فشل الخريف العربي

7
فشل الخريف العربي
فشل الخريف العربي

أسامة الرشيدي

أفريقيا برس – أرض الصومال. ظهرت بعد اندلاع ثورات الربيع العربي مقولات تزعم أن الثوار والنخب المدنية التي قادت تلك الانتفاضات ليس لها خبرة في إدارة الدول، وأنها فاشلة في تحقيق التقدّم الاقتصادي والرخاء الموعود لمواطنيها. كما زعمت تلك المقولات أن من الأنسب للدول العربية أن تخضع للحكم الفردي بقبضةٍ من حديد، حتى تتمكّن من تحقيق التنمية المنشودة، وتتخلّص من الجدل السياسي الذي أعقب الثورات، ومنع بلدان الثورات من تحقيق أي تقدّم. وبالفعل، صدّق بعضهم تلك المقولات، ورحّبوا بموجات الخريف التي اجتاحت الدول العربية، متصوّرين أنهم بذلك سيغرفون من أنهار اللبن والعسل التي ستجري من تحتهم، خصوصاً مع وعود بتدفق أنهار الأموال والخير العميم الذي سيرفل فيه المواطنون إذا ما تخلوا عن حرّيتهم وكرامتهم وأسلموا أمرهم للحكم الفردي، واكتفوا بتلبية احتياجاتهم الأساسية، لكن النتيجة أنهم فقدوا كل شيء!

فبعد مرور 12 عاماً على اندلاع الثورات العربية، تعيش تلك الدول واقعاً صعباً ويعاني مواطنوها من أزماتٍ اقتصاديةٍ وحياتيةٍ متفاقمة، فرغم أن الثورات أُجهضت منذ سنوات، إلا أن أنظمة الحكم التي تسلمت البلدان العربية وقادتها إلى الوضع الحالي حققت فشلاً ذريعاً، وأضحت الأوضاع أسوأ بكثير مما قبل 2010.

في مصر، قادت أجهزة الدولة العميقة تأزيم المشهد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، واشتهرت طوابير الخبز والبنزين وانقطاعات الكهرباء، في مشاهد بثّتها وسائل الإعلام للدلالة على فشل الرئيس الراحل محمد مرسي. وبالفعل، اختفت تلك الطوابير بعد ساعات قليلة من عزله في 3 يوليو/ تموز 2013. وتوهّم بعضهم أن الخطط وضعت للنهوض بالبلاد، خصوصاً مع تدفق عشرات المليارات من الدولارات من دول خليجية رحّبت بما حدث. لكن النتيجة أن تلك المليارات تبخّرت في مشروعاتٍ ليست ذات جدوى، بالإضافة إلى ما دخل من جيوب المسؤولين منها! كما جرى التفريط في ثروات أخرى في البر والبحر، مع إهدار ملياراتٍ إضافيةٍ لبناء قصور وشراء طائرات وغيرها من مظاهر فارغة، لتواجه البلاد فشلاً اقتصادياً هائلاً وأزماتٍ عميقة وارتفاعات كبيرة في الأسعار وشحّاً في المواد الغذائية. ومن المؤكّد أنها ستتفاقم خلال الأشهر المقبلة من دون أفق واضح لحلها. ومن الواضح كذلك أن المصريين على موعدٍ مع إهدار مزيد من المليارات بعد إنشاء “صناديق” جديدة ووضعها تحت تصرّف شخص واحد! وهو “إبداع” غير مسبوق لا علاقة له بإدارة الدولة التي يزعمون أنهم يجيدونها دون غيرهم، ويجعلها “عزبة” بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

لم يختلف الحال في تونس كثيراً، إذ دخل السياسيون بعد الثورة في مساجلاتٍ وتحريضٍ متبادل أفقد نسبةً لا بأس بها من المواطنين الثقة فيهم وفي الثورة والديمقراطية، لذلك رحّبوا بانقلاب قيس سعيّد وتركيزه السلطات في يديه، متصوّرين أنه سيبدأ في تحقيق الإنجازات بسرعة، طالما أنه أصبح المتحكّم في كل شيء، لكن النتيجة كانت خطباً مملّة من سعيّد، من دون تحقيق أي إنجاز له معنى، حتى إن صندوق النقد الدولي نفسه قرّر تأجيل منح تونس قروض بسبب الشك في قدرتها على تنفيذ إصلاحات أو سداد الديون. وأصبح التونسيون يبحثون عن مواد أساسية اختفت من الأسواق، فضلاً عن ارتفاع الأسعار وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة، حتى إن تونس طلبت مساعدات غذائية من ليبيا التي عاشت حرباً أهلية وتواجه انقساماً سياسياً بين شطريها. وأخيراً خفّضت وكالة موديز تصنيف ‎تونس الائتماني مع نظرة مستقبلية سلبية، قائلة إن التوترات السياسية والمخاطر الاجتماعية الكبيرة تفسّر وصول البلاد إلى مثل هذا المنعطف الحرج. هذا كله وما زال قيس سعيّد يطنطن بكلامه الفارغ، رغم اتضاح أنه ليس لديه ما يقدّمه.

والشيء بالشيء يُذكر، تبدو حالة ليبيا مثيرة للتأمل. فرغم مشكلاتها السياسية والاجتماعية، إلا أنها قادرة على مساعدة جارتها. كما أن المقارنة بين أحوال الليبيين داخل بلادهم نفسها، أي بين الغرب بقيادة حكومة الوحدة الوطنية، والشرق تحت قيادة الجنرال المهزوم خليفة حفتر، توضح الكثير. فمدينة بنغازي تعاني من انفلات أمني كبير وتصفيات واقتتال داخلي منذ سيطرة مليشيات حفتر عليها، بعد قتل آلاف من سكانها وتهجير بعضهم. ويقود هذه المليشيات نفسها نجلا حفتر في مؤشّر بالغ الدلالة على مآلات الحكم الفردي.

ورغم تخبّط السياسيين السودانيين وخلافاتهم، إلا أن حكومة عبد الله حمدوك كانت قد قطعت شوطاً في مجال إلغاء الديون التي كبّلت البلاد، والتي تبلغ نحو 50 مليار دولار، فضلاً عن وعودٍ بالحصول على مساعدات وقروض بمليارات أخرى. كما تمكّنت الحكومة من إقناع واشنطن بشطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الأمر الذي مهّد لقدوم استثمارات أجنبية والدخول إلى النظام المالي العالمي. لكن شهوة عبد الفتاح البرهان وحميدتي للسلطة، وتنفيذهما الانقلاب في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أدّت إلى توقف عملية إعفاء السودان من ديونه، كما توقفت المساعدات، ما أدّى إلى تفاقم الأزمات المعيشية في البلاد، ودخول السودان نفقاً مظلماً لا يبدو أن العسكريين الذين يتبجّحون بعدم قدرة المدنيين على إدارة الدولة قادرين على إخراج البلاد منه بسبب طمعهم في السلطة وفشلهم الذريع في السياسة والحكم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس