهوده في إبرام أكبر صفقة اقتصادية في تاريخ القارة الأفريقية وهو (أنبوب الغاز النيجيري والذي يمر عبر المغرب إلى أوروبا)، وهو تطور مهم في إطار التعاون بين الدول الأفريقية (تعاون جنوب جنوب)”.

في مجال التنافس الدولي في أفريقيا، يرى الكيلاني أن “دول شمال أفريقيا ظلت الدرع الواقي لأفريقيا في إطار محاولة التصدي لأزمة التنافس الدولي على القارة، وتخفيف حدته على كثير من البلدان الأفريقية وهو ما ترجم في رفض دول شمال أفريقيا التدخل الدولي في شؤون دول أفريقية أخرى”.

حديقة خلفية

يعزز الكيلاني قوله بأن “أفريقيا أصبحت الحديقة الخلفية للصراع الدولي، وهو ما يلاحظ بشكل قوي في ظل “الأزمة في أوكرانيا” والتي وصل صداها القارة الأفريقية، بحيث تسعى الأطراف لتكون أفريقيا طرفا في الأزمة”.

يذهب الباحث التونسي، باسيل الترجمان، إلى أن “توطيد العلاقات بين الدول الأفريقية هو أمر استراتيجي غاب طويلا عن اهتمامات الدول المغربية”.

ويوضح الترجمان أن “انتماء الدول المغربية للقارة الأفريقية تجعل من المساحة الجيوستراتيجية المنطقية لها تتمثل في علاقتها بدول قارتها، لا بدول القارات الأخرى”.

التوتر مع أوروبا

“تعيش الدول المغاربية مرحلة مخاض في علاقتها بالدول الأوربية، في ظل فتور وتوترات وتباين غير مسبوق في العلاقات وفي المقدمة فرنسا التي توترت علاقتها مع الجزائر والمغرب وتونس مؤخرا، وهو ما دفع الدول المغاربية بصورة أكبر نحو توطيد علاقتها مع دول قارتها، ربما على حساب العلاقات مع أوروبا في المستقبل”، حسب الباحث.

وبشأن التنافس الدولي تجاه أفريقيا، يرى الباحث باسيل الترجمان أن “الدول المغاربية ليست لها علاقة به نظرا لطبيعة صناعة القرار التي ترتبط بشكل أكبر بالقوى الكبرى”، لكنه يشير إلى “ضرورة أن تمتلك الدول المغاربية رؤية مستقلة عن الرؤى والسياسات الدولية، دون أن تكون في إطار المحاور الدولية”.

ويلفت الترجمان إلى أن “الصين التي تغلغلت في القارة راعت مصالحها في المقام الأول، ولم تلتفت لمصالح الدول المغاربية، وهو ما يتطلب الدور الفاعل من الدول التي تمتلك العديد من المقومات باعتبار الموقع والمصالح المشتركة بشكل أكبر”.

مساعي واشنطن

في المشهد، أصرّت واشنطن طوال السنوات الماضية على الحضور الأمني والعسكري والسياسي في أفريقيا، بما أتاح الفرصة بشكل أكبر لدول أخرى الحضور في المشهد، فيما تواجه فرنسا موجة غضب كبير من في القارة تقود نحو فك الارتباط بها وتراجع مكانتها بصورة غير مسبوقة.

ليبيا هي الأخرى ليست بعيدة عن المشهد، إذ تسعى الأطراف السياسية والعسكرية لبناء علاقات مع دول جارة وأخرى في منطقة عموم أفريقيا من أجل حشد التأييد على مستوى الاتحاد الأفريقي أو الدولي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس