عن انتخابات أرض الصومال

13
عن انتخابات أرض الصومال
ناخبة في "أرض الصومال" تقترع لانتخاب الرئيس (13/11/2017/

أفريقيا برس أرض الصومالتشهد أرض الصومال، أو ما تسمى جمهورية صومالاند التي كانت تعرف سابقاً بإقليم الشمال الصومالي، انتخابات رئاسية لانتخاب ثالث رئيس للجمهورية التي مازال العالم يدير ظهره لها، ولا يعترف بها. وتعد الانتخابات، وقد بدأت في 13 من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، مكسباً تاريخياً وسياسياً للمنطقة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، منذ إعلانها عن وثيقة الانفصال من الجنوب عام 1991، أي بعد سقوط الحكومة المركزية بأشهر، لكن ما يميز هذا القطر الصومالي عن غيره من الأقاليم المضطربة في الجنوب الصومالي هو الهدوء النسبي، والاستقرار السياسي فيها، وتغليب لغة الحوار على منطق السلاح وفوهات الرصاص، على الرغم من أن قبائل في الإقليم نفسه تعارض النظام السياسي المبني على الانفصال، والانسلاخ من الجسد الصومالي برمته، أي ما يعرف محلياً النكران الذاتي للهوية الصومالية، إرثاً وحضارة.

مع تمزّق الجنوب، واستفحال ظاهرة الانفلات الأمني في البلاد، بالإضافة إلى الأزمات السياسية والإدارية التي تعصف بالأقاليم الأخرى، ثمّة ما يدعو المتابع بشأن الإقليم (جمهورية أرض الصومال) إلى التأمل في سر التماسك والأمن والاستقرار في تلك البقعة الهادئة، وسط محيط مضطرب سياسياً وأمنياً.

ولعل عدة عوامل رئيسية ساهمت في تماسك البنية السياسية والإدارية والأمنية في إقليم أرض الصومال، وهي قوة تماسك القبيلة التي تحكم الإقليم من الخفاء، أي “شيوخ العشائر” يديرون دفّة السياسة من الوراء. بالإضافة إلى دور دول الجوار، وخصوصا إثيوبيا التي تلعب دوراً في الحفاظ على أمن الإقليم واستقراره، على عكس الجنوب، فليس من مصلحة إثيوبيا إضرام النار في البيت الصومالي من الجنوب إلى الشمال، لتعزيز فرضية أن إثيوبيا ليست عدوا للصومال، ولا تستهدف أمنه واستقراره، بخلاف ما يشاع، في المنتديات السياسية ومواقع التواصل الاجتماعي. وإلى جانب ذلك، يؤمن المجتمع في أرض الصومال أن أمنهم واستقرارهم خط أحمر، فيدركون حجم المخاطر الأمنية التي يعيش فيها الإقليم الصومالي، ما يدفعهم إلى الحفاظ على أمنهم المستتب.

أكثر من سبعمئة ألف ناخب يصوتون لانتخاب ثالث رئيس للجمهورية التي يعاني منها الشباب، وفي مستوى قياسي غير مسبوق، بطالة تخنق حياة الخريجين من الجامعات المحلية، هذا بالإضافة إلى التضخم الاقتصادي الذي شلّ حركة الأسواق المحلية، فضلاً عن الهجرة غير الشرعية حيث يدفع الشباب ثمناً باهظاً لتأمين مستقبلهم، وغالباً ما تتبخّر آمالهم في المحيط الأطلسي، أو عبر البحر الأحمر وقبالة السواحل اليمنية.

كانت هذه الأزمات هي التي هيمنت على مشهد الحملات الانتخابية في جمهورية أرض الصومال، ولكل مرشح (موسى بيحي مرشح حزب كليمة، عبدالرحمن عرو مرشح الحزب الوطني، فيصل علي مرشح حزب أوعد) أساليبه لاستقطاب أكبر قدر ممكن من الناخبين، لكن ما يدركه الجميع أن تلك الوعود تتلاشى فور انتهاء الانتخابات، لتبدأ مرحلة جديدة من التصفيات بين الأحزاب، أو أن يثبت حزب كلمية أركانه في قاعدة الحكم مجدّداً.

تحقق “أرض الصومال” اليوم انتصاراً تاريخياً، فهي الوحيدة التي تمكّنت في الإقليم من تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، لا تنتهي إلى فصول صراع دموي، مثل ما حصل في كينيا عام 2007، حيث جرّت الانتخابات البلاد إلى حرب أذاقت الكينيين المعاناة، وقتل على أثرها نحو ألف كيني. ويبدو أن لدى الإدارة السياسية في أرض الصومال القدر الكافي من الإمكانات لتذليل صعوبات تنظيم الانتخابات الشعبية، بمشاركة نحو مليون ناخب، وبإشراف عشرات المراقبين الدوليين، و16 سفيراً أجنبياً، وهو أمر صعب تنظيمه على قادة الجنوب.

ومن المتوقع أن تصدر النتيجة النهائية بعد غد الجمعة (17 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري). وسينتصر حزب ما على غريمه التقليدي، وبذلك تتضح ملامح المشهد الانتخابي الرئاسي في أرض الصومال. ويتوقع محللون ومتابعون فوز حزب المرشح الوطني، عبد الرحمن عرو، كونه حصد نسبة كبيرة من الناخبين في الفترة الأخيرة التي سبقت الانتخابات الرئاسية. وسيعزز رصيده الشعبي اعتقاده الراسخ بالهوية الصومالية، وإيمانه بإجراء حوار وطني ووفاق مع الجنوب الصومالي، على غرار ما حصل في جنوب السودان، من أجل نيل الاعتراف بجمهورية أرض الصومال، ويؤمن بأن فوضى الجنوب الأمنية والسياسية لا تمثل فرصة لانتزاع الاعتراف بالجمهورية دولياً وإقليمياً.

لكن ثمّة من يراهن على فوز مرشح حزب كلمية، القابع بكرسي الحكم أكثر من عقد، فهو صاحب النصيب الأكبر من الأصوات، والأقدر في إخراج أرض الصومال من الأقبية المحلية إلى فضاء العالم، ونيل اعتراف دولي، مستشهداً بما حققه من صفقات تاريخية مع شركة موانئ دبي العالمية، وإمكانية إنشاء منطقة حرة اقتصادية في مدينة بربرة على يد الإماراتيين، وهذه من إنجازات يفتخر بها حزب كلمية للعودة إلى قصر هرجيسا مرة ثالثة. أما حزب أوعد المعارض، والذي يقوده السياسي المخضرم، فيصل علي ورابي، فهو شأن آخر. وبحسب متابعين كثيرين، فإنه لا يمتلك رصيداً قوياً للتربع في سدّة الحكم، فهو الأقل شعبية في الإقليم، لكنه الأكثر ضجّة بسبب تصريحات فيصل النارية، والتي تتناقلها وسائل الإعلام المحلية صباح مساء.

يرى سياسيون كثيرون في الجنوب أن أرض الصومال يمكن أن تعود إلى الحضن الصومالي والعربي، فالمفاوضات التي كانت بين الحكومة الصومالية وحكومة أرض الصومال برعاية تركية وصلت إلى طرق مسدود. ولعل دعوة خارجية أرض الصومال لتجديد ملف المفاوضات مع حكم مقديشو تعيد الدفء إلى العلاقات المتقطعة بين الشمال والجنوب، وقد اعتبر القادة في الجنوب الدعوة أمراً مهماً، لاستئناف المفاوضات في أقرب وقت ممكن.

ثمّة تطور سياسي لافت في جمهورية أرض الصومال، وهناك أيضاً استقرارأمني يمكّنها من أن تصبح المنطقة ممراً اقتصادياً مهماً في المستقبل القريب، وذلك مما سيشفي غليل مواطنين كثيرين في المنطقة، لإيجاد فرص عمل تحول دون أن يشقّوا عباب البحر، والانخراط في القرصنة قبالة السواحل المحلية، فهل تمضي أرض الصومال نحو الانفصال، أم تدفعها السياسات الإقليمية والدولية للعدول عن موقفها، وتتوحد مع نصفها الآخر؟