يفغيني بريغوجين.. كيف تحوّل “طباخ بوتين” إلى “خائن”؟

6
يفغيني بريغوجين.. كيف تحوّل
يفغيني بريغوجين.. كيف تحوّل "طباخ بوتين" إلى "خائن"؟

ريما أبو خليل

أفريقيا برس – أرض الصومال. تحوّل رئيس مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة يفغيني بريغوجين، في الساعات الأخيرة، من أحد رجالات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أكبر مصدر تهديد له ولحكمه.

الرجل الذي يقف وراء النفوذ الروسي في أفريقيا، والذي اشتهر بلقب “طباخ بوتين”، تحوّل في الساعات الأخيرة إلى “خائن”، مع تفجر الخلافات بين المجموعة التي يقودها، والقيادة العسكرية الروسية، واتهامه بقيادة “تمرّد مسلّح”.

فمَن هذا الرجل؟ وكيف تحوّل مع مجموعته إلى أكبر مصدر تهديد لبوتين؟

صعود نجم بريغوجين

وُلد بريغوجين عام 1961، في مدينة لينينغراد التي يتحدر منها بوتين أيضاً، ونشأ على يد أم عزباء، كانت تعاني من ضائقة مالية. كان بريغوجين، وفق موقع “ذا ماسنجر” الأميركي، معروفاً باقتحام الشقق، وبيع البضائع المسروقة في السوق السوداء، وقضى تقريباً كلّ السنوات بعد عام 1980 في معسكر اعتقال بتهم السرقة، والاحتيال، والدعارة.

عندما خرج بريغوجين من السجن عام 1990، وجد نفسه في روسيا مختلفة جداً: مكان فيه نوع جديد من الرأسمالية. دخل بريغوجين عالم الأعمال من بوابة كشك لبيع النقانق، تحوّل لاحقاً إلى سلسلة من أكشاك النقانق، فإمبراطورية تجارية صغيرة من محلات السوبرماركت والمطاعم.

أصبح أحد مطاعمه الفخمة الذي يحمل اسم “نيو آيلاند” على الواجهة البحرية في سانت بطرسبرغ، مفضلاً لدى الرئيس بوتين، للترفيه عن الشخصيات البارزة التي كانت تزور روسيا، بما في ذلك الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش.

كان بوتين شديد الإعجاب بصاحب المطعم، الشاب الطموح. فازت شركة التموين الخاصة به بعقود حكومية مربحة لإطعام أطفال المدارس الروسية والسجناء والجنود، وكان العقد العسكري الواحد وحده يزيد على مليار دولار. تولّى رجل الأعمال الروسي عقود تقديم الطعام للكرملين والجيش، ليُعرف بعدها باسم “طباخ بوتين”.

قبل الحرب على أوكرانيا، اشتهر بريغوجين في الولايات المتحدة الأميركية بتمويله “وكالة أبحاث الإنترنت” سيئة السمعة، التي اتهمتها واشنطن بنشر معلومات مضللة عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، نيابة عن الكرملين، قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2016. وقد اتُّهم بريغوجين في تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر عام 2019، وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليه، على خلفية علاقته بالعملية.

وعلّق بريغوجين يومها على الحظر الأميركي بالقول: “لست محبطاً لظهور اسمي على هذه القائمة البتة. إذا أرادوا رؤية الشيطان، فليكن ذلك”.

نشأة “فاغنر”

على الرغم من نفيه لسنوات تورطه مع مجموعة “فاغنر”، جيش الظل الخاص في الكرملين، بات بريغوجين يفخر اليوم بقيادته المجموعة، حتّى إنه ظهر وهو يقف بفخر عند قبور جنود “فاغنر” الذين قتلوا في أوكرانيا.

لا تزال أصول هذه المجموعة العسكرية الروسية الخاصة غير متفق عليها، ففي إحدى الفترات، كان الحديث يدور حول أنّ “فاغنر” تأسست في عام 2014، من قبل ضابط سابق في القوات الروسية الخاصة يُدعى دميتري أوتكين، لكن بريغوجين روى في العام الماضي قصة مختلفة.

قال بريغوجين يومها إنه قرّر إنشاء المجموعة بعد خروج تظاهرات من قبل الانفصاليين في شرق أوكرانيا في عام 2014، وأنه شخصياً قام بـ”تنظيف الأسلحة القديمة، واكتشاف السترات الواقية من الرصاص، والعثور على متخصصين بإمكانهم مساعدته في هذا الأمر”.

رواية بريغوجين هذه كان قد خالفها تقرير نشره موقع التحقيق الروسي “ذا بيل” عام 2019، مشيراً إلى أنه لم يكن لدى بريغوجين خيار في هذه المسألة، فقد توصل مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الروسية إلى فكرة “فاغنر”، واختاروا متعهد الطعام الذي كان متردداً في البداية، لتمويلها.

وعلى الرغم من الخلاف بشأن نشأتها، تمكنت المجموعة الروسية من ترك بصماتها في أماكن عدة، مع تنفيذها مهمات بالنيابة عن الكرملين. وكان لمقاتليها دور في ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وحاربوا بالنيابة عن الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس في أوكرانيا، كما قاتلوا في سورية إلى جانب نظام بشار الأسد، وتكبدوا خسائر كبيرة، وتوسّع نشاطهم ليشمل ليبيا والسودان ودول عربية وأفريقية أخرى.

وفق “ذا ماسنجر”، يُعتقد أن “فاغنر” عملت في 30 دولة تقريباً، غالبيتها في أفريقيا، وأنها قدّمت خدمات أمنية لبعض حكوماتها مثل السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، مقابل حصول شركات مرتبطة ببريغوجين على امتيازات تعدين الذهب والماس. واتُّهم مقاتلوها بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل، والاغتصاب، والتعذيب.

من جهتها، تقول صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إنه بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ألقى بريغوجين بمقاتليه في المعركة، الذين ازدادت أعدادهم بشكل كبير، مع تجنيد السجناء، ما جعله يواجه أسئلة مفتوحة وانتقادات، إذ شكّك محللون في أن يكون تجنيده للسجناء، وتأييده لعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، مقبولاً على نطاق واسع.

“أقسى قادة الغزو الروسي”

أصبح اسم بريغوجين متداولاً بشكل أكبر في الأشهر الأخيرة، مع لجوئه إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اشتُهر بالكلام القاسي والوحشية، فضلاً عن انتقاداته للقيادة العسكرية الروسية، واتهامه إياها بالفشل بتزويد مقاتليه بالذخيرة الكافية، وتجاهل معاناة الجنود.

اكتسب بريغوجين، وفق “ذا غارديان” البريطانية، سمعة بأنه “أقسى قائد بين أولئك الذين قادوا الغزو الروسي القاتم”، وبدا أنه يؤيد ضمنياً مقطع فيديو يُظهر مقتل أحد المنشقين عن شركة “فاغنر”، بمطرقة، الذي يبدو أن الأوكرانيين أعادوه في عملية تبادل أسرى.

“حرب” بريغوجين على القيادة العسكرية الروسية

في الخريف الماضي، وفي وقت كان جنوده يقاتلون ويموتون في ساحة المعركة في أوكرانيا، ظهرت إلى العلن خلافات قائد مجموعة “فاغنر” مع القيادة العسكرية الروسية. أيّد بريغوجين وقتها تصريحات رئيس الشيشان رمضان قديروف التي انتقدت أسلوب الحرب، ودعت إلى استبدال كبار القادة العسكريين، واستخدام الأسلحة النووية التكتيكية.

فضلاً عن ذلك، أيّد بريغوجين علناً مقطع فيديو نشره اثنان من قادة “فاغنر” في باخموت الأوكرانية، اتهما فيه قائد الجيش الروسي فاليري غيراسيموف بحجب إمدادات الذخيرة عن قوات “فاغنر”، موجهين الإهانات له.

لكنّ هذه الخلافات لم تكن جديدة، بل شكّلت آخر فصول النزاع طويل الأمد بين الجانبين، وفق “ذا ماسنجر”. وفي هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية والخبير في السياسة الروسية سيفا غونيتسكي للموقع، “إن بريغوجين كانت لديه مشاكل مع الجيش الروسي منذ سورية”، لافتاً إلى أن هناك شائعات بأن الجيش ترك جنوده يُقتلون على يد الأميركيين هناك.

بحسب غونيتسكي، إن امتناع بريغوجين بشكل عام عن انتقاد بوتين نفسه، قد يعني أنه كان يتصرف نيابة عن الرئيس لبثّ وجهات النظر الأكثر تطرفاً، ومحاولة معرفة ردّ الفعل العام عليها، مؤكداً أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يكرهونه في النظام الروسي.

ويشبّه غونيتسكي سلوك بريغوجين في الفترة الأخيرة، من الترويج لنفسه إلى نشر مقاطع فيديو من ساحة المعركة وغيرها، بسلوك بوتين في أيام شبابه، مشيراً إلى أن هذا النوع من “عقلية السجن” تسرّب إلى النخبة الروسية، لأنها تمثل تحدياً معيناً تجاه الغرب.

وفي هذا السياق، كتب المحقق الرئيسي في شؤون روسيا في موقع الاستقصاء مفتوح المصدر “بلينغكات” كريستو غروسيف: “أخبرني أعضاء في فاغنر أنهم سيصوّتون لبريغوجين على حساب بوتين في أي وقت، ويبدو لي أنه يشم رائحة دم”.

من جهتهم، يعتقد أشخاص على معرفة ببريغوجين، تحدثوا إلى صحيفة “ذا غارديان”، شرط عدم الكشف عن هوياتهم، أن لا المال ولا القوة كانا العامل المحفز الوحيد لسلوك بريغوجين، لافتين إلى أنه مدفوع بالإثارة، والاعتقاد بأنه يحارب النخب الفاسدة، والرغبة في سحق منافسيه.

ويقول رجل أعمال كان على معرفة ببريغوجين في فترة التسعينيات، إنه مندفع وموهوب، و”لا يتراجع أمام أي شيء للحصول على ما يريد”.

وانفجرت الخلافات بين رئيس مجموعة “فاغنر”، والجيش والأمن الروسيين، أمس الجمعة، حيث اتهم بريغوجين وزير الدفاع الروسي بإصدار الأمر بقصف مقارّ قواته، داعياً الروس إلى الانضمام إليه، فيما نفت وزارة الدفاع الروسية استهدافه، وفتح جهاز الأمن الروسي قضية بحقه بدعوى “التمرد المسلّح”.

وأكد بريغوجين عزمه على إطاحة وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس هيئة الأركان فاليري غيراسيموف.

واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم السبت، أن “التمرّد المسلّح” لمجموعة فاغنر خيانة وطعنة في الظهر، قائلاً في خطاب استثنائي إلى الشعب نقله التلفزيون، إن القوات المسلحة الروسية حصلت على الأوامر الضرورية، والردّ على التمرّد المسلّح سيكون قاسياً.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس