شاشات مطفأة.. أهناك من يهتمّ بإعادة تشغيلها؟

2
شاشات مطفأة.. أهناك من يهتمّ بإعادة تشغيلها؟
شاشات مطفأة.. أهناك من يهتمّ بإعادة تشغيلها؟

أفريقيا برس – أرض الصومال. عقب الإعلان عن تأجيل فعاليات فنية وسينمائية، في مصر والعالم العربي، ثم الإعلان عن إلغاء كامل، أو تأجيل إلى موعدٍ آخر غير مُحدَّد، ما يعني الإلغاء لكن بصيغة مواربة، تباينت الآراء، ولا تزال، بين إدانة كاملة لفكرتي التأجيل والإلغاء، ورفض منطق الإلغاء التام، وطرح صيغ أخرى بديلة له، والمُوافقة على التأجيل أو الإلغاء الكلّي، وتأييدهما، مراعاة للظروف العصيبة والحرجة التي تمرّ بها المنطقة، والمعاناة اليومية للشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزّة، ومعاناته بسبب حرب وتهجير وتطهير عرقي وإبادة سافرة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

بعيداً عن الآراء المطروحة، تأييداً أو معارضةً أو محاولة إيجاد بدائل، وعن وجهات نظر يُسوّقها كلّ جانب، لم يتجاوز طرح الغالبية الكبيرة ومناقشاتها إلى الأخطر، وذكره غير المتخصصين أو المعارضين من الجمهور: ماهية الفنون والفعاليات والمهرجانات، بكونها وسائل ترفيه وتسلية وإلهاء، وليست مقوّمات حياة، أو أدوات مقاومة وتنوير وإلهام لغدٍ أفضل.

لم يُقلِق أحدٌ تعرّضُ الفنون والفعاليات الفنية، خاصة المهرجانات السينمائية، لهجومٍ من أعداء الفنون بشعاراتهم الغوغائية، وحقٌّ يُراد به باطل، كأنْ يُقال إنّ الفنون والمهرجانات “كماليات” في بلدان تحتاج إلى “الأساسيات”؛ أو أنّ هذا ليس وقته أبداً. لم يتساءل أحدٌ: لماذا غالبية الفعاليات الفنية، المهرجانات السينمائية تحديداً، ضحية دائمة للأزمات؟

لأسئلةٍ كهذه، ولغيرها، أهمية، ولا بُدّ من طرحها ومناقشتها بشكلٍ مُوسّع وشامل، وبمنتهى الحرية والجدية، بغية إرساء قواعد تؤسّس لمستقبل لا تُطرح فيه مجدداً بديهيات كهذه.

الفنون، وفعالياتها ومهرجاناتها، من أساسيات الحياة، وليست لتقييم مدى تقدّم ثقافة الأمم وفنونها، وإلقاء الضوء على أهم الأعمال فقط، بل أيضاً مساحة عريضة لإسهامات ضخمة لتطوير الثقافة والسياحة والاقتصاد والاستثمار، ومُختلف جوانب الحياة في المدن المُقامة فيها، في حال إقامتها واستغلالها على النحو الصحيح.

المُثير للغرابة والدهشة أكثر، أنّ غالبية النقاشات والسجالات بين العاملين والمُهتمين بمجال الفن وصناعته، لم تتأمّل أو تتفحّص ردود فعل الجمهور العادي العريض، ولا أسباب عدم اكتراث الغالبية الكبيرة بأمر التأجيل أو الإلغاء، وكيف أنّ المُهتمين بالموضوع من الجمهور كانوا مُؤيدين للإلغاء، وبقوة، وربما الإيقاف الدائم، أو حتى الاستغناء عن الأنشطة الفنية إجمالاً. كيف لم ترعبهم فداحة الأمر، ولم يتساءلوا جدّياً عن أسباب عدم الاكتراث، أو هذا العداء؟ لماذا لا تمثّل الفعاليات الفنية في عالمنا العربي، خاصة المهرجانات السينمائية، أي أهمية بالنسبة إلى القاعدة العريضة من الجمهور؟ كيف لم تؤسّس مع الناس العاديين روابط عضوية حقيقية وثيقة؟

أسئلة تدفعنا، بل ينبغي أنْ تجبرنا على التفكير الجدّي الصادق والمُخلص في دور وأهمية وتأثير الفنون والفعاليات الفنية والعروض والمهرجانات السينمائية في بلادنا، وفي مدى جدواها وحيويتها لجمهور عريض يُفترض بها أنّ تستهدفه أساساً. أيضاً، وهذا مهمّ للغاية: مدى جدواها، اقتصادياً وسياحياً واجتماعياً واستثمارياً، وليس ثقافياً فقط. لذا، من باب المصداقية مع النفس، والرغبة الحقيقية في التطوير والتقدّم، إنْ كانت هناك نيّة لهذا، مُجبرون أيضاً على إعادة النظر في هوية المهرجانات القائمة، وبُنيتها وهيكليتها وتمويلها، وكلّ ما يرتبط بها، في محاولة لإنهاضها فعلاً، ودفعها بآلية ذاتية إلى الأمام، وليس الاكتفاء بمجرّد تسييرها بفعل العادة، وقوّة القوانين والتمويل والبيروقراطية الحكومية.

من هنا، نتساءل: لماذا لا يُقام نقاش جدّي، يتجاوز الإطار الحماسي الانفعالي اللحظي، إلى آخر نقدي وعقلاني ومنطقي، من دون إقحام اعتبارات سياسية ومصالح وأنماط اتّهام أو تسفيه شعبوية أو أمنية، لبلورة آراء علمية وتنويرية ونقدية، بعيداً عن الأفكار المعلّبة، عن دور الفنون في حياتنا وأهميتها، وعن ضرورة الفعاليات الفنية، عامة، والمهرجانات السينمائية خاصة، بمختلف المستويات. نقاش يبتعد عن أي تشخيص سريع وسطحي وعابر، ويُوغل عميقاً في تفنيد أسباب أعطاب بنية الفعاليات الفنية واهترائها وتكلّسها، المتجلّية أكثر في المهرجانات العربية، المحتاجة بإلحاح إلى إصلاحات فورية، عوضاً عن الركون القاتل إلى أمجاد ماضية.

إذاً، المسألة لا تنحصر أبداً في مجرّد نقاشات عابرة عن الموافقة أو الرفض لإقامة أو تأجيل أو إلغاء هذا المهرجان أو ذاك؛ وليس في طرح نقاشات عن دور الفن وأهميته في هذه الظروف العصيبة، أو إذا كانت الفعاليات الفنية والمهرجانات السينمائية في المنطقة ضرورية أو مُهمّة. إنّها ضرورية ومُهمّة ومُلحّة، وينبغي الإكثار منها بكلّ تأكيد. لكنّ المسألة معقودة على مدى جدواها وجدارتها وقدرتها على الاستمرار وجذب الجمهور العريض، وربط الجمهور بها عضوياً، بحيث يهمّه ويمسّه ويُؤثّر فيه بقوة انعقادها أو عدمه. لو تسنّى هذا فعلاً، عندئذٍ يُمكن ضمان استمرارية انعقاد أي فعاليات فنية، لأنّ الجمهور ركيزتُها الأساسية، والضامن لها. عندها، سيضع مُتّخذ القرار المردود الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وقبلها الجمهور، في الحُسبان. لكنّ الواقع، إلى الآن، يُظهِر، وربما يُؤكّد، أنْ حتّى أهل الفن والمُنخرطين في صناعة الفنون وإنتاجها هم أنفسهم، للأسف، لا يأبهون، أحياناً كثيرة.

الدليل على هذا، أنّه، في مصر مثلاً، حتّى قبل العدوان على غزّة، وبدء المذابح الدموية المستمرّة ضد الشعب الفلسطيني، كان يُفترض بصُنَّاع السينما أنْ ينتفضوا بعد واقعة “المهرجان القومي للسينما”، الذي فوجئ الجميع بانقضاء عام تقريباً من دون انعقاده، أو حتّى الإعلان عن موعد إقامته، وعمّا إذا كانت الدولة المصرية تُفكّر في إلغائه أساساً، أم لا. طُرحت تخمينات وتكهّنات وتساؤلات عدّة، وطبعاً غابت الإجابات، إلى أنْ صدر القرار الوزاري المُؤكّد على انعقاد المهرجان، ونفي نيّة الإلغاء، وإسناد رئاسته إلى المخرج يسري نصرالله. مهرجان ستُعقد دورته الـ25، ويُفترض بأنّ أهميته بالنسبة إلى صناعة السينما والأفلام المصرية تكون بأهمية “أوسكار” هوليوود و”سيزار” فرنسا و”غويا” الإسبانية؛ إلّا أنّه ليس كذلك أبداً، بل تناساه وتجاهله أهل السينما أنفسهم، وغفلوا عن موعد انعقاده، المتغيّر كلّ عام تقريباً، من دون ثبات للأسف، لأنّه غير مُهمّ بالنسبة إلى الأغلبية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس