المدرسة اليابانية في السينما وتأثيرها عربيا

9
المدرسة اليابانية في السينما وتأثيرها عربيا
المدرسة اليابانية في السينما وتأثيرها عربيا

هاني بشر

أفريقيا برس – أرض الصومال. تنخرط فتاة كردية صغيرة في البكاء وهي تنظر إلى أبيها عبر حاجز زجاجي بمركز الاحتجاز في اليابان. لقد قُبض على الأب بعد أن أقدم على العمل بدون ترخيص قانوني عقب رفض طلب اللجوء الذي تقدمت به الأسرة. وحينها تجد الأخت الكبرى “ساريا” نفسها في موقف صعب وهي تحاول القيام بدور الأم التي توفيت، وتساند أختها وشقيقها الأصغر بعد غياب والدها خلف الأسوار. وفي نفس الوقت تعمل بالترجمة لأفراد من الجالية الكردية في اليابان الذين لا يجيدون اللغة اليابانية. هذا ما يحدث في فيلم “أرضي الصغيرة” للمخرجة اليابانية من أصول بريطانية إيما كاواوادا وبطولة الممثلة اليابانية لينا أراشي ذات الأصول العرقية المتعددة والممتدة إلى إيران وألمانيا والعراق وروسيا.

يعود التعاون السينمائي العربي الياباني لعقود سابقة؛ ففي عام 1963 تم إنتاج الفيلم المصري الياباني “جريمة على ضفاف النيل” من بطولة شادية وكمال الشناوي وحسن يوسف ومحمود المليجي. ويدور الفيلم حول قصة رجل أعمال ياباني متهم بالمشاركة في عصابة دولية؛ حيث يلتقي بالمطربة الشعبية التي تجسد دورها “شادية”.

حاز الفيلم على جائزة منظمة العفو الدولية في مهرجان برلين السينمائي الدولي الذي أقيم هذا العام 2022. ويعد محاولة من المخرجين الشباب ذوي الأصول المختلطة في اليابان؛ تسليطَ الضوء على أحد أوجه المعاناة الإنسانية التي تتوه ملامحها وسط الانبهار بكل ما يأتي من اليابان. وهي معاناة اللاجئين وخاصة أفراد الجالية الكردية الذين لا يتجاوز عددهم ألفي شخص في اليابان، إلا أن المخرجة آثرت أن يكون الفيلم تسليطا للضوء على قضاياهم وقضايا غيرهم من اللاجئين في البلاد. وقد ساعد في هذا الأمر أن المخرجة والممثلة لينا أراشي من أصول مختلطة، حيث حفزتهم على الاحتكاك بالجاليات الأجنبية في البلاد وسبر أغوار حياتهم وقصصهم الخاصة.

ويعد الفيلم نموذجا لتفاعل السينما اليابانية مع مواضيع أجنبية تتقاطع مع قضايا العالم العربي. وهو ليس الفيلم الأول من نوعه، إذ سبقته عدة تجارب؛ منها على سبيل المثال الفيلم الياباني “أسطورة في الرمال” الذي تم تصوير أغلب مشاهده في مصر وتحديدا في الواحات البحرية عام 2005 عن قصة شخص ياباني يبحث عن صديقته التي تعرضت للاختطاف وتصل به خيوط البحث إلى مصر. واللافت أن تجربة مشاركة ممثلين مصريين في أفلام يابانية قامت بها الممثلة المصرية رولا محمود، وكان يمكن أن تكون التجربة بداية مهمة لها في إطار التعاون السينمائي العربي الياباني، لكن الممثلة رولا اختفت بظروف غامضة في بريطانيا قبل نحو عامين بعد الحديث عن إصابتها بكورونا هناك ولا تزال قضية اختفائها تتفاعل إعلاميا.

ويعود التعاون السينمائي العربي الياباني لعقود سابقة؛ ففي عام 1963 تم إنتاج الفيلم المصري الياباني “جريمة على ضفاف النيل” من إخراج كو ناكاهيرا وبطولة الممثل الياباني إيشيهار يجيرو وشادية وكمال الشناوي وحسن يوسف ومحمود المليجي. ويدور الفيلم حول قصة رجل أعمال ياباني متهم بالمشاركة في عصابة دولية ويحاول إثبات براءته ويسافر إلى بيروت ومصر، حيث يلتقي بالمطربة الشعبية التي تجسد دورها “شادية”، وتساعده في إثبات براءته.

جماليات السينما اليابانية

تعبر السينما اليابانية عن تقاليد وعادات المجتمع الياباني كقيم الأسرة والانضباط. كما تعكس جماليات الفن الياباني المبثوث في مختلف نواحي الحياة هناك، بداية من فن الرسم وليس انتهاء بحركات التحية والأزياء. وهي عادات وفنون ذات مذاق شرقي بامتياز. لذلك فإن مثل هذه الأساليب تجد لها صدى عند الجمهور المشرقي بشكل عام ومنه الجمهور العربي. وإذا أخذنا مثالا على ذلك من الدراما نجد أبرز مثال هو مسلسل “أوشين” الذي عرض قبل نحو 3 عقود وحصد شعبية هائلة في أكثر من 60 دولة منها مصر وإيران وغيرهما من الدول.

والإعجاب المشرقي بالفن السينمائي الياباني ليس مبنيا فقط على كثير من العادات والقيم المشتركة، ولكن لوجود جماليات وخصوصية للسينما اليابانية ألقت بظلالها على مختلف الثقافات. فقد أثرت السينما اليابانية في الحياة السينمائية حتى في الدول الغربية. فعلى سبيل المثال، فإن كثيرا من أبرز مشاهير المخرجين في العالم تأثروا بالمخرج الياباني الراحل “أكيرا كوروساوا” الذي يلقبه اليابانيون بإمبراطور السينما اليابانية، منهم مارتن سكورسيزي وستانلي كوبريك وستيفن سبيلبرغ. وكان كوروساوا، الذي حصل على جائزة الأوسكار عن مجمل أعماله عام 1990؛ أول من استخدم الحركة البطيئة في تسلسل الحركة وطور تقنيات استخدام كاميرتين و3 كاميرات في التصوير، كما أنه مخرج فيلم “رجال الساموراي السبعة” عام 1954 الذي حظي بإعجاب في مختلف الدول وقدم فيه الثقافة الحربية اليابانية ممثلة في الساموراي وعاداتهم، ولم تعجبه هوليود. وقد مولت هيئات سوفياتية أفلاما له، وقام أيضا بإحياء التراث الأدبي الروسي سينمائيا، فألف فيلم “الأبله” عن رواية الأديب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي.

وربما لا يعلم كثيرون أن هذا المخرج الياباني كان رساما موهوبا أيضا، ولم يكتف برسم المشاهد المبدئية لأفلامه قبل التصوير، بل استخدمها كلوحات جمالية مستقلة، وأقيمت عدة معارض لهذه الرسومات في أوروبا. وكان ذا فلسفة خاصة في النظر للفنون والسينما والتلفزيون، إذ يقول في مذكراته المنشورة تحت عنوان “عرق الضفدع” إن السينما تشبه الأرنب والتلفزيون يشبه السلحفاة في معرض تشبيهه للقدرات غير المستغلة لدى السينما، في حين يتقدم التلفزيون عليها برغم من قدراته الفنية الأقل.

ولا نستطيع القول إن السينما العربية استفادت من كوروساوا بشكل خاص، لكن ربما استفادت بشكل غير مباشر عن طريق التأثير العام الذي نشره في مختلف دول العالم. وإذا كان التعاون السينمائي العربي الياباني هو تعاون موسمي فإن لديه فرصة كبيرة للنمو والازدهار نظرا لمساحات التقاطع المشتركة من التاريخ السينمائي والعادات والتقاليد.

وكان المفكر المصري الراحل أنور عبد الملك يتبنى نظرية “الانتصار للشرق” ويدعو من خلالها إلى التوجه شرقا نحو دول آسيا بسبب القواسم المشتركة الحضارية والثقافية والتاريخية معها؛ في مقابل توجه آخر معروف كان يرنو دائما إلى النموذج الغربي الأوروبي والأميركي. وأعتقد أن نظريته أثبتت نجاحا جزئيا في مجال التعاون السينمائي العربي الياباني بالنظر للعوامل السابق ذكرها، ولهذا فإن تعزيز النظرة العربية لليابان بعيون سينمائية سيساهم بشكل كبير في تطوير السينما العربية وفتح آفاق جديدة لها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس