أيدان ج. سيماردون
أفريقيا برس – أرض الصومال. في خطوة فاجأت كثيرين، يستعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للاعتراف بـ”أرض الصومال” كدولة مستقلة، وفقًا لما ذكره وزير الدفاع البريطاني السابق غافين ويليامسون وموقع “سمافور” الإخباري.
وبما أن “أرض الصومال” تقع بالقرب من شبه الجزيرة العربية، ستوفر هذه الخطوة للغرب موطئ قدم جديد في حربه ضد اليمن الذي فرض، منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، حصارًا على السفن المتجهة إلى “إسرائيل”. لكن هذه الخطوة ستتسبب في الوقت نفسه في تعميق الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، مثل مصر وتركيا اللتين تربطهما علاقات وثيقة مع الصومال.
دولة صاعدة
“أرض الصومال” هي منطقة في الصومال أعلنت عام 1991 استقلالها الذي لم تعترف به أي دولة، وتعتبرها كل الدول جزءًا من الصومال، رغم أن بعضها يقيم علاقات دبلوماسية معها. ورغم صغر مساحتها (بحجم ولاية فلوريدا تقريبًا)، إلا أنها تضم ثلث سكان الصومال. وخلافًا لبقية أجزاء البلاد، بقيت بمنأى عن الحرب الأهلية، باستثناء القتال الذي اندلع في منطقتها الشرقية منذ عام 2023. ويجعلها موقعها بالقرب من خليج عدن قريبة من السفن المتجهة إلى قناة السويس واليمن.
منذ بداية الحرب الأهلية اليمنية عام 2014، سعت الإمارات العربية المتحدة إلى إيجاد شركاء في منطقة القرن الأفريقي لمواجهة حكومة صنعاء. وفي عام 2016، وقعت اتفاقية بقيمة 442 مليون دولار لبناء ميناء في مدينة بربرة في “أرض الصومال”، والتي تبعد 260 كيلومترًا فقط عن مدينة عدن اليمنية. وبعد عام، توسع الميناء ليشمل قاعدة بحرية وجوية، تُستخدم منذ عام 2018 لشن هجمات داخل اليمن. ولا تزال القاعدة العسكرية تتوسع، حيث تُبنى حظائر جديدة لاستيعاب مزيد من الطائرات.
وفقًا لموقع “ميدل إيست مونيتور”، تعمل الإمارات العربية المتحدة حاليًا على التوصل إلى اتفاق بين “أرض الصومال” وإسرائيل. في سعيها للحصول على موطئ قدم بالقرب من البحر الأحمر وخليج عدن، كانت إسرائيل واحدة من الدول القليلة التي أقامت علاقات دبلوماسية مع “أرض الصومال” عام 2010، رغم عدم الاعتراف الرسمي بها. وازداد اهتمام الدولة العبرية بالمنطقة منذ أن بدأ اليمن بشنّ ضربات مباشرة ضدها ردًا على الإبادة في غزة. وبموجب الاتفاق الذي تتوسط فيه الإمارات، ستبني إسرائيل قاعدة عسكرية في “أرض الصومال” مقابل الاعتراف بها كدولة مستقلة. وسيمكنها هذا الموطئ من الرد مباشرة على اليمن بدلاً من الاعتماد على الدول الغربية.
لكن رغم طموحات الإمارات وإسرائيل، لم تعترف أي من الدولتين رسميًا بـ”أرض الصومال”. ففي عام 2010، ترددت شائعات عن نية إسرائيل الاعتراف بها، لكنها تراجعت بسبب مخاطر إغضاب دول المنطقة. ويبدو أنها وجدت أن الخيار الأفضل هو أن تقوم دولة أخرى بالخطوة الأولى، مما يشجع الدول الأخرى على السير في الاتجاه نفسه.
الولايات المتحدة تدخل على الخط
عام 1993، غزت الولايات المتحدة العاصمة الصومالية مقديشو بهدف الإطاحة بالحكومة. ووصفت شبكة PBS المعركة بأنها “أعنف مواجهة نارية تخوضها القوات الأميركية منذ حرب فيتنام”، لكنها فشلت في تحقيق هدفها. وبعد بضعة أشهر، تم سحب آخر القوات الأميركية المتبقية في هذا البلد.
وبدءًا من عام 2007، تدخلت القوات العسكرية الأميركية مجددًا في الصومال من خلال عمليات بحرية ضد القراصنة وغارات جوية استهدفت جماعة “الشباب” السلفية المتمردة. ورغم هذه الجهود، واصلت الجماعة شن هجمات قاتلة ضد القوات الأميركية. وقبل شهر من مغادرته منصبه، أمر الرئيس ترامب بسحب القوات الأميركية. لكن الرئيس بايدن خالف هذا القرار عام 2022، وأعاد 500 جندي أميركي إلى الصومال.
رغم المساعدة الأميركية وإطلاق الحكومة الصومالية حملة عسكرية كبيرة عام 2022، كان تأثير هذه الجهود على حركة “الشباب” محدودًا. ومع تزايد المخاوف من فراغ أمني، طلب الصومال هذا العام تأجيل انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي. كما فقدت الحكومة الصومالية مزيدًا من السيطرة عندما أعلنت منطقة “بونتلاند” استقلالها. وفي الأسبوع الماضي، اشتبكت قوات في إقليم “جوبالاند” مع قوات الحكومة الصومالية، ما أسفر عن أسر 83 جنديًا صوماليًا وتسليم 600 آخرين أنفسهم الى السلطات الكينية عبر الحدود.
وربما في إشارة إلى استيائها من الصومال، أرسلت إدارة بايدن هذا الشهر وفدًا رفيع المستوى لتهنئة رئيس “أرض الصومال” المنتخب حديثًا عبد الرحمن محمد عبد الله عرو. تأتي هذه الخطوة في وقت دعت فيه شخصيات عدة في مؤسسات السياسة الخارجية الأميركية إلى التحول من الصومال إلى “أرض الصومال”. وقد أشاد الرئيس المقبل للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، جيم ريش، بزيارة الوفد الأميركي، مغردًا: “قد تكون إدارة بايدن أخيرًا بصدد التخلي عن سياستها الخاطئة بشأن صومال واحد. بعد إهدار الكثير من الوقت والتمويل على هذا النهج الفاشل، حان الوقت لأن نكون أكثر واقعية في سياستنا تجاه الصومال”.
كما أعرب وزير الدفاع البريطاني الأسبق، جافين ويليامسون، عن دعمه القوي لأرض الصومال. وقال لصحيفة “ذا إندبندنت”: “لقد رأيت الفوضى وانعدام الأمن في الصومال، وعندما زرت أرض الصومال رأيت دولة يمكنك التجول فيها والتحدث إلى الناس، وكانت الأجواء هادئة وعادية للغاية”.
اهتمام مؤسسة السياسة الخارجية بـ”أرض الصومال” لم يظهر إلا مؤخرًا، رغم إعلانها الاستقلال منذ 33 عامًا. وفيما يعزو هؤلاء هذا الاهتمام إلى كونها ديمقراطية مستقرة، غير أن الحقيقة هي أن أهميتها تكمن في كونها مركزًا متزايدًا للنفوذ العسكري الغربي في مواجهة اليمن.
وتدعم مؤسسة السياسة الخارجية أيضًا “أرض الصومال” في مواجهة التوسع الصيني في منطقة القرن الإفريقي. في عام 2017، افتتحت الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في جيبوتي التي تحدّ “أرض الصومال” وتقع بالقرب من اليمن. قبل ذلك، كانت جيبوتي مركزًا لقواعد عسكرية غربية فقط، بما فيها أميركية وفرنسية ويابانية وإيطالية. اليوم، تحولت جيبوتي إلى حليف لبكين، وواحدة من الدول القليلة التي تؤيد حملة الصين ضد الاحتجاجات في هونغ كونغ. وهي طلبت من الولايات المتحدة عدم شن ضربات جوية على اليمن، وسمحت للسفن الإيرانية بالرسو في القاعدة العسكرية الصينية.
تهديد الصين في جيبوتي تطرق إليه “مشروع 2025″، الذي يراه كثيرون بمثابة مخطط لرئاسة ترامب المقبلة. لذلك تضمنت التوصيات “الاعتراف باستقلال أرض الصومال كإجراء وقائي ضد تدهور موقف الولايات المتحدة في جيبوتي”. إذ إن “أرض الصومال” من البلدان القليلة في العالم التي تقيم علاقات وثيقة مع تايوان. وقد ردت الصين على ذلك بتعميق علاقاتها مع مقديشو، ورفعها إلى مستوى “الشراكة الاستراتيجية” وإرسال مساعدات.
وإذا اعترفت الولايات المتحدة بـ”أرض الصومال”، فمن المحتمل أن يحذو حلفاؤها حذوها، كما فعلوا مع كوسوفو عام 2008. وهذا قد تكون له مخاطره نظرًا لوجود قوات أميركية في الصومال، ولكن من المرجح أن يسحب ترامب تلك القوات، تمامًا كما فعل في رئاسته السابقة. وكدولة ذات سيادة، ستكون “أرض الصومال” أكثر أمنًا، مما سيفيد الإمارات وإسرائيل. كما أنها ستكون شريكًا أكثر موثوقية من جيبوتي وستشكل نقطة توازن ضد الصين.
اللاعبون الآخرون
الخطر الأكبر في اعتراف الولايات المتحدة بـ”أرض الصومال” لا يكمن في إغضاب الصومال، بل في إغضاب حلفائها. أصبحت مصر والصومال حليفين مقربين بسبب عدائهما المشترك لإثيوبيا. إذ أدى بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير إلى تقليص كمية المياه التي تتدفق إلى نهر النيل، مما أغضب مصر. وباعتبارها دولة حبيسة لا ساحل لها، وقّعت إثيوبيا و”أرض الصومال” مذكرة تفاهم هذا العام تمنح أديس أبابا حق الوصول إلى البحر عبر ميناء بربرة. وردًا على ذلك، وقعت مصر اتفاقية دفاع مع الصومال.
وفي عام 2017، افتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية أجنبية لها في مقديشو، وهي قاعدة “كامب توركسوم”، التي يمكنها تدريب ما يصل إلى 10,000 جندي. وقدمت أنقرة مليار دولار من المساعدات إلى أديس أبابا بين عامي 2011 و2022. وفي المقابل، مُنحت تركيا معاملة تفضيلية في استكشاف النفط. لذلك، ستؤدي مذكرة التفاهم بين إثيوبيا و”أرض الصومال” إلى تقويض وجود تركيا في المنطقة وطموحها في تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة.
الأسبوع الماضي، جمعت تركيا قادة إثيوبيا والصومال للتوقيع على إعلان أنقرة. ورغم أن معظم بنود الإعلان جاءت غامضة، إلا أنها تُعتبر مع ذلك اختراقًا دبلوماسيًا، إذ وافقت إثيوبيا والصومال على احترام وحدة أراضي كل منهما. وبموجب الاتفاقية، ستستمر إثيوبيا والصومال في الحوار بهدف تعزيز العلاقات الدبلوماسية بينهما. كما أنها لا تؤثر على وصول إثيوبيا إلى ميناء بربرة في أرض الصومال، لكنها تقلل من آمال “أرض الصومال” في الحصول على اعتراف إثيوبي.
اعتراف الولايات المتحدة بـ”أرض الصومال” من شأنه أن يُغضب مصر وتركيا. فمصر ستعتبر الخطوة انحيازًا إلى عدوها إثيوبيا، وتركيا ستراها تهديدًا لنفوذها الإقليمي وإنجازها الدبلوماسي. كما أن الولايات المتحدة قد تخسر حليفين لعبا دورًا مهمًا في الإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة؛ إذ ترفض مصر فتح حدودها مع غزة، بينما تستمر تركيا في إرسال صادرات حيوية، مثل الفولاذ، إلى إسرائيل. وقد تعكس الدولتان هذه السياسات انتقامًا من الاعتراف بـ”أرض الصومال”.
كما أن الولايات المتحدة قد تخاطر بتأجيج التوترات مع أطراف إقليمية أخرى. فقد عززت روسيا دورها في إفريقيا مع إقامة قاعدة بحرية روسية في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر. ورغم أن دور روسيا في الصومال محدود، إلا أنها عرضت مؤخرًا دعمًا عسكريًا ضد حركة “الشباب”. كما يدعم الاتحاد الإفريقي وحدة أراضي الصومال، وسيعارض أي اعتراف بـ”أرض الصومال” كدولة مستقلة.
المضي قُدُمًا
طالما استمرت الإبادة الجماعية في غزة والحرب في اليمن، ستبقى “أرض الصومال” لاعبًا أساسيًا للغرب. اعتراف ترامب بهذه الجمهورية سيوفر الأمن الذي تحتاجه دول مثل الإمارات وإسرائيل لمواصلة حملتها العسكرية ضد اليمن، وسيساعد في مواجهة النفوذ الصيني. ولن يكون للصومال مكان كحليف للولايات المتحدة، لكن ذلك سيكون أقل أهمية مع تدهور الوضع الأمني.
مع ذلك، يكمن التحدي الأكبر في موقف مصر وتركيا. فمصر تعتمد على الصومال كجزء من استراتيجيتها لمواجهة إثيوبيا، بينما ترى تركيا في الصومال فرصة لتحقيق طموحاتها النفطية. المفارقة أن اعتراف الولايات المتحدة بـ”أرض الصومال”، والذي يهدف إلى حماية إسرائيل من هجمات اليمن، قد يضعف إذا قررت مصر أو تركيا إعادة النظر في مواقفهما تجاه إسرائيل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال عبر موقع أفريقيا برس